«ثورة بايدن» في الشرق الأوسط ستضطر إلى الانتظار

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

 



حتى قبل أن يشير عدد المؤيدين لجو بايدن في المجمع الانتخابي إلى فوز محتمل للمرشح الديمقراطي، سارع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، هذا الأسبوع، إلى إطلاق سراح مئات السجناء الأمنيين الذين يقبعون في السجون منذ العام 2014. وقد تردد في أذن السيسي جيداً صدى تغريدة بايدن في تموز التي كتب فيها بأنه «لن يكون بعد، الآن، شيكات مفتوحة للديكتاتور المحبب على ترامب».
كانت هذه تغريدة مفصلة وموجهة بشكل جيد. «محمد عماشة تم إطلاق سراحه بعد 486 يوماً في السجن المصري، الذي مكث فيه لأنه حمل لافتة احتجاج. الاعتقال والتعذيب وإبعاد نشطاء مثل سارة حجاوي ومحمد سلطان أو تهديد عائلاتهم، سلوك غير مقبول»، كتب بايدن. «الديكتاتور المحبب» كانت الصفة التي منحها ترامب للرئيس المصري دون أن تنبعث منها نغمة إدانة أو اشمئزاز. الديكتاتورات بشكل عام، وربما السيسي بشكل خاص، كانوا محببين على ترامب في فترة ولايته.
لا ينسى السيسي أيضا موقف بايدن، الذي كان نائب أوباما ونصحه بأن «يختار الجانب الصحيح من التاريخ» عندما اندلعت ثورة «الربيع العربي» في مصر، وأن «يدفع مبارك دفعة كبيرة نحو الخارج». إن تولي زمام الامور من قبل السيسي في العام 2013 وضع معضلة شديدة أمام اوباما: هل عليه أن يعترف بالنظام الجديد أم يتعامل معه ببرود؟ اهتز اوباما لقتل مئات المتظاهرين من مؤيدي «الإخوان المسلمين»، وأوضح بأنه «لا يمكن العودة الى الوضع العادي». وقد أمر بتجميد المساعدة العسكرية لمصر وأعطى اشارات بأن المساعدة الاقتصادية أيضاً، التي تبلغ 1.3 مليار دولار، أحد البنود التي ثبتت اتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل خلال عشرات السنين، من المتوقع أن يعاد تقييمها من جديد.
الخلاف الشديد الذي تطور في حينه في البيت الأبيض هو كيف يتم التوفيق بين المصالح الأمنية للولايات المتحدة وبين القيم التي باسمها انتخب الرئيس اوباما. طلب عدد من مساعديه تقليص المساعدة، وإجبار السيسي على تبني سياسة ملموسة لحماية حقوق الانسان. ولكنّ آخرين، مثل وزير الخارجية، جون كيري، نجحوا في إقناعه بأن سياسة اليد الصلبة لن تساعد في الدفع قدما بحقوق الانسان في مصر، ومن شأنها أن تقطع يد أحد الحلفاء المهمين للولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب. صحيح أن اوباما أعاد المساعدة، وأعطى مصادقته على بيع مصر طائرات وأنظمة سلاح طلبها السيسي، ولكن الدم الشرير استمر في تمييز العلاقات بين الدولتين.
اذا اصبح بايدن رئيسا، فإنه يحمل معه على الاقل حسب تصريحاته، رزمة قيم الحزب الديمقراطي والتطلع الى إدارة سياسة خارجية تحاول أن تمسك بطرفي العصا – حقوق الانسان والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة. بهذا فإن بايدن يتطلع الى أن يميز نفسه عن سياسة ترامب، الذي ليست حقوق الانسان مشمولة في قاموسه. ولكن ايضا له تجربة اكبر وهو يدرك قيود القوة التي توجد للولايات المتحدة ضد أنظمة ديكتاتورية.
فهم السيسي قواعد اللعب لاوباما، لكن فيما يتعلق بحقوق الانسان لم يتأثر بموقف الولايات المتحدة. انتشار ظاهرة «داعش» في الشرق الأوسط وفتح جبهة الارهاب الجديدة في مصر، التي نسبت لـ»الاخوان المسلمين» وصراع إسرائيل ضد «حماس»، الذي يعتمد على المساعدة من سيناء، منحت السيسي المتانة الأمنية لإدارة الحرب التي لا هوادة فيها ضد خصوم سياسيين ومنتقدين للنظام. وعند تتويج ترامب كان يمكن للسيسي تنفس الصعداء. تلاشى ضغط الولايات المتحدة من اجل تطبيق حقوق الانسان، وفقط في الكونغرس تسمع بين الحين والآخر مطالب للضغط على الرئيس المصري من اجل «التصرف بشكل جيد»، دون أن تثمر هذه المطالب أي شيء.

