الوحدة الوطنية قانون الانتصار

حجم الخط

بقلم: المحامية فدوى البرغوثي

 

منذ اللحظة الأولى لوقوع كارثة الانقسام حذر القائد الوطني مروان البرغوثي من هذه الكارثة وتداعياتها الخطيرة على مسيرة التحرر الوطني وعلى القضية الفلسطينية ووحدة النظام السياسي الفلسطيني ووحدة التمثيل، وواصل طوال السنوات التالية العمل والدفع نحو استعادة الوحدة الوطنية ووحدة الشعب والقضية والأرض والعمل الوطني، وواصل من زنزانته إصدار النداءات والبيانات والدعوات وإرسال المبعوثين والوفود والرسائل إلى جميع الأطراف لتحقيق هذا الهدف لإيمانه المطلق بأولوية ترتيب البيت الفلسطيني الذي يبدأ بإنهاء الإنقسام وإنجاز المصالحة الوطنية.

مع شديد الأسف كانت الفئات المستفيدة من كارثة الانقسام، وهي قليلة العدد واسعة النفوذ، تضع العصي المرة تلو الأخرى في دواليب المصالحة.

يمر شعبنا الفلسطيني في هذه المرحلة بالأسوأ والأخطر على قضيته وحقوقه ومستقبله منذ عقود من الزمن، فقد تضاعف الاستيطان منذ أوسلو حتى اليوم عشرات المرات، إضافة إلى مصادرة مئات آلاف الدونمات وشبكات الطرق والبنية التحتية للاستيطان، وتهويد القدس وتدمير وإغلاق المؤسسات الفلسطينية فيها ومحاولة تفريغها من أهلها، واستمرار الحصار الإجرامي على قطاع غزة منذ ما يقارب 15 عاماً، إلى جانب التغيرات العاصفة على المستوى العربي والإقليمي والدولي في غير صالح القضية الفلسطينية، وما يواجهه النظام السياسي الفلسطيني من محاولات عزل وتهميش. وكان الانقسام وما زال يشكل عنصرا رئيسياً في استمرار وتعميق خطورة هذه المرحلة، فقد أدى إلى إجهاض التجربة الديمقراطية الوليدة، وألحق ضرراَ شديداً بالنضال الفلسطيني وأضعف الأداء الميداني والسياسي والدبلوماسي شعبياً وعربياً ودولياً.

كما أن المقاومة تواجه مأزقاً بعد ثلاثة حروب إجرامية ضد شعبنا منذ الانقسام ورغم الصمود الأسطوري لشعبنا العظيم فما زال الحصار مستمراً، والوضع المعيشي في غاية الصعوبة والأفق السياسي مسدودا، والمقاومة الشعبية لم تتحول الى ظاهرة جماهيرية كبيرة قادرة على تغيير المعادلة على الأرض، وأمسى النظام الفلسطيني ككل يواجه في هذه المرحلة خطر الانهيار والتآكل التام، ويواجه أزمة بنيوية وأزمة شرعية.

أما مسيرة أوسلو فلم يعد يرى منها سوى سلطة بلا سلطة واحتلال بلا كلفة وطوفان من الاستيطان والمصادرة والتهويد والاعتقال والحصار والقتل والاعتداء والسرقة لذا فقد آن الأوان للإعلان عن نهاية هذه المسيرة وفشلها، يضاف إلى كل ذلك صفقة القرن ومشاريع الضم والتصفية.

أمام جملة هذه التحديات والمخاطر، وفي ظل مشهد فلسطيني منقسم وضعيف ونظام سياسي متآكل، جاءت مبادرة الحوار الوطني بين فتح وحماس ولقاء الأمناء العامين وما تلاها من لقاءات وحوارات في غزة ورام الله وبيروت ودمشق والقاهرة واسطنبول كخطوة أولى على الطريق الصحيح والطويل، وحتى لا تذهب هذه الجهود المباركة أدراج الرياح وكي تحقق أهدافها فإن من الأهمية بمكان التأكيد على شروط وقواعد نجاح هذه المبادرة:

اولاً: الإقرار أننا ما زلنا في مرحلة تحرر وطني. الأمر الذي يستدعي أن نتصرف وفق قوانين وقواعد هذه المرحلة، وفي مقدمة ذلك تغليب التناقض الرئيسي مع الاستعمار على كل التناقضات الجانبية، وأن الكل الفلسطيني يشكل جبهة واحدة وموحدة في المواجهة وعلى قاعدة التمسك بمبدأ المقاومة الشاملة التي تنخرط فيها كافة فئات شعبنا الفلسطيني وتستنهض وتوّحد جميع طاقات وقدرات وإمكانيات شعبنا وتجنيد التضامن الاقليمي والعالمي مع نضاله وحقوقه، وضرورة الاستفادة من التجربة التاريخية النضالية الغنية لشعبنا وللشعوب المقهورة بما يتطلب اختيار وسائل وأساليب وأدوات المواجهة المناسبة في كل مرحلة وبما يخدم أهداف شعبنا وقضيته، والعودة الى خطاب التحرر الوطني بكل مفرداته وشروطه.

