بايدن كما عرفتُه ..

حجم الخط

بقلم: يوسي بيلين

 


التقيته، لأول مرة، في العام 1992، في إطار لقاءات شخصية أجريتها في واشنطن مع أعضاء كبار في لجنتي الخارجية لمجلس النواب والشيوخ. كان اللقاء الأول اكثر دفئا من المتوقع، ولما كنا ملزمين بإنهائه، فقد حددنا ان نواصل في اقرب وقت ممكن من المكان الذي توقفنا عنده. وكان هذا بالفعل أول لقاء في سلسلة طويلة من اللقاءات عن المسيرة السياسية، التي نالت الزخم في عهد الرئيس كلينتون. وبخلاف معظم من تحادثت معهم أبدى اطلاعا واسعا على تاريخ النزاع الإسرائيلي – العربي والإسرائيلي – الفلسطيني، ومفاهيم كثيرة لم تكن معروفة على الإطلاق لدى زملائه كانت دارجة على لسانه. فقد تحدث عن إسرائيل بتقدير هائل. تساءلت عن سبب تعاطفه فقال لي جملة لم اسمعها من اي شخص آخر تحدثت معه: «عندي يبدأ هذا في البطن، يتواصل في القلب، ويصل الى الرأس». ولاحقا قرأت هذه الجملة في احدى المقابلات التي منحها للصحف.
تحدث عن كارثة يهود أوروبا، وعن أهمية الفكرة الصهيونية وتماثله معها، وعن معرفته لزعماء إسرائيل في الماضي. وكانت الحلول السياسية التي تحدثنا عنها، بطبيعة الأحوال، تلك التي في الوسط – اليسار الإسرائيلي، ولكن كانت له أيضا كلمات طيبة يقولها عن رئيس الوزراء، مناحيم بيغن، وعن الشجاعة التي كانت له للتنازل عن كل سيناء، بخلاف التزامه الأيديولوجي السابق.
تحدثنا غير قليل عن سلم الأولويات بالنسبة لاتفاقيات السلام المستقبلية. قلت له ان السبيل الذي شق في مؤتمر مدريد (1991)، والذي تجرى فيه محادثات بين إسرائيل ووفد اردني فلسطيني، وفد سوري، ووفد لبناني، مصطنع بعض الشيء، ولكن لما كان تقرر، فمن الأفضل ألا يتغير طالما لا يوجد بديل متفق عليه له. ومع ذلك، لو كان علي أن اختار، لمنحت أولوية للقناة الفلسطينية.
«يوجد بيننا خلاف»، «السلام مع سورية، من ناحية الولايات المتحدة سيؤدي الى تغيير استراتيجي. السلام مع الفلسطينيين سيؤدي الى تغيير تكتيكي. اعرف انه من ناحيتكم تعد هذه حاجة لإيجاد حل للمسألة الديمغرافية، ولكن من ناحية أميركا فإن الأولوية هي للقناة التي بينكم وبين سورية».
بعد التوقيع على اتفاق المبادئ مع «م.ت.ف»، التقينا مرة أخرى. سأل، بابتسامة، كيف كان يمكنني أن اخفي عنهم المفاوضات في أوسلو، التي تواصلت في أثناء 1993، في خلفية اللقاءات بيننا، ولكن هذا كان سؤالا بيانيا. قلت له ان الاتفاق مع الفلسطينيين لن يمنع اتفاقات مع الأردن وسورية بل كفيل بأن يحثها: فقد تحررت الدول العربية من الحاجة لربط مصيرها بالفلسطينيين، من اللحظة التي توصل كان فيها الفلسطينيون معنا الى اتفاق منفرد. وأعرب عن أمله في أن اكون محقا.
في احد اللقاءات بيننا قال لي انه في المرة التالية سنلتقي في إسرائيل. وتلقى دعوة لزيارة البلاد، وفي نيته ان يحققها. سألت من الداعي، فبحث في ورقة على طاولته وقال لي ان هذه منظمة تدعى «ايش هتوراة» (نار التوراة). وقد رأى العجب الذي بدا على وجهي، وسأل لماذا أتفاجأ. قلت له انه اذا كان معنيا بزيارة البلاد فيمكن تنظيم دعوة له من منظمة مقبولة اكثر. فابتسم وقال ان الحاخام الذي كان عنده ودعاه الى القدس ترك لديه انطباعا ممتازا، وليس له أي مشكلة في أن يحل ضيفا عليهم.

عن «إسرائيل اليوم»