ترك السياسي الفلسطيني الراحل د. صائب عريقات، إرثاً لا يختلف عليه فلسطيني عماده التمسك بالوحدة الوطنية الفلسطينية، وعلى الرغم من اختلافه بشرف مع برامج الفصائل الفلسطينية إلا أنّه كان داعماً للوحدة في كل مواقفه وأفعاله وأحاديثه؛ بالإضافة للدور الذي كان يُمارسه عبر ترديده باستمرار لقرارات الشرعية الدولية؛ الأمر الذي رسّخ في وعي الأجيال الصاعدة أهمية الاستناد إلى الشرعية الدولية في ظل عدالة القضية الفلسطينية؛ دون إغفال الدور الذي رسخته فصائل المقاومة؛ لأهمية العمل المسلح؛ وبذلك يكون الراحل عزز قيم الاشتباك السياسي والدبلوماسي لانتزاع الحقوق، إلى جانب إنجازات قوى المقاومة في الاشتباك المسلح لاستعادة الحقوق؛ في تكاملٍ للأدوار يؤدي لاستراد الأرض والحقوق من الاحتلال "الإسرائيلي".
مُلمًا بكل جوانب العمل الوطني
الكاتب والسياسي الفلسطيني د. نبيل عمرو، أكّد على أنّ الراحل عريقات، كانت له مكانة مركزية في النظام السياسي الفلسطيني؛ بحضوره القوي على الصعيد الداخلي ومن ثم على صعيد العلاقات الخارجية، مُستدركاً: "كان قيمة وطنية كبيرة".
ولفت عمرو في حديثٍ خاص بوكالة "خبر" إلى أنّ الدكتور عريقات شارك في حياته النضالية في جميع الاتجاهات والمجالات من أستاذ جامعي فمفاوض ودبلوماسي؛ وبالتالي كان مُلماً بكل جوانب العمل الوطني الفلسطيني.
ورأى أنّه برحيله سنجد فراغاً، مُردفاً: "نأمل أنّ يمتلئ بكوادر بذات الكفاءة، وأعتقد أنّ الشعب الفلسطيني لا ينقصه ذلك؛ خاصة أنه مَلِيء بالطاقات والكفاءات".
وتُوفي عريقات (65 عاماً) أمس الثلاثاء، في مستشفى "هداسا الإسرائيلي" الذي نقل إليه منذ 3 أسابيع بعد تدهور حالته الصحية، ومنذ ذلك الحين وصفت حالته بالحرجة بعد أنّ أُخضع للتنفس الاصطناعي الكامل، وقد أشرف على متابعة حالته الصحية فريق طبي دولي.
ونعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس باسمه وباسم القيادة والحكومة، عريقات، وأعلن الحداد بتنكيس الأعلام الفلسطينية لمدة 3 أيام.
ووصفه الرئيس عباس في بيان بـ"القائد الوطني الكبير وشهيد فلسطين"، وقال: "إنّه أمضى حياته مناضلاً ومفاوضاً صلباً دفاعاً عن فلسطين وقضيتها وشعبها وقرارها الوطني المستقل".
ورحل عريقات بعد 3 سنوات من إجرائه عملية وصفت بالناجحة لزراعة رئة، لكن وضعه تدهور على نحو خطير أخيراً إثر إصابته بفيروس كورونا.
كما تقدّمت حركة حماس، بالتعزية والمواساة من الشعب الفلسطيني ومن حركة فتح بوفاة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والقيادي بالحركة صائب عريقات.
الالتفاف حول المنظمة كعنوان للوحدة
أما عضو المجلس الثوري لحركة فتح حنا عيسى، فقال: "إنّ الدكتور صائب، كان قاسمًا مشتركًا بين القوي الوطنية والإسلامية في الساحة الفلسطينية، وهذا ما كنت ألمسه منه أثناء اجتماع أعضاء اللجنة الوطنية العليا للمحكمة الجنائية الدولية".
وأضاف في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "لمست تفهمه للأوضاع الفلسطينية رغم تناقضها في المواقف السياسية، فكان دائماً مصمم على الوحدة بين كل الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية، ويعتبر منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد على اعتبار أنّه أمين السر ويجب أنّ يكون ممثلاً لكافة الفلسطينيين بغض النظر عن وجود هذا الفصيل أو ذاك في منظمة التحرير".
وشدّد على أنّه كان يُؤمن بأهمية الالتفاف الجماهيري حول منظمة التحرير؛ باعتبارها العنوان الأساس في عمله إنّ كان عن طريق المفاوضات أو منظمة التحرير أو المجلس التشريعي أو عن طريق كل المناصب التي تبوأها منذ العام 1991 حتى وفاته يوم أمس.
رحيل مفاجئ في ظل تحديات كبرى
من جهته، قال عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين طلال أبو ظريفة: "إنّ رحيل صائب عريقات خسارة كبرى للقضية الوطنية الفلسطينية"، مُستطرداً: "هذا الرجل سخر حياته منذ الطفولة لخدمة حقوق شعبنا بين أزقة المخيمات، ومؤسسات الدول لتعزيز مكانة القضية".
وأردف أبو ظريفة خلال حديثه لـ"خبر": "كان عريقات مناضلاً وفيًا للمبادئ والقيم، وكانت علاقاته حميمة مع كافة القوى السياسية"، لافتًا إلى أنّه تقلد مناصب عديدة في ظل مراحل صعبة ومعقدة وكانت له مواقف وطنية يُحتذي بها.
وأضاف: "رحل لكنه ترك جيلاً وتاريخًا ينهل منه الثوار وأبناء شعبنا، والعهد له ولكل الشهداء أنّ نكون على ذات المبادئ التي سار عليها صائب حتى العودة والحرية".
وختم أبو ظريفة حديثه، بالقول: "العزاء لعائلته وللأخوة في حركة فتح وللقيادة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على هذا الرحيل المفاجئ في وقت حساس في ظل ظروف وتحديات كبرى".
بدوره، قال عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية هاني الثوابتة: "إنّ الراحل عريقات يُعد من القامات الوطنية التي قدمت للقضية الفلسطينية"، مُضيفاً: "في هذا المصاب نتقدم بأحر التعازي من أبناء شعبنا عامة ومن الأخوة في التحرير الفلسطيني فتح؛ ولروحه الرحمة ولأهلة وذويه وشعبنا كل معاني التضامن الوطني والأخوة".
وتابع ثوابته في حديثه لـ"خبر": "إنّ رحيل الدكتور صائب خسارة فادحة وبالتأكيد سنفتقد إنسان بكل ما يحمل من سمات ودور، حيث كان له أثر عميق في الساحة الفلسطينية"، مُستدركاً: "لكنّ شعبنا والدكتور صائب أنجبوا من سيواصل للطريق ويُواصل حمل الراية؛ حتى نُحقق أهداف شعبنا والأهداف التي رحل من أجلها عريقات"
وولد عريقات في بلدة أبو ديس شمال القدس المحتلة، في 28 من أبريل/نيسان 1955، وعُرف كأبرز السياسيين والدبلوماسيين في القيادة الفلسطينية بعد أن بدأ نائبا لرئيس الوفد الفلسطيني إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وما تلاه من مباحثات في واشنطن خلال عامي 1992 و1993، وعُيِّن رئيسا للوفد المفاوض بعد توقيع اتفاق أوسلو نهاية عام 1993.
وينحدر عريقات من إحدى عائلات بلدة أبو ديس (شرقي القدس المحتلة) لكنه سكن في منزل ورثه عن والده في أريحا.