كشف الإعلام العبري، سبب عدم إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسومًا رئاسيًا بإجراء الانتخابات الشاملة "رئاسية وتشريعية"، عقب لقاء الفصائل الفلسطينية، مشيرًا إلى أن هناك توقعات بتراجع التشدد الفلسطيني مع دخول الرئيس الأمريكي المنتخب عن الحزب الديمقراطي جو بايدن.
وحسب ما أوردته صحيفة "معاريف" العبرية، في عددها اليوم الإثنين، فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعتقد أنه بمجرد انتخاب بايدن رئيسًا للولايات المتحدة، أن تقوم السلطة الفلسطينية لتغيير موقفها سريعًا، إلا أنها توقعت تغييرًا دراماتيكيًا وترجح ألا يعود التنسيق الأمني قريبا.
وأشارت إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعتقد أن انتخاب بايدن سيؤثر بشكل سريع على علاقات "إسرائيل" مع الفلسطينيين.
يذكر أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان قد قرر وقف التنسيق الأمني بعد إعلان الاحتلال نواياه بضمّ أراض في الضفة الغربية المحتلة قبل بضعة شهور.
وتقدم الرئيس عباس، السبت الماضي، بالتهنئة لبايدن إثر فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، معربًا عن أمله بالتعاون معه ومع إدارته من أجل “تعزيز العلاقات الفلسطينية – الأمريكية ونيل الحرية والاستقلال والعدل والكرامة لشعبنا والسعي للسلام والاستقرار والأمن في المنطقة والعالم”.
وتنبهت “معاريف” الى أن الرئيس عباس لم يذكر "إسرائيل" في التهنئة وأنه لم يتراجع عن موقفه حول تجميد العلاقات معها رغم إزالة موضوع الضمّ عن الطاولة، منوهة لوقف التنسيق الأمني منذ أربعة شهور.
وقالت: “لا تتوقع حكومة إسرائيل تغييرا كبيرا في سياسة السلطة الفلسطينية حيال هذه المسألة لكنها تعتقد أن لا يثابر أبو مازن في رفضه لاستعادة أموال الضرائب الفلسطينية وللتنسيق الأمني مع دخول بايدن البيت الأبيض”.
وأفادت الصحيفة، بأن هناك إجماعا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حول أهمية الاتفاقات مع الإمارات والبحرين وإنه لا يوجد خوف عليها، متابعة: “ترى حكومة إسرائيل أن اتفاقات التطبيع أنتجت تغييرا استراتيجيا كبيرا في المنطقة يتمثل بإزالتها اشتراط دول عربية وقف مقاطعة إسرائيل بتسوية القضية الفلسطينية”.
وفيما يتعلق بالشأن الإيراني، لا ترى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن خسارة ترامب في الانتخابات نهاية للمعركة والمصالح المشتركة بين إسرائيل وبين الولايات المتحدة في هذا المضمار.
وأوضحت “معاريف” أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تثمنّ مساهمة السياسات الأمريكية في السنوات الأخيرة ضد النظام الإيراني ومع ذلك لا ترى أن العودة لإطار اتفاق الدول العظمى مع إيران حول المشروع النووي مسيرة سلبية بالضرورة، طالما أن الاتفاق سيكون محسنا يتضمن كبح خطة الصواريخ التي تعتمدها إيران وكذلك محاولاتها للتموضع في المنطقة.
ومن جانبه، يراهن المحلل السياسي المقرب من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يوني بن مناحم، على أن الإعلان الإعلامي عن انتخاب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة، له تداعيات فورية على الساحة السياسية الفلسطينية وعلاقات السلطة الفلسطينية بإسرائيل.
وادعى أن مسؤولين كبارا في حركة “فتح” يرجحون أن تؤجّل المصالحة بين “فتح” و”حماس” إلى موعد غير معروف وأن السلطة الفلسطينية ستستأنف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وتوافق على استلام أموال الضرائب.
ونقل بن مناحم عن مصادر رفيعة في “فتح” قولها إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كان مسروراً للغاية لتلقي إعلان انتخاب جو بايدن رئيساً وإن إمكانية المصالحة مع حماس وإجراء انتخابات نيابية كما تم الاتفاق عليه في اجتماع إسطنبول، قد انخفض الآن.
وتابع: “رغم إعلان الأمين العام لفتح جبريل الرجوب أن عباس سيوقع مرسوما رئاسيا يحدد موعد إجراء الانتخابات النيابية خلال أيام قليلة، فقد انتظر محمود عباس طويلاً وبصبر نتائج الانتخابات الأمريكية. يخشى محمود عباس من مشاركة حركة حماس في الحكومة ودمجها في منظمة التحرير الفلسطينية خوفًا من اتهامه بالتحالف السياسي مع منظمة إرهابية وستستخدم إسرائيل ذلك لمحاولة تشويه سمعته أمام الإدارة الأمريكية الجديدة”.
