القدس.. مدينة يسكنها الخوف !

111
حجم الخط

بقلم: نتالي نوفتسكي
بعد العمليتين الصعبتين صباح الثلاثاء، نزل الصمت المؤلم على الأحياء القريبة من الخط الاخضر. اغلبية السكان فضلوا البقاء في البيوت، والقليلون الذين شوهدوا في الشوارع كانوا متيقظين ومسرعين. "عندما آخذ الاولاد من المدرسة نسير بسرعة الى السيارة. وباستثناء المدرسة لن يخرجوا هذا الاسبوع من البيت"، كما قالت مواطنة من المدينة.
في بسغات زئيف: خوف في البيت ايضا. غداة يوم العملية التي طُعن فيها شاب عمره 25 وولد عمره 13 كانت الشوارع فارغة. واخترق هذا الصمت اصوات التفجيرات التي كانت تُسمع من جهة حاجز قلنديا حيث حدثت مواجهات شديدة بين الفلسطينيين من المخيم وبين قوات الشرطة. كل انفجار كان يثير انتباه المارة الذين يسيرون مسرعين وبخطى حثيثة. 
على مدخل المجمع التجاري في بسغات زئيف يقف شرطيان، حارس وحارسة، يفحصان حقيبة شخص وحيد في المدخل. يفحصان ويُخرجان كل ما في الحقيبة قبل السماح للشاب بالدخول. في الساعة السابعة مساء كان المجمع التجاري الذي هو القلب النابض للمكان، خاليا من الزبائن. 
"أ" التي تدير أحد المحلات في المجمع تقول إنه لا يأتي أحد تقريبا الى المجمع، والعدد القليل من الزبائن الذين يأتون، يتركون المكان بسرعة. "بيتي على بعد أمتار قليلة، لكني لا أذهب مشيا على الاقدام، حيث يأتي زوجي ونعود معا الى البيت في السيارة. وعندما آخذ الاولاد من المدرسة نركض باتجاه السيارة". 
هل هناك مشترون اليوم؟. 
"الوضع صعب. معظم زبائني هم من العرب، وهم ايضا يخافون أن يأتوا. واذا نجحت في جني ألف شيقل من المبيعات فهذا جيد". 
"أ" ليست وحدها. الفوضى تسيطر على السكان الذين لا توجد لهم سيارة. رعوت بيرتس، التي تسكن في الجزء الشرقي من الحي، ليس بعيدا عن الجدار الذي يفصلها عن مخيم شعفاط، تقول إنه داخل البيت ايضا هي لا تشعر بالأمن. غاز الفلفل وسكين المطبخ يوجدان في مكان قريب في حال حدوث شيء. 
"أنا لا أخرج من البيت، لكن مجموعات الواتس أب تقول إنه لا يجب القول إننا في البيوت كي لا يأتوا للبحث عنا هناك. نحن نسمع صوت الأذان ونسمع تحريضهم، ونخاف الخروج من البيت. أسكن في الطابق الاول وأخاف طول الوقت من أن يحدث لنا ما حدث لعائلة فوغل – أن يأتوا لقتلنا اثناء النوم. لم أرسل الاولاد الى الروضة ولم اذهب الى المدرسة. أمس اضطررت للذهاب الى العمل ولم أجد من يأخذني، لذلك وقفت بجانب الحارس طول الوقت وكان الغاز جاهزا للاستخدام". 
بيرتس حريدية فكرت في الخروج الى العمل مع غطاء يشبه غطاء المسلمات على رأسها، لكنها استنتجت أن هذا خطير ايضا لأن أحد السكان اليهود قد يعتقد أنها "مخربة" ويقوم بالاعتداء عليها. 
في شارع رقم 4، الذي حدثت فيه العملية، الاثنين الماضي، تمر امرأة تحمل الاكياس وهي تركض باتجاه السيارة. في اعقاب العملية انتشرت قوات الشرطة بشكل كبير وبدا عددها أكبر من عدد المواطنين. قبل العملية باسبوع ارسل عضو الادارة الجماهيرية، رونين بن يئير، رسائل غاضبة للشرطة بسبب العدد القليل لرجال الشرطة في الحي. وفي هذا الاسبوع، أي بعد العملية، يمكن مشاهدة رجال الشرطة في الشوارع الرئيسة اضافة الى سيارات الشرطة التي تمر باستمرار في الحي.
آسي غباي، صاحب دكان الالعاب الذي عالج الولد المصاب في اللحظة الاولى، يجلس الى جانب دكانه الفارغ من المشترين، عيناه حمراوتان ونظرته منطفئة وهو لا يستطيع التخلص مما حدث. واللحظة التي فقد فيها الولد وعيه وهو بين يديه تعود مرة تلو الاخرى. 
التلة الفرنسية: تعايش هش. في ساعات الظهيرة، بعد سلسلة العمليات، أصبحت الشوارع فارغة تماما. البلاغ الكاذب حول وجود "المخربين" على مدخل التلة أدى الى استنفار السكان وزاد الخوف في المكان. بقي المركز التجاري فارغا وكذلك الحدائق التي تكون مملوءة بالاولاد في العادة. 
