نظرة على السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب

حجم الخط

بقلم: جيمس ستافريديس

 

أتيحت لي فرصة التعرف على السيد جوزيف بايدن، حال خدمتي قائداً مقاتلاً في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، أولاً في القيادة الجنوبية للولايات المتحدة، ثم وبصفة أعمق خلال سنوات خدمتي الأربع في منظمة حلف شمال الأطلسي. وذات مرة، أثناء مأدبة من جانب السفير الأميركي لدى حلف شمال الأطلسي في بروكسل، رأيت السيد جوزيف بايدن نائب رئيس الولايات المتحدة وقتذاك، أثناء اجتماعه مع السفراء ووزراء الخارجية من البلدان الـ27 الأخرى في الحلف في تلك الأوقات.

تجول السيد بايدن حول المائدة الكبيرة، وكان بمقدوره التعليق على أي عدد من البلدان، من ألمانيا الكبيرة إلى آيسلندا الصغيرة، مع طرحه لموجز وجيز حول زيارته لهذه المدينة أو تلك، أو روايته لقصة ذات مغزى عن رئيس دولة من الدول، أو طرح لتعليقه الخاص بشأن السياسات الراهنة في مسألة من المسائل. ولم تكن تلك الروايات مجرد إملاءات محفوظة يدلي بها إلى أحد مساعديه المقربين: بل كان يستدعي تلك التعليقات من ذاكرته الشخصية، ولكنها كانت عبارة عن دليل طبيعي للغاية وغير قسري بالمرة على فترة خدمته الطويلة في المعترك السياسي، ليس على المستوى المحلي فحسب، وإنما على الصعيد العالمي الواسع.

في حين أن الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2020 الحالي ركزت بصفة أساسية ومفهومة على القضايا المحلية ذات الشأن في الداخل الأميركي، كان السيد جوزيف بايدن يشغل من قبل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بالكونغرس الأميركي، ومن ثم فإن تعزيز الأولويات الجيو سياسية للولايات المتحدة الأميركية سوف يحتل المركز الأول على رأس جدول أعماله واهتماماته السياسية في الفترة المقبلة.

ومن المتوقع أن يجلب رفقته فريقاً من أصحاب الخبرات الواسعة من مستشاري السياسات الخارجية والقضايا الأمنية في الحكومة الأميركية الجديدة، فضلاً عن العديد من قدامى الموظفين. ونظراً لأنه قد عمل جنباً إلى جنب مع أغلبهم تقريباً، يمكنني القول بأن هذا ربما يكون أكبر فريق مخضرم يجلبه أي رئيس منتخب جديد إلى أعتاب البيت الأبيض، في حقبة ما بعد نهاية حرب فيتنام وحتى اليوم. ومن بين أعضاء الفريق الجديد: يشغل السادة نيكولاس بيرنز، وويليام بيرنز، وتوني بلينكين مناصب رفيعة المستوى في وزارة الخارجية الجديدة. وهناك أفريل هينز ومايكل موريل اللذان يساعدان في توجيه دفة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. ولدينا ميشيل فلورنوي وليزا موناكو وجيه جونسون الذين سوف يشغلون مناصب رفيعة في وزارات الدفاع والأمن الداخلي. فضلاً عن السيدة سوزان رايس التي كانت تشغل منصب سفيرة الولايات المتحدة إلى منظمة الأمم المتحدة ومستشارة الأمن القومي في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما.

وما زلنا ننتظر ما إذا كانت تلك الشخصيات المخضرمة رفيعة المستوى سوف تشغل المناصب الرسمية في الإدارة الأميركية الجديدة من عدمه، غير أنه، وبرغم كل شيء، فإنها تعتبر بداية جيدة للغاية حتى الآن. ومن المرجح لاستقرار أركان الحكم أن يمثل القوة الحقيقية الدافعة لفريق السياسات الخارجية في إدارة السيد جوزيف بايدن. كان لدى الرئيس دونالد ترمب أربعة مستشارين لحقيبة الأمن القومي في عدد قليل من السنوات. وبالتالي، ألق نظرة على أعضاء فريق السيد بايدن كي تلحظ الفارق الواضح ما بين الفترتين.

وفي الوقت الذي نتصور فيه منهاج السيد جوزيف بايدن على الصعيد العالمي، حري بنا إمعان النظر في دراسة أوجه التشابه والاختلاف بينه وبين إدارة الرئيس دونالد ترمب المنتهية ولايته قريباً. وربما يثير الأمر بعض الاستغراب، لكن من المرجح أن تستمر بعض جوانب السياسات الخارجية والأمنية على منوالها الراهن من دون تغيير كبير، وإن كانت بأسلوب وأنماط وملاحظات مختلفة تماماً.

