الطائرات وقَبْلها الغواصات: ألغاز.. وعلامات استفهام

حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع


ثمة فوانيس يشع نورها الى الوراء: النفي الوهمي من نتنياهو في ضوء صفقة السلاح بين الولايات المتحدة واتحاد الامارات يصب ضوءا جديدا على سلوكه في قضية الغواصات. تساؤلات ترتبط بتساؤلات، انزعاج يرتبط بانزعاج. بما يتعلق بالامارات الحقائق واضحة جدا: نتنياهو أخفى عن قيادة جهاز الامن الاتصالات قبيل الاتفاق الثلاثي. وكانت صفقة السلاح شرطا طرحه حكام الامارات على الاميركيين. وقد وقعوا على التطبيع بعد أن وعدوا بان اسرائيل لن تعارض. اما نتنياهو، الذي دعا الانباء في هذا الموضوع "انباء ملفقة تماما"، لم يقل الحقيقة. عندما شرع جهاز الامن في المفاوضات مع الادارة، في مسعى لاصلاح الاضرار، تصرف نتنياهو وكأن المفاوضات لا تتعلق به. فقد جلب السلام؛ اما غانتس فجلب الثمن.
في قضية الغواصات يدور الحديث عن مسألتين منفصلتين. الاولى هي الاذن الذي اصدره سرا للحكومة الالمانية، لانتاج غواصات متطورة لسلاح البحرية المصري. والثانية هي التوصية بالشراء الاسرائيلي: عدد الغواصات، الاصرار على شراء السفن الميدانية من شركة تسنكروف، شراء سفن ضد الغواصات ومشاركة ميكي غانور، دافيد شمرون، تشايني مروم وسلسلة من المشبوهين الآخرين في توزيع الغنيمة.
أخفى نتنياهو في الصفقة المصرية خطوته عن قادة جهاز الأمن، تماماً مثلما في قضية إف 35 للإمارات. يحتمل أن يكون القرار نفسه كان معقولاً، حيال البديل، ولكن الإخفاء، بخلاف القانون، بخلاف النظام، هو اجتياز مفترض في الضوء الأحمر. "خطأ سخيف" وصف رئيس هيئة الامن القومي سابقاً يعقوب عميدرور سلوك نتنياهو. يتبين انه لم يكن خطأ هنا بل نمط يكرر نفسه. نتنياهو يستخف.
ان الإذن للصفقة المصرية صدر خطياً. أما من وقع على الكتاب فلا نعرفه. هل هذا هو رئيس هيئة الأمن القومي في حينه يوسي كوهن، نائبه يعقوب نيجل، مبعوث رئيس الوزراء اسحق مولكو؟ أم ربما سكرتير الحكومة افيحاي مندلبليت؟ في مسألة الشراء الصورة معقدة اكثر بكثير. قيادة هيئة الأمن القومي بتأثير ضباط "احتياط" من سلاح الجو في حينه، من أصدقاء ميكي غانور، ممثل الشركة الألمانية. هيئة الامن القومي تضغط للشراء من الألمان سفن دفاعية وسفن مضادة للغواصات، بدون عطاء.
مدير عام وزارة الدفاع هو اللواء دان هرئيل، شخص لا يشكك أحد في استقامته. ("المسطرة عوجاء بالنسبة له"، قال عنه ليبرمان). اصر هرئيل على إجراء العطاء. خمس شركات لبناء السفن تقدمت الى العطاء، من كوريا، ايطاليا واسبانيا. الألمان لم يتقدموا، ولكنهم يخفضون، بشكل مفاجئ، عبر هيئة الأمن القومي، السعر إلى الارضية.
وهنا جاءت الذروة: في اعقاب مفاوضات اديرت من خلف ظهر وزارة الدفاع توصلت هيئة الأمن القومي الى مذكرة تفاهم مع الألمان. على المذكرة لا يمكن ان توقع الا وزارة الدفاع. أرسلت الوثيقة بالفاكس من هيئة الأمن القومي الى وزارة الدفاع. هرئيل رفض التوقيع. وفي غضون بضع ساعات تصل بالفاكس من هيئة الامن القومي مذكرة تفاهم جديدة، تختلف عن سابقتها. الغواصات السابعة، تلك التي طلبها نتنياهو، اختفت؛ كما اختفت السفن الزائدة المضادة للغواصات. وطلب من وزارة الدفاع ان تمزق الفاكس الاول.
يمكن أن يقال ان هرئيل انقذ نتنياهو: رفضه التوقيع على الوثيقة التي كانت غير قانونية سطحيا سمح للنيابة العامة بان تحرر نتنياهو من التحقيق. كما أنقذ يوسي كوهن، رئيس الموساد اليوم، من تورط كان من شأنه ان يقطع حياته السياسية. اما نحن فبقينا مع علامات الاستفهام.
في كل ما يتعلق بنتنياهو في هذه القضية لم تبرز حتى اليوم أدلة على فعل جنائي. فالاستعداد لتبذير المليارات موجود هناك، والاستخفاف بالقانون وبالنظام موجود، قرارات متسرعة، ادارة سيئة، غض نظر عن الفساد، الغرور.
ظاهراً هذه امور ينبغي التحقيق فيها. السؤال هو من؟ الجواب لا احد. المستشار القانوني للحكومة لا يفترض به أن يحقق بالاداء الاشكالي لرئيس الوزراء. هذه ليست وظيفته. وزير الدفاع يمكنه أن يعلن عن تحقيق في وزارته، ولكن هذا سيكون محدودا بوزارة الدفاع. الكنيست يمكنها أن تشكل لجنة تحقيق برلمانية، ولكنها ستدفن تحت ضجيج السياسيين. لجنة تحقيق رسمية كان يمكنها ان تحقق، ولكن الحكومات تقيم لجان التحقيق فقط عندما يصعب عليها الوقوف في ضغط الشارع. والشارع منشغل في هذه اللحظة بمشاكل اخرى.
في الولايات المتحدة درج على أن يعين في مثل هذه الحالات محقق خاص. التجربة غير لامعة. كينت ستار الذي حقق في قضايا كلينتون احدث ضجيجا، اضاع المال ولم يحقق شيئاً. روبرت مولر، الذي حقق بعلاقات ترامب مع الروس، امسك بسمكات صغيرة وغرق في الجدال السياسي.
من المهم أن نعرف ماذا حدث في قضية الغواصات: من المهم أكثر من ذلك ان نستخلص الدروس. ورغم ذلك، فان التحقيق لن يكون على ما يبدو. الاعلام فعل الكثير. من أجل استخلاص الاستنتاجات ينبغي انتظار شهادة غانور في محاكمته او معقول أكثر، فتح الارشيفات، بعد 50 أو 100 سنة.

عن "يديعوت أحرونوت"