هل يستغلّ ترامب الأسابيع المتبقية لتنغيص حياة بايدن؟

حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع



في مينيابوليس، منسوتا، المباراة النهائية لكرة القدم الأميركية. فقد لعب فريق نيوانجلند باتريوت ضد فيلادلفيا ايغلز، منافسه الذي لم يحصل على اللقب أبداً. وانتصر فريق فيلادلفيا. وكانت مسيرة النصر بعد المباراة أحد الأحداث المفرحة التي عرفتها المدينة. وأكبر من هذه الفرحة كانت الفرحة التي ظهرت صباح السبت عندما قدمت فيلادلفيا الأصوات التي حرمت ترامب من ولاية ثانية.
          توجد هنا قصة. في كل سنة درج البيت الأبيض على أن يدعو لاعبي الفريق المنتصر الى البيت الأبيض في صورة مشتركة مع الرئيس. رفض ترامب دعوة الإيغلز. وكانت الإهانة كبيرة، لا تغتفر. ففيلادلفيا تتنفس وتعيش الرياضة: مدينتها الرياضية هي مواساتها في الأيام الصعبة. وهذه السنة، أثناء تظاهرات الاحتجاج في المدينة، أكثر ترامب من توجيه الإهانات للسكان ولقيادة المدينة. فيلادلفيا مدينة مختلطة: يوجد لها تاريخ عريق، ثقافة غنية، وجامعات رائعة، والى جانبها فقر مدقع، مخدرات، وجريمة. في نظر ترامب فان خطيئتها الكبرى هي ولاؤها للحزب الديمقراطي.
          سجل السكان الإهانة وردوا بناء على ذلك. قبل أربع سنوات انتصر ترامب في بنسلفانيا، بأغلبية صغيرة. كان احد اسباب الانتصار هو عدم الاكتراث النسبي للناخبين السود في فيلادلفيا. أما هذه المرة فقد صوتوا بجموعهم. سياسة، رياضة، وطنية محلية، ولون كلها تسير معا.
          الدرس واضح: احذر من تهينه؛ اليوم أهنته، وغداً ستتلقى الضربة منه. يمكن لترامب أن يقول دفاعاً عن نفسه بأنه لم يميز ضد فيلادلفيا: فقد أهان الجميع. وهو يواصل ما كان عليه هذه الأيام ايضا بوتيرة متسارعة: أتلقى كل يوم نحو 50 رسالة الكترونية، موقعة من ترامب، نائبه، ابنائه، كنته، وقيادته الانتخابية. سرقت الانتخابات، سُطي عليها، زورت، هكذا يصرخون. الديمقراطيون ووسائل الإعلام اليسارية سرقوها. والنصوص دنيئة، هستيرية، لا توجد أدلة. سأل ترامب: "هل يمكنني أن اعتمد عليك؟" وهو لا يتوقع جواباً، بل مالاً فقط. كل دولار أتبرع به للصندوق الجديد الذي أقامه لتمويل صراعه سيتضاعف ألف مرة.
          عند مراجعة نتائج الانتخابات في الولايات المترددة يسهل على المرء ان يفهم ترامب. قبل اربع سنوات كان له حظ مجنون: فقد فاز في هذه الولايات المتحدة بفارق بضعة آلاف من الاصوات. اما هذه المرة فانتقل الحظ الى بايدن. بعد احصاء 99 في المئة فأكثر من الاصوات، بقي فارق اقل من 50 الفاً في بنسلفانيا، اقل من 13 الفاً في ايرزونا، 36 الفاً في نفادا، 20 الفاً في ويسكنسون. ناخبون أكثر بقليل في الجوانب الريفية من بنسلفانيا وويسكنسون؛ اقل بقليل من الناخبين الهسبانيين في أريزونا والسود في جورجيا، فكان الانتصار حليفه.
          يمكنه أن يستأنف على النتائج. عندما يكون الفرق صغيرا بهذا القدر يكون الاستئناف خطوة مشروعة. ولكن ترامب لا يستأنف على النتائج، بل على قواعد اللعب، وعلى النظام. كل نتيجة لا تكون انتصاراً له يجب أن تكون مؤامرة ظلامية، جريمة لم يسبق لها مثيل. لماذا؟ هكذا. وفي هذه الاثناء، ينجر وزراؤه وحزبه وراءه. في إسرائيل يعرفون الظاهرة.
          الأسابيع العشرة المتبقية حتى دخول بايدن الى البيت الابيض قد تكون مشوقة. وهذه تكون عموماً فترة هادئة. فالرئيس المنصرف يستضيف الرئيس المنتخب في مكتبه. يعدان بأن يتركا وراءهما خصام الانتخابات وخدمة كل الأميركيين. ويجري الرئيس المنصرف وفريقه سلسلة من الإطلاعات للفريق الجديد. يتشاور المنصرف مع المنتخب او على الأقل يطلعه قبل كل قرار مهم. ما يمكن تأجيله يؤجل، ليس هذا زمن الثورات. زميلي، شمعون شيفر، وأنا رأينا الرئيس بوش في البيت الأبيض في كانون الأول 2008، قبل شهر من نقله المفاتيح لبراك أوباما. هذا المكان الهائج، مركز أعصاب العالم، كان هادئاً على نحو عجيب، مثل كوخ سياحي في ظل "كورونا".
          ولكن ترامب يروي في هذه اللحظة قصة أخرى. فهو يعتزم ان يستخدم كل القوة التي تعطيه إياها الدولة. فوزارة العدل ستحقق في التزويرات في صناديق الاقتراع. والوزراء سيقالون. ووزراء آخرون سيعينون. والعزف الموسيقي على التايتنك سيتواصل. أحد المجالات التي يمكن ان يعمل فيها هو السياسة الخارجية. روب مالي وفيليت غوردون، مسؤولان كبيران في الادارات السابقة، نشرا مقالاً في "نيويورك تايمز" ادعيا فيه بأن ترامب قد يعترف بضم جزء من الضفة، يشدد العقوبات على إيران، بل ربما يصل الى مواجهة عسكرية معها. وسيكون الهدف تنغيص حياة بايدن. مع الزمن يمكنه أن يلغي معظم الخطوات، ولكن سيتعين على بايدن أن يدفع ثمناً سياسياً. هذا سيناريو متطرف، ولكن لدى ترامب، في مزاجه الحالي، من الصعب أن نعرف. كل الأفكار يمكنها أن تطرأ على رأسه في طريقه الى ملعب الغولف.

عن "يديعوت"