هل تعود "الرسمية الفلسطينية" لمسار الوهم التفاوضي؟!

حجم الخط

كتب حسن عصفور

 بشكل مفاجئ، وربما بغير المسار السياسي الذي يكان ينتظره الشعب الفلسطيني، أعلنت الرئاسة الفلسطينية عبر ناطقها، استعدادها العودة الى المفاوضات " على أساس الشرعية الدولية، أو من حيث انتهت المفاوضات أو بالتزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة"، ردا على دعوة وزير الجيش في دولة الكيان الإسرائيلي.

سرعة التجاوب الرئاسي على النداء الإسرائيلي، بذاتها تمثل مفاجئة، فمن حيث المبدأ ليس مطلوبا منها فعل ذلك، خاصة وان كل مسؤول إسرائيلي ينادي دوما بذلك "النداء الفارغ"، لكن الرد الفوري من رام الله، يشير ان المسألة راهنا ليست كما غيرها.

قد يقال أن الرئاسة الفلسطينية أرسلت رسالة "الرغبة التفاوضية" الى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن عبر تل أبيب، كحسن نوايا سياسية، وإظهار أنها جاهزة لخيار التعامل "الإيجابي" مع التحرك بعيدا عن "خطة ترامب".

ولأن السياسة تخلو من حسن النوايا، فالبيان الرئاسي الفلسطيني يسجل "جملة تنازلات" مسبقة، تبدأ في موقفها بتغييب أي مرجعة تريد، فلأول مرة نقرأ عن خيارات تقدم لـ "انطلاقة تفاوضية"، وليس موقفا محددا، ينطلق من قاعدة ثابتة، فالحديث عن "إما "الشرعية الدولية، أو من حيث "انتهت المفاوضات" أو "الالتزام بالاتفاقات الموقعة" تكشف أن "الرسمية الفلسطينية، تفتقد الى رؤية محددة لما تريد.

منطقيا، الخيارات الثلاثة تعلن، استعدادا رسميا فلسطينيا بالتخلي عن "قرارات الشرعية الدولية"، ومنها قرار 19/ 67 لعام 2012 حول دولة فلسطين، لصالح الاتفاقات الموقعة، ومعها من حيث انتهت المفاوضات، وتلك رسالة تشمل فيما تشمل التخلي كليا عن مجمل القرارات المعلنة حول فك الارتباط مع دولة الكيان، خاصة سحب الاعتراف المتبادل وإعلان دولة فلسطين، كامتداد شرعي للسلطة الفلسطينية القائمة، وما يتبعها من قرارات كعودة التنسيق العام وخطوات أخرى.
أن تعلن الرئاسة الفلسطينية استعداد تفاوضي من حيث انتهت المفاوضات، تستوجب السؤال، الى أين انتهت آخر مفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، هل هناك محددات واضحة لها، أو محاضر يمكن العودة اليها كي تصبح "مرجعية نقطة الانطلاق التفاوضية الجديدة".

 وللتذكير لم يتم جولات تفاوضية بين الطرفين بشكل مباشر منذ اغتيال الخالد الشهيد المؤسس أبو عمار، وعمليا يمكن اعتبار قمة ديفيد 2000 هي آخر جولة تفاوضية شاملة، وغيرها لم يكن سوى لقاءات لبحث كيفية التعامل مع أفكار أمريكية، عبر مسميات مختلفة، كـ "حل الدولتين" وخطة ميتشيل وخريطة الطريق وورقة تينيت الأمنية.

وحتى أفكار يهودا أولمرت المتقاربة نسبيا مع "محددات كلينتون"، لم يتم التفاوض حولها، بعد أن منعت الإدارة الأمريكية الطرف الفلسطيني من ذلك، ولاحقا تم اغتيال أولمرت سياسيا كما سبق اغتيال رابين برصاص اليمين الحاكم في إسرائيل راهنا.

وفي مؤتمر أنابوليس 2007، لم يكن هناك جولات تفاوضية محددة، يمكن اعتبارها "مرجعية" لتصبح منطلقا لمفاوضات جديدة، ولذا الحديث عن خيار "ما انتهت اليه المفاوضات" ليس سوى تيه سياسي جديد.

والخيار الثالث الذي اشارت له الرئاسة الفلسطينية، قد يكون الأكثر "كارثية"، فالحديث عن الالتزام بالاتفاقات الموقعة يعني فيما يعني استمرار المرحلة الانتقالية بكل شروطها الأمنية وقيودها السياسية، وإعلان رسمي بإسقاط الخيار الوطني في إعلان دولة فلسطين.

وقبل كل ذلك، هل حقا هناك "شريك إسرائيلي" له أن يصنع "السلام الممكن" ضمن التسوية التاريخية بدولة فلسطينية وفق قرار الأمم المتحدة...المسألة تبدأ من هنا، وغير ذلك ليس سوى حرق كل مكتسب وطني جسدته الكفاحية الثورية الفلسطينية.

رسالة الرئاسة الفلسطينية الأخيرة تؤكد أن خيارها الحقيقي الابتعاد كليا عن أي "مواجهة سياسية" مع دولة الكيان، وبالتأكيد مع أمريكا، وأنها ستواصل سياسة الأمر الواقع، وتخلي كلي عما توافقت عليه مع "الفصائل" فيما يخص القادم السياسي.

هل تدرك "الرسمية الفلسطينية" أن ما عرضته يمثل قوة دفع لتعزيز الموقف الحمساوي الخاص بإقامة "كيان غزة الخاص"، وأن التراجع عن إعلان دولة فلسطين ليس سوى الوجه الآخر لتلك الخطوة، أي كانت التبريرات اللغوية.

وبالتأكيد، تلك الخيارات تغلق الباب كليا أمام أي حديث عن "إنهاء الانقسام"، بل تفتح بابا جديدا لمظاهر مختلفة منه، وأسرع الطرق لتكريس "الانفصالية الكيانية" كنتاج موضوعي لـ "الانفصالية السياسية"، ولن ينقصها أدوات "تبرير فعلها"...وستجد في الارتعاش السياسي جدارا واقيا لمخططها الخاص.

ملاحظة: حماس تعبر عن "قلقها" من تطورات كورونا في قطاع غزة ..طيب وبعد "القلق" كيف الناس ممكن تبطل "قلق" ...بدها حل أو بعض حل أو أنتم تحلوا عن الناس.

تنويه: من مفاجآت الانتخابات في بلاد الأمريكان، وصف أحد اهم القنوات الإعلامية للرئيس ترامب بأنه يتصرف كحاكم مستبد...شهادة حق جدا ولكن لتمرير باطل جدا!