تحت شعار "حصارهم لن يوقف حياتنا ولن يدفعنا لليأس"، أطلق ناشطون فلسطينيون، أمس، حملة استبدلوا من خلالها سفرياتهم بالمركبات العامة والخاصة بقوافل من الحمير، سيبدأ انطلاقها من داخل الأحياء، التي تحولت إلى غيتوات محاصرة بالحواجز والمكعبات الإسمنتية، نحو المدينة المقدسة التي اختنقت بدورها بعشرات حواجز التفتيش وبكتل الإسمنت التي سدّت معظم الطرق والمحاور المؤدية إلى البلدة القديمة والمسجد الأقصى.
وحوصر المسجد الأقصى، بدوره، بسبعة أطواق من جنود الاحتلال والحواجز الحديدية، ما حوّل المدينة المقدسة إلى معسكر كبير من كتائب الجيش والشرطة وحرس الحدود والعساكر بلباس مدني، فيما كانت أعداد قليلة من المواطنين تخترق الحواجز والشوارع وتشق طريقها بصعوبة بالغة إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة. ولم يتمكن من الوصول سوى بضعة آلاف لم يتعدوا الخمسة، رغم أن شرطة الاحتلال سمحت لمن هم فوق الأربعين عاماً بالوصول للقدس والدخول للأقصى، في وقت افترشت فيه أعداد كبيرة من المصلين الطرق على حواجز الاحتلال عند مداخل أحيائهم وقريباً من حواجز الاحتلال على بوابات البلدة القديمة.
وقال أحد مسؤولي الحراسة في الأقصى إن ساحات المسجد بدت شبه خالية من المصلين، في وقت اضطر العشرات من سكان البلدة القديمة إلى الصلاة في شوارعها التي قطعتها الحواجز الحديدية. وقال لـ"العربي الجديد": "لم يتعد عدد المصلين الخمسة آلاف، وربما أقل من ذلك".
وكان خطيب المسجد الأقصى، عكرمة صبري، ندد بإجراءات المنع والحصار المطبق على المسجد الأقصى، واستنكر حرمان آلاف المواطنين المقدسيين من سكان الأحياء المقدسية من الوصول إلى المسجد الأقصى، واصفاً هذه الإجراءات بأنها الأكثر صرامة منذ احتلال المدينة المقدسة عام 67.
وفي إطار الحملة التي تنطلق من جبل المكبر عبر قافلة من الحمير، قال الناشط والقيادي في "الجبهة الشعبية" راسم عبيدات، أحد المبادرين لهذه الحملة، إن السفريات الجديدة من المكبر إلى القدس تنطلق بعد تأمين العدد الكافي من الحمير، وبعد أن تتوافر في الحمير الناقلة شروط الأمان للنقل، وأن تتمتع ببنية قوية، كي لا تتوقف في الطريق. وقال لـ"العربي الجديد" ساخراً: "سنوفر خدمة حمير لشخصيات هامة، عليها (حلس) فاخر، ومريحة وملجمة، وهناك إمكانية لتزويد الحمير بـ(DVD)". وأضاف أنه "سيمنع استخدام الحمار الصغير (الكُرّ) في السفريات، وكل من يخالف يعاقب ويُلغى ترخيصه بالنقل".
وأكد عبيدات في إعلان نشره على موقعه، أن الحمير تسلك طرقاً بعيدة عن البؤر الاستيطانية ونقاط التفتيش والإغلاق، وأن آخر مجموعة من الحمير الناقلة ستعود من القدس عند الساعة السادسة مساءً.
ومع الحظر الذي فُرض على القدس وأحيائها، وما بات من حصار عليها، أعلن رئيس بلدية الاحتلال نير بركات أن القوائم السوداء الممنوعة من دخول القدس والأقصى ستمتد للأحياء المقدسية، حيث طلب من شرطة الاحتلال والأجهزة الأمنية إعداد قوائم بأسماء من يسمح لهم بالخروج من أحيائهم ومن لا يسمح لهم بذلك، في حالات فرض الإغلاق.
وما أراده بركات تحقق أمس، بعدما مُنع آلاف المواطنين من دخول المدينة المقدسة، وبات المشهد حول بلدتها القديمة عسكرياً بامتياز، مع تدفق آلاف الجنود اليها، وسط حملة من التدقيق والتفتيش المهين حتى لمن سُمح لهم بالدخول، فضلاً عن كبار السن، بينما حالت الإغلاقات بالمطلق دون خروج المواطنين من أحيائهم كما هو الحال في العيسوية، ومخيم شعفاط، وسلوان والطور، وهي أحياء متاخمة للبلدة القديمة.
وذهب بركات أبعد من ذلك، إذ طالب ببناء جدران فصل عنصرية حول بلدات العيسوية والطور وجبل المكبر، وهي أحياء يعتبرها رئيس بلدية الاحتلال بؤراً لـ"الإرهاب"، على حد تعبيره. فيما يقول مواطنون هناك إن الحصار الحالي على أحيائهم أسوأ من جدار الفصل العنصري.
وكانت قوات الاحتلال اقتحمت، أمس، بلدة العيسوية بعد مواجهات عنيفة شهدتها البلدة ليلاً، قام خلالها جنود الاحتلال بتحطيم قبر الشهيد فادي علون، قبل أن تُعيد عمّاته بناءه، في وقت ادّعت فيه قوات الاحتلال العثور على عبوة ناسفة أنبوبية عند مدخل البلدة.
بموازاة ذلك، انطلقت بعد صلاة الجمعة مسيرة حاشدة شارك فيها الآلاف، من مسجد مخيم شعفاط إلى منزل الشهيد محمد سعيد محمد علي، الذي ارتقى شهيداً الأسبوع الماضي بعد طعنه ثلاثة جنود من الوحدة الخاصة في الشرطة الإسرائيلية.