كما وافترضت المحللة للشؤون الفلسطينية في صحيفة “هآرتس” عميرة هاس، أن بايدن سيعود لدعم وكالة الأونروا ومنظمات التنمية التي تعمل في المناطق الفلسطينية المحتلة ولكن الدافع ليس اعترافه بحقوق الفلسطينيين، بل رفع عبء إدارة أمور الفلسطينيين عن كاهل إسرائيل، منوهة إلى أن الفلسطينيين تمنوا سقوط ترامب حتى وإن كانت توقعاتهم السياسية من الحزب الديموقراطي ومن جو بايدن منخفضة.
وفي مقال نشرته "هآرتس" بالأمس، تابعت: “هذا يسري على الجميع مواطنين وقيادة. ترامب ومقربوه اليهود – الأمريكان الإنجيليون (الإفنجالستيون) أظهروا طوال سنوات حكمه استخفافاً عميقاً جدا بالفلسطينيين وبمطالبهم العادلة بالتحرر من الاحتلال الإسرائيلي– وهذا ليس عجيباً “.
وأضافت “انتخاب بايدن هو جيد للسلطة الفلسطينية. هذا كيان باقٍ، وأصبح عاملاً دائماً لن يختفي بسهولة على الرغم من كل التوقعات أن يحدث العكس، هذا كيان مشغول طوال الوقت بالحفاظ على بقائه: البقاء ليس فقط من أجل الطبقة البيروقراطية العليا وحركة فتح، ولكن أيضاً من أجل عشرات الآلاف من العائلات التي تعتمد عليها في معيشتها”.
وقالت المحللة الإسرائيلية إنه سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن السلطة الفلسطينية هي الكيان الذي يدير حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وتسمح فيها بنوع من الاستمرارية وشبه الحياة الطبيعية في ظل ظروف غير طبيعية من احتلال إسرائيلي جائر. وقالت أيضا إن هذا كيان مسؤول عن عمل المدارس– بغض النظر عن نوعية التعليم، وعن الجهاز الصحي بغض النظر عن حاجته للتحسين الكبير. هذا هو الإطار لوجود مؤسسات رياضة وثقافة، ولتحسين البنى التحتية للطرق، والماء والكهرباء في هذه الجيوب، والحفاظ على النظام والحماية من الجريمة المحلية.
وتابعت: “بالضبط لهذا السبب فإن بايدن، المؤيد لإسرائيل من النوع القديم، يدرك أهمية السلطة لإسرائيل، بكونها تعفيها من العبء المباشر المتمثل بإدارة السكان المحتلين. عليه بناء على ذلك أن يضمن بأن لا تنهار السلطة اقتصادياً ولا تفقد أهميتها السياسية. العلاقات الدبلوماسية بين السلطة والولايات المتحدة– ستستأنف. الممثلية الفلسطينية في واشنطن سيعاد فتحها. لقاءات ممثلين مدنيين وأمنيين أمريكيين مع مسؤولين فلسطينيين ستستأنف أيضاً– وسوف يعززون الشعور بالأهمية الذاتية للطبقة الفلسطينية الحاكمة”.
وتساءلت: الى أي مدى الآن، عندما يعود رئيس ديموقراطي الى البيت الأبيض، سيتعلم الفلسطينيون (وعرب آخرون) كيفية تحسين هذه العلاقات والدفع بها قدماً من أجل تعزيز الموقف السياسي الفلسطيني وليس فقط السلطة الفلسطينية؟
وبدورهم، يحذر مثقفون فلسطينيون داخل أراضي 48 من تورط السلطة الفلسطينية في “أوهام” استئناف المفاوضات مع إسرائيل لهدف المفاوضات إلى ما شاء الله واستغلالها لتسمين الاستيطان تحت تغطيتها ومواصلة إدارة الصراع دون السعي الحقيقي لتسويته.
كما ويحذر الأكاديمي المحاضر في العلوم السياسية بروفيسور أسعد غانم من عودة السلطة الفلسطينية لـ أوهام التفاوض منوها أن الاحتلال لن يغير مواقفه طالما بقي مجانيا، مشددا على أن "إسرائيل" غير معنية بتسوية الدولتين وتطمع بـ ابتلاع معظم أراضي الضفة الغربية وإبقاء الفلسطينيين داخل أقفاص وخلف الجدران.