أشار الرئيس المنتخب جوزيف بايدن، على سبيل المثال، إلى أنه يعتزم اتخاذ موقف صارم نسبياً حيال الصين. ومن شأن ذلك أن يشمل مواصلة التعامل مع سلة التحديات التي فرضها وباء «كورونا المستجد» على العالم بأسره، تلك التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة ضد الصين: مزاعم المطالبة بالمناطق الإقليمية مع بناء الجزر الاصطناعية في بحر الصين الجنوبي، والاختلالات المشهودة في التجارة والرسوم الجمركية، وجرائم سرقة الملكيات الفكرية، والصراعات التي يكتنفها الكثير من الغموض في مجال الأمن السيبراني.

ولسوف تستمر أيضاً ممارسة الضغوط على الجماعات الإرهابية المختلفة، بما في ذلك تنظيم «القاعدة»، وتنظيم «داعش»، وحركة «الشباب» في شرق أفريقيا. وعلى نحو مماثل، ممارسة الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية على نظام الرئيس نيكولاس مادورو في فنزويلا. فضلاً عن الفكرة العامة ذات الصلة بإعادة القوات الأميركية إلى أرض الوطن من «الحروب اللانهائية» في الخارج، التي بدت مرجحة للغاية، وإن كانت بوتيرة تتسم بالتأني والروية، استناداً إلى الظروف والمجريات في أرض الواقع.

بيد أن الاختلافات بين الإدارتين الأميركيتين الحالية والسابقة سوف تكون أكثر وضوحاً من أوجه التشابه سالفة الذكر. وعلى رأس القائمة نجد معاودة الانضمام فوراً إلى اتفاقية باريس المناخية، الأمر الذي يعيد الولايات المتحدة إلى اتخاذ موضع القيادة في صدارة الجهود البيئية الدولية. وهذا من أبرز مجالات التعاون المحتملة من الحكومة الصينية، الذي أتوقع أن يجد قدره المطلوب من البحث والدراسة الجادة.

من شأن تلك الجهود العالمية الجماعية على صعيد التغيرات المناخية أن يستمر مرافقاً لمسار هو أعلى بصفة عامة من التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى، مثل منظمة الصحة العالمية، وغير ذلك من الكيانات ذات الأهمية ضمن أروقة الأمم المتحدة، والمجموعات الإقليمية الأخرى مثل منظمة الدول الأميركية، ورابطة دول جنوب شرقي آسيا، ومنظمة حلف شمال الأطلسي بكل تأكيد.

على نحو مماثل، سوف يميل فريق الإدارة الأميركية الجديد إلى الاستثمار السياسي في المعاهدات التي تعد من أبرز الأدوات المساعدة في صياغة وجه العالم بطرق تخدم أهداف وأغراض الولايات المتحدة الأميركية. ومن أبرز تلك المعاهدات: صياغة اتفاقية جديدة للحد من الأسلحة الاستراتيجية مع روسيا، وذلك لكي تحل محل اتفاقية «نيو ستارت» منتهية الصلاحية، وربما نشهد إبراماً لاتفاقية مماثلة مع الحكومة الصينية مع مرور الوقت. هذا وقد لمَّحت الحكومة الروسية إلى استعدادها للوصول إلى اتفاق واضح في هذا الصدد.

من المتوقع أيضاً لإدارة الرئيس الجديد جوزيف بايدن، إعادة النظر في معاهدة القوات النووية متوسطة المدى، التي تخلت عنها إدارة الرئيس دونالد ترمب تماماً. وكذلك اتفاقية الأجواء المفتوحة للتحقق من الأسلحة النووية، وربما الاتفاق النووي مع جمهورية إيران الإسلامية. ومن شأن كل ذلك أن يشير بوضوح إلى عودة الولايات المتحدة إلى اعتماد المنهاج الدبلوماسي الكلاسيكي في التعامل مع القضايا والملفات الخارجية ذات الأهمية.

ترد عليَّ أسئلة كثيرة بشأن ميزانية الدفاع الأميركية في عهد الرئيس المنتخب جوزيف بايدن. ورغم بعض الدعوات الصادرة عن الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي الأميركي بتخفيض كبير في ميزانية الدفاع، إلا أنني أتوقع أن المقدار بالدولار الأميركي لن يشهد تغييