في تعديل الدستور ألأمريكى والمستقبل السياسى

حجم الخط

بقلم د. ناجى صادق شراب

 

 المتابع للسياسة ألأمريكية يقف على بعض مظاهر التغيير التي قد تطال بنية النظام السياسى الأمريكي ، وتضع النموذج الأمريكي محل تساؤل ونقاش. ولعل من أبرز هذه التغييرات ما يتعلق بالمحكمة العليا ومسألة التعيين. واليوم تبرز أهم قضية وتحد في نفس الوقت يتعلق بالدستور الأمريكي وإمكانية التعديل ، والتعديل في حد ذاته ليس مشلكة فقد أجريت منذ نشأته سبعة وعشرين تعديلا دستوريا. ولكن المقصود بتحدى التعديل الرغبة التي أبداها الرئيس ترامب في حشد إنتخابى له في ولاية نيفادا : بعد 52 يوما يوما سنفوز بولاية نيفادا وسنفوز بأربع سنوات أخرى في البيت ألأبيض، وبعد ذلك سنتفاوض. والقصد هنا التلويح بتعديل الدستور لفترة رئاسية ثالثه. وهنا يذكر بحكم الرئيس روزفلت الذى حكم لأربعة فترات رئاسيه .وقد سبق للرئيس أوباما أن رفض تعديل الدستور بتمديد الفترة الرئاسية . قائلا أن التعديل لا يصب في صالح الشعب الأمريكي بل في صالح الرؤساء وتشبثهم بالحكم.واضاف أن على كل من يجلسون على سدة الحكم والسلطه أن يعدوا أنفسهم لترك السلطة في موعد محدد.هذا هو التعديل التحدى الذى يمكن أن يواجه مستقبل السياسة ألأمريكية ويحولها لرئاسة ديكتاتورية. ويمس أحد أهم مكونات النظام السياسى الأمريكي.والدستور ألأمريكى من أقدم الدساتير في العالم، وما زال العمل جاريا به حتى اليوم دون تغيير بإستثناء تعديل بعض بنوده وهى ليست كبيره مقارنة بتاريخه، وهو ما يعنى ان أهم سمة من سماته الثبات وعدم التغيير، أضف للسمة الثانية وهو دستور مكتوب ما يعنى انه جامد اى يحتاج لإجراءات معقده لتعديله كما سنرى ، والسمة الثالثة أنه دستور فيدرالى حيث أن النظام ألأمريكى نظام فيدرالى تتوزع السلطة فيه بين السلطة الإتحادية وهى السلطة العليا وسلطة الولايات، وهذا يعنى إقرار مبدأ السمو الدستورى ، فلا شيء يخالف الدستور الإتحادى لا القوانين الإتحادية ولا دساتير الولايات ، وهذا ما يعطى للمحكمة العليا وزنا ومكانة سياسية كبيره في النظام السياسى ألمريكى حيث هي المسؤولة عن وظيفة الإلتزام وتنفيذ مبدأ السمو الدستورى.هذا وقد أستلهمت مبادئ الدستور الأمريكي من نظريات وأفكار فلاسفة التنوير والعقد ألإجتماعى أمثال جون لوك وهوبز وروسو .والذى دعا الكونجرس لكتابته في عام 1774، وجرى إختيار اول رئيس للولايات المتحده جورج واشنطن.ودارت نقاشات وجدالات كثيره إنتهت بإقرار الدستور الإتحادى بمقدمة تنص و ما زالت الملهمة : نحن شعب الولايات المتحده ، رغبة منا في إنشاء إتحاد أكثر كمالا وفى إقامة العدالة ، وضمان الاستقرار الداخلى ، وتوفير سبل الدفاع المشترك..نرسم ونضع هذا الدستور للولايات المتحده.ورغم الإقرار ان الدستور ألأمريكى لم يكن مثاليا في بدايته ، وان هناك الكثير من الثغرات التى تحتاج لوقت لتعديلها ،فكان الهدف أولا قيام الولايات المتحده ، بمؤسساتها وسلطاتها الثلاث التنفيذية ويمثلها الرئيس الأمريكي والتشريعية والتي يمثلها الكونجرس بمجلسيه النواب تعبيرا عن وحده الولايات المتحده والمساواه بين الولايات والشيوخ بولايتين لكل ولاية تحقيقا لمبدأ المساواة , وهو ما ىجمع بين الرغبة في الإتحاد والإستقلال مع ألإنحياز للسلطة الإتحادية ، والسلطة القضائية التي تقوم بها المحكمة العليا، وحرصا من المؤسسيين على تغليب المؤسساتية وضمان عدم التوغل من قبل اى سلطه تم إقرار مبدا الكوابح والجوامح وهو تنفيذ وتطبيق لمبدأ مونتيسكو السلطة تحد من السلطة . وضمانا لإستمرارية الدستور تم إجراء 27 تعديلا أهمها التعديلات العشرين المسماه بوثيقة الحقوق والتى تم إقرارها في 15-12-1791.