تحطيم ارث ترامب
بدأ الرئيس اوباما حملته في الشرق الاوسط بخطاب «بشرى للمسلمين» – الخطاب الحماسي الذي ألقاه في جامعة القاهرة في العام 2009، والذي تعهد فيه بفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي والإسلامي. وقد وعد بثورة حقيقية مقارنة مع سياسة سلفه، جورج بوش الابن. ولكن أوباما أنهى ولايته وهو يحمل على كاهله وصمة عار في نظر زعماء الدول العربية بسبب الاتفاق النووي مع ايران وامتناعه عن مهاجمة الجيش السوري بعد أن استخدم السلاح الكيميائي ضد المتمردين. إضافة الى ذلك، التصقت باوباما الكراهية الإسرائيلية له بسبب ما اعتبر سياسة مؤيدة للفلسطينيين وملاحقة المستوطنات واشمئزازه من بنيامين نتنياهو.
صحيح أن بايدن ليس اوباما. الآن، هو سياسي أكثر تجربة، وهو يعرف جيدا العبوات الجانبية الموضوعة في طرق الشرق الاوسط. حتى، الآن، لم تسمع منه تصريحات متبلورة تدلل على استراتيجية جديدة ينوي تطبيقها في الشرق الاوسط؛ ليس لديه «خطة قرن»، لحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو لم يوضح ما الذي ينوي أن يفعله في سورية، وكيف سيكبح جماح الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، أو كيف سينهي الحرب في اليمن. في السنوات الأربع الأخيرة أطلق تصريحات صدفية، نشْر جزء منها يمكن عزوه للحملة الانتخابية، وجزء آخر يمكن عزوه للمبادئ التي يؤمن بها مثل التصريح الذي وجه للسيسي.
مقولة بايدن المهمة جداً تتعلق بالاتفاق النووي مع ايران. أوضح بايدن عدة مرات أنه ينوي العودة الى الاتفاق، وتحويله الى مربض اطلاق لمفاوضات اوسع حول الصواريخ البالستية وحول التعاون الاقليمي. السؤال هو هل هو ايضا شريك في رؤية إسرائيل وترامب التي تقول، إن ايران هي التهديد الاكثر خطورة في الشرق الاوسط؟ في مقابلة اجراها معه توماس فريدمان، كبير المحللين في «نيويورك تايمز» في العام 2015، قال الرئيس اوباما، إن التهديد الاكبر على الدول العربية ليس غزو ايران لها، بل «عدم رضا الجمهور» في هذه الدول. لذلك، فإن تركيزها على التهديد الايراني يفوت عليها فرصة التركيز على الخطر الاكبر.
في تشرين الأول الماضي، قالت كمالا هاريس، النائبة العتيدة لبايدن، إن «ترامب عرّض للخطر أمن الولايات المتحدة عندما انسحب من الاتفاق النووي». الانسحاب من الاتفاق النووي ربما يكون الارث الاكثر بروزا للسياسة الخارجية لادارة ترامب. من هنا، ربما يكون الهدف الابرز في جهود بايدن لتحطيم هذا الارث.
يمكن أيضا أن تشكل العودة الى الاتفاق رأبا للصدع العميق في علاقات الولايات المتحدة والدول الاوروبية وتعزز التحالف بين القارتين، ولكن بايدن ايضا يعرف جيدا موقف إسرائيل. عبّر الوزير تساحي هنغبي عن هذا الموقف في مقابلة أجراها مع «ريشت 13» عندما قال، إنه «اذا تمسك بايدن بهذه السياسة (العودة الى الاتفاق النووي) فإن ذلك سيؤدي الى مواجهة عنيفة بين إسرائيل وايران». ويبدو أن هنغبي نسي أن الخوف من عملية عسكرية مستقلة لإسرائيل ضد ايران – التي في الاصل ستلقي المسؤولية عن هذا الهجوم على الولايات المتحدة – كان أحد العوامل الرئيسية لقرار الدفع قدما بالاتفاق النووي في عهد اوباما.
في الموضوع الايراني، سينتظر بايدن ليس فقط موقفا إسرائيليا قويا واستفزازيا اذا بدأ في تطبيق سياسته. ايران نفسها ما زالت لم توضح هل ستكون مستعدة للمفاوضات مع الولايات المتحدة، وكيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية المخطط اجراؤها في ايران في حزيران على منظومة العلاقات معها، وهل ستوافق على العودة الى الاتفاق النووي كما هو أم أنها ستضع شروطا جديدة. في هذه المسألة هناك سؤال لا يقل أهمية عن ذلك؛ وهو أي حكومة ستشكل في إسرائيل بعد الانتخابات ومن الذي سيترأسها.
يمس هذا السؤال مباشرة الخطة الرئيسية لترامب وهي «صفقة القرن» والنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. رأى ترامب في خطته جوهر سياسته الخارجية في الشرق الاوسط، حتى أنه نجح في احداث ثورة مهمة في شبكة العلاقات بين وإسرائيل والدول العربية. ولكن حزام التطبيع الشامل الذي حصلت عليه إسرائيل لم يكن بالامكان أن ينشأ بدون اسهام وتدخل السعودية المباشر. أعلن ترامب أن زعماء دول عربية أخرى ينتظرون في الطابور من اجل مصافحة نتنياهو. ولكن بدون سياسة واضحة للولايات المتحدة تجاه السعودية فإن هذه العملية ستتجمد في مكانها.
هل سيكون بايدن مستعدا لقبول ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ومنحه الدعم الذي حصل عليه من ترامب وأن ينسى قتل الصحافي جمال الخاشقجي وأن يتجاهل استمرار الحرب في اليمن (التي تديرها، الآن، بالأساس السعودية) مقابل تطبيع إسرائيل مع السعودية ومع دول عربية أخرى؟
بشكل عام، هل سيحصل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، مجدداً، على اهتمام الولايات المتحدة؟ أم أن بايدن سيكتفي بإعادة فتح خزينة الولايات المتحدة لصالح السلطة الفلسطينية؟ على هذه الاسئلة ليس بايدن هو الوحيد الذي يجب عليه أن يجيب. وسيكون من الخطأ، ليس للمرة الأولى، الاعتقاد أو الأمل بأنه يجلب معه عصا سحرية يستطيع بوساطتها أن يحقق ما لم ينجح رؤساء أميركيون على مر الاجيال في تحقيقه.

عن «هآرتس»