كيف تحولت إسرائيل لقوة إقليمية عظمى؟!

حجم الخط

بقلم: زلمان شوفال

 


إن اتفاق السلام المتحقق مع السودان هو علامة طريق أخرى في توسيع العلاقات السياسية لإسرائيل في العالم عموما وفي منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا خصوصا.
ومثل الاتفاقات السابقة مع اتحاد الإمارات والبحرين، فإن الاتفاق الجديد أيضا يقوم على أساس المصالح المشتركة، ومن ناحية الخرطوم على أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل هو المفتاح لفتح قفل العقوبات الأميركية.
من ناحية إسرائيل يوجد أيضا اعتبار استراتيجي: فبالاتفاق مع السودان، الذي يقع على شواطئ البحر الأحمر يضاف مدماك آخر لضمان حرية الملاحة إلى ميناء إيلات.
يؤكد الاتفاق مع الخرطوم والاتفاقات مع دول أخرى ألمح بها، على نحو ظاهر صحة الاستراتيجية السياسية لبنيامين نتنياهو والتي بموجبها فإن الموضوع الفلسطيني ليس شرطا مسبقا للسلام بين إسرائيل والدول العربية، بل العكس؛ إن السلام مع العالم العربي البراغماتي كفيل بأن يدفع إلى الأمام بتسويات مع الفلسطينيين، مثلما قال مؤخرا توني بلير، رئيس الحكومة البريطانية الأسبق وممثل الرباعية إلى الشرق الأوسط: «بخلاف الفكرة الفاشلة في أن على إسرائيل والفلسطينيين أن يبدؤوا أولا مفاوضات السلام وبعد ذلك أيضا ينضم اليهم الآخرون، ينبغي أولا إنتاج سلام بين إسرائيل والشعوب العربية ودمج الفلسطينيين في ذلك».
ما كان يمكن لهذه السياقات أن تستنفد دون الدور الذي أدته إدارة ترامب والعلاقات الوثيقة التي بينها وبين حكومة إسرائيل.
ينبغي الأمل في أنه حتى لو تبدل الحكم في واشنطن، فإن المصلحة الأميركية ستملي تواصلها. لا يغطي الإنجاز الحالي على حقيقة أن رؤساء وزراء إسرائيليين سابقين أيضا بذلوا جهودا كبيرة، بعضها ناجح، لدفع السلام إلى الأمام، مثل مناحم بيغن في السلام مع مصر، إسحق شمير لإطلاق مسيرة السلام مع الأردن والتي وصلت إلى استنفادها في عهد إسحق رابين.
ولكن معظم المحاولات الأخرى، بما فيها اتفاقات أوسلو، فشلت، ليس بسبب انعدام المرونة أو غياب النية الطيبة في الجانب الإسرائيلي، بل بسبب الرفض الفلسطيني من جهة، وتجاهل زعماء إسرائيل الدوافع الفلسطينية الحقيقية التي في أساسها عدم الاعتراف بحق وجود إسرائيل من جهة أخرى.
لقد كانت لشمعون بيرس أوهام عن «شرق أوسط جديد»، وقد جر رابين الأكثر تشككا لمسيرة أوسلو الفاشلة.
تنبأ إيهود باراك بـ «نهاية النزاع» واستيقظ على الانتفاضة الثانية؛ وكان إيهود أولمرت مستعدا لأن يسير حتى آخر الطريق نحو الفلسطينيين فضلله أبو مازن؛ أما أرئيل شارون، فقبل أن يعتقد على ما يبدو بأن إخلاء المستوطنات في قطاع غزة وفي شمال السامرة يعزز المكانة الدبلوماسية لإسرائيل لدرجة تعطل الاحتمالات لإقامة دولة فلسطينية، وقع (وإن كان مع «ملاحظات») على «خارطة الطريق» التي دعت إلى تجميد الاستيطان اليهودي خلف الخط الأخضر وفي المرحلة الثانية إلى إقامة دولة فلسطينية (في حدود مؤقتة).
وفي صالحه يقال إنه نجح في أن يتلقى من الرئيس جورج دبليو بوش موافقة على «حدود آمنة وقابلة للدفاع» والقول إنه «في ضوء الواقع الديمغرافي الجديد» (الكتل الاستيطانية) ستكون الحدود مختلفة عن الخط الأخضر. أما إدارة أوباما فتجاهلت حتى هذه الاتفاقات آنفة الذكر.
من أجل عرض صورة أمينة، ينبغي الاعتراف ليس فقط في أن النهج السياسي الإسرائيلي قد تغير منذئذ، بل وأيضا بأن الجغرافية السياسية العالمية والإقليمية المتغيرة سمحت لإسرائيل بأن تحقق أهدافها وفقا لصيغة سياسية جديدة تعكس هذه التغييرات.
لقد أصبحت الولايات المتحدة انعزالية أكثر، وعادت روسيا بقوة إلى الشرق الأوسط.
وتتنافس الصين، وليس بلا نجاح، على الصدارة الاقتصادية وفي المستقبل ربما العسكرية أيضا، وأصبحت أوروبا الموحدة زعما أكثر فأكثر لعبة ثانوية في الساحة الدولية، وتركيا، العضو في الناتو، توجد في مواجهة متعددة الجبهات مع شريكتيها، اليونان وفرنسا.
أما في الدول العربية، فتهديد إيران وأهدافها في الهيمنة، ومحاولات الإخوان المسلمين بدعم من تركيا – أردوغان تقويض أساسات الحكم فيها – أدت إلى إعادة تقويم لمصالحها الحيوية، بما في ذلك تجاه إسرائيل والمسألة الفلسطينية.
وقد عرفت السياسة الإسرائيلية كيف تستغل جيدا التطورات آنفة الذكر لتحقيق أهدافها الاستراتيجية الشاملة، بما في ذلك نشاطها العسكري العلني وغير العلني، حسب مصادر أجنبية، لحصر التموضع الإيراني في سورية، والتي دونها كان الحرس الثوري يرابط اليوم على جدار الحدود في هضبة الجولان.
لم يكن هذا النشاط ليتاح لولا منظومة العلاقات الجوهرية التي طورتها إسرائيل مع روسيا دون المس بالعلاقات الحيوية القريبة مع أميركا.
لقد ساعد تعاظم إسرائيل العسكري، بما في ذلك التخطيط للمدى البعيد لأسطول الغواصات ووسائل الملاحة الأخرى في الدفع إلى الأمام بعلاقاتها مع الدول العربية في وجه التهديد المباشر لإيران، وذاك غير المباشر من منظمات الإرهاب الإسلامية وغيرها، وفي نفس الوقت، فإن مكتشفات الغاز الطبيعي أيضا سمحت لإسرائيل بأن تطور في منطقة شرق البحر المتوسط كلها خطوات استراتيجية مهمة مع اليونان، مصر، قبرص وإيطاليا.
صحيح أنه ينبغي الحفاظ على التوازن ولكن يمكن أيضا الموافقة على القول في وسائل الإعلام العربية إن إسرائيل أصبحت في عهد نتنياهو قوة عظمى إقليمية.

عن «معاريف»