وجاءت هذه الوثيقة للتوافق بين الفيدراليين أمثال هاملتون وجورج واشنطن والذين يعظمون قوة الدولة الفيدرالية ،وبين اللافيدراليين وأشهرهم توماس جيفرسون والمعارضين لزيادة السلطة الإتحادية.وهذا الجدال والنقاش يكشف لنا لماذا الجمهورية وليست الملكية علما ان الولايات المتحده وقبل إستقلالها كانت خاضعه لسلطة التاج ، وهذا ما يوضح لنا الحرص على إنشاء الجهورية والنظام الرئاسي وكان الهدف وجود رئيس قوى يجسد وحدانية الأمة الأمريكية وعظمتها وهذا ما يحاول الرئيس ترامب ان يقدم نفسه ألأن للفوز في ألإنتخابات. لكن في الوقت ذاته رئيسا وليس ديكتاتوريا ، فكان التقييد في تعديل الدستور وما يتعلق بالرئاسة والحكم. وكما اكد الباحث آرشى براون في كتابه :خرافة الزعيم القومى :القياده السياسية في العصر الحديث أن أخطر تحطيم للملكية في تاريخ الحكومات هو الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية.ولذا وافق المؤسسون وأصروا أن تكون حكومة الولايات المتحده جمهوريه وليست ملكية أو أرستقراطيه.وكما أشار أنه مع ستينات القرن التاسع عشر أكتملت منظومة الحقوق وتم تبنى العديد من التعديلات.والسؤال هنا هل للرئيس الأمريكي سلطه ودور في تعديل الدستور؟إبتداء عملية الدستور عملية تحتاج خطوات كبيره ومعقده وليست متاحه كما في تعديل القوانين ، وهنا الملاحظة الملفتة للنظر أنه إذا كان الدستور قد منح الرئيس ألأمريكى حق الإعتراض على القوانين التي يصدرها الكونجرس ،إلا انه لم يمنحه سلطة اوحتى حق الطلب بتعديل الدستور ، فلا يملك مثلا ان يخاطب الشعب الأمريكى مباشرة أو يطلب إجراء إستفتاء ، سلطة تعديل الدستور كفلها الدستور للكونجرس الأمريكي والولايات ألأمريكية ، وحتى يتم التعديل يحتاج أولا لثلثى أصوات الكونجرس بمجلسيه اى ثلثى الخمسمائة وأربعة وثلاثون صوتا ، وموافقة ثلاثة أرباع سلطة الولايات، وهذا ما يفسر لنا صعوبة التعديلات الدستورية وقلتها وصعوبة تعديل الماده الخاصة بحكم الرئيس والتي تم تحديدها بفترتين رئاسيتين فقط.هذا والتعديلات الدستورية تعتبر من اللحظات التاريخية الفارقة ودور الرئيس لا يتعدى أن يكون شاهدا كما في شهادة الرئيس جونسون الذى وقع شهادته على التعديل رقمى 24 و25، وشهادة الرئيس نيكسون على التعديل رقم 26 بمصاحبة ثلاثة أطفال لمنح ألأطفال في سن ال18 حق التصويت.هذا والدستور لم يترك منصب الرئاسة بدون معالجة في حالة فراغ المنصب الرئاسي فيخلفه نائب الرئيس وهو رئيس مجلس الشيوخ فالنواب فرئيس مجلس الشيوخ المؤقت ثم في تسلسل لكل الوزراء حسب مناصبهم وهذا حرصا على عدم فراغ المنصب الرئاسي إلى ان تجرى الانتخابات. يبقى إحتمال التعديل قائما ومفتوحا وهذا قد يتم من قبل أعضاء الحزب الذى الذى ينتمى له الرئيس، وهذا هو التحدى ألأكبر في حال فوز الرئيس ترامب.