ثانيا: إعتبار "وثيقة الأسرى للوفاق الوطني" المرجعية الأساسية والوطنية والتنيظيمية والتي حددت الأهداف والوسائل والإطار والأساليب، كونها حظيت بإجماع فلسطيني غير مسبوق.

ثالثاً : تحقيق الوحدة الوطنية على قاعدة الشراكة الوطنية الشاملة طبقا للمبدأ الذي صاغه وأطلقه القائد الوطني مروان البرغوثي " شركاء في الدم شركاء في القرار"، وتجسيد الشراكة من خلال إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس ديمقراطي بمشاركة كافة القوى وجميع مكونات الشعب الفلسطيني.

رابعاً: تسريع تحديد موعد نهائي وملزم لإجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية وللمجلس الوطني، وإصدار المراسيم الخاصة بذلك، حيث لا يمكن الاستمرار في التهرب من الاستحقاق الوطني والقانوني والشعبي والديمقراطي وضرورة العودة الى الشعب بصفته الحكم والسيد والفيصل ليقرر بمجموعه ممثليه وقيادته ومصيره عبر صناديق الإقتراع، واخذ الاجراءات اللازمة لضمان ان تساهم هذه الانتخابات في توليد نخبة فلسطينية جديدة تعكس الإرادة الشعبية من خلال عملية ديمقراطية نزيهة وسد الأبواب أمام أية تدخلات خارجية.

خامساً: إعادة النظر في وظائف السلطة الفلسطينية وجعلها جسر عبور لمشروع التحرر الوطني والحرية والعودة والإستقلال ومواجهة الاستعمار، وكذلك أهمية إطلاق الحريات السياسية والفكرية والإعلامية، وإعادة الاعتبار لسيادة القانون ومبدأ فصل السلطات واحترام حرية الرأي والتعبير وتطوير الإعلام الرسمي ليقدم مختلف التوجهات والآراء السياسية ويسهم في تعزيز الحريات والدفاع عنها والتعبير عن آمال وطموحات الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.

سادساً: أن يخصص للمرأة 30% من مقاعد التشريعي والوطني والمركزي والتنفيذية والحكومة ومختلف المؤسسات، ومن المؤسف أن الحوار الوطني خلال السنوات الماضية ومن اللحظة الأولى يتم في غياب العنصر النسائي علماً ان مشاركة المرأة في الحوار الوطني هو حق لها باعتبارها تشكل نصف المجتمع الفلسطيني.

سابعاً: إن القاصي والداني والكبير والصغير يعلم أن هناك أزمة ثقة عميقة بين النظام السياسي من جهة والجمهور الفلسطيني، وإن استعادة الثقة مجدداً تحتاج الى جهد استثنائي. وعليه من الضروري التسريع في عقد مؤتمر وطني للحوار الشامل فوراً وإقرار وثيقة العهد والشراكة بين جميع مكونات الشعب الفلسطيني وبين مختلف القوى السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية وممثلي مختلف التجمعات الفلسطينية في العالم إلى جانب ممثلي القطاعات المختلفة لاستنهاض طاقات ١٣ مليون فلسطيني لهم كامل الحق في المطالبة بان يسمع صوتهم ورأيهم وعليهم واجبات وطنية يريدون القيام بها، الكثيرون منهم يقومون بها خارج أي إطار جماعي جامع في حين أن توحيد وتراكم هذه الجهود سيعزز فاعليتها وتأثيرها وقدرتنا على تغيير الواقع الأليم الذي يعيشه شعبنا.

على كل فلسطيني غيور وحريص على المشروع الوطني أن يدعم الجهد المبذول لإنهاء الانقسام وترتيب البيت الداخلي وإجراء الانتخابات الشاملة. وإننا نحذر من أن الوقت كحد السيف يقطع بلا رحمة الأرض والشعب والقضية، والزمن ليس مع أحد بل مع من يستعمله ويوظفه كما يجب.

وختاماً، إننا نؤمن بشعبنا وإرادته في الحياة وبتجربته النضالية وقدرته على الصمود وتجاوز المحن ومواجهة التحديات، ومهما بلغت التضحيات فإن شعبنا الفلسطيني العربي سيتجاوز هذه التحديات نحو الحرية والعودة والاستقلال.