يبدو أن هذا الحي الذي يتفاخر بالتعايش لا يستطيع استيعاب الاحداث الاخيرة. "كان شعوري سيئا عندما اضطر العمال العرب الذين يعملون لدي، للتعرض الى الفحص المشدد من قوات الامن"، قال عوفر ليفي، صاحب الدكان في الحي. "بالنسبة لي لا داعي للخوف والدراما". مع ذلك، عندما سألته هل سيخرج ابنه اليوم من البيت، أجاب أنه قرر هو وزوجته عدم الخروج الى الحديقة للعب مع الاولاد.
نعمه كاتس، مديرة المركز الجماهيري، قالت إنها تلقت طول اليوم اتصالات من أولياء أمور خائفين. "على ضوء الاوضاع قررت اقامة مجموعة لنقاش كيفية مواجهة الخوف". وما شجع على الوصول الى النقاش هو وجود حارس على الباب. 
محل الحمص التابع لفؤاد، الذي هو رمز التعايش في الحي، باع الحمص للشرطة الذين يتجولون في الحي. "في الصباح وصل الى المكان زوار يهود وعرب مثل كل يوم. لكن في المساء كان المكان فارغا". 
بيت حنينا: "لسنا جميعا مخربين". شوارع بيت حنينا ايضا كانت فارغة. "المخربان" اللذان نفذا العملية في بسغات زئيف يسكنان في المنطقة. اغلبية المحلات كانت مغلقة تماما أو جزئيا. والوحيدون الذين اصدروا الضجة كانوا الاولاد الذين لعبوا بالقرب من بيت الولد الذي قام بالطعن، وهو موجود بجانب خيمة العزاء التي أقيمت من اجل فادي علون الذي طعن شابا حريديا في الاسبوع الماضي وقتل من قبل شرطي. سكان شرقي القدس مقتنعون أن الدافع وراء الطعن لم يكن على خلفية قومية، وأن الفتى ابن الـ 13 سنة وعد والد علون بأن ينتقم له. 
ليس بعيدا عن بيت "المخرب" توجد حديقة كان يفترض أن تتم فيها أمسية "ببساطة نغني"، حيث يلتقي في اطارها العرب واليهود ويغنون. لكن بسبب الوضع الامني تقرر تأجيل هذه الأمسية. 
تقول احدى نساء القرية التي تبلغ 50 عاما إنها لا تخرج هي واولادها الصغار منذ اسبوع. "يتحدثون عن أن هناك سيارات للمستوطنين تتجول في الشوارع، وأنا أخاف أن يعتقدوا أنني مخربة ويلحقون الضرر بي. معظم الناس هنا يريدون السلام، ونحن نريد العيش الى جانب جيراننا. أشتري كل شيء من المجمع التجاري في بسغات زئيف وهم يعرفونني هناك، وأنا اشتاق لصديقاتي ياعيل وبنينه. لكنني أخاف الان من أن يعتقد الناس هناك أنني مخربة. لأنني محجبة. الشرطة تعتبرنا أعداء ولا تدافع عنا عند حدوث شيء. على الشرطة أن تدافع عن الجميع، لكن هذا لا يحدث في الواقع". 
ارمون هنتسيف: حلقات مساعدة. تلقت ارمون هنتسيف الضربة الأشد، هذا الاسبوع. حيث سيطر على الحي النازف شعور فقدان الحيلة، وقرر رئيس المركز الجماهيري، يهودا بن يوسف، تقديم المساعدة النفسية لسكان الحي عن طريق المركز الجماهيري.
"نتحدث بصعوبة عما حدث، وانشأنا حلقات للمساعدة واحضار مختصين نفسيين. بعض السكان غاضبون مما حدث وبعضهم منغلقون في البيت خائفين وبعضهم يريد المزيد من الحماية والشرطة. نحن راضون جدا عن الشرطة، والشرطية التي اطلقت النار على المخربين في الحافلة رائعة، لكن يجب وضع الحواجز على جميع المداخل وفحص كل من يخرج من العرب باتجاهنا. ورغم الرغبة في العيش المشترك فاننا نريد الحفاظ على أنفسنا من العمليات. جبل المكبر القريب خرج منه العدد الاكبر من المخربين ولا يعقل أن لا تكون حواجز على مداخلها".
القطار الخفيف: كل عربي مشتبه فيه. الساعة الثامنة مساء. القطار الذي يخرج من بسغات زئيف باتجاه مركز المدينة مرورا بشعفاط وبيت حنينا يوجد فيه ثلاثة مسافرين بالضبط. في محطة تلة همفتار يصعد شاب عربي فيتحرك المسافرون وينظر الحارس داخل القطار الى الحارس الذي في الخارج. الاخير يقول إنه فحص المشبوه. ويتابع المسافرون بنظرهم المسافر العربي حيث يسود التوتر. أما العربي فهو يركز في هاتفه ولا ينظر حوله. لغة الجسد تقول إنه سعيد لكونه شفافا في هذه اللحظة. 
يقف القطار في باب العمود حيث يوجد ثلاثة جنود على الرصيف، أحدهم يبتسم لي من خلف النافذة، لكنه يشاهد فجأة الشاب العربي فيشعر بالقلق. طلب من الشاب الخروج، فنهض الشاب واخرج من جيبه بطاقة الهوية الزرقاء، واستمر القطار بدونه. 

عن  "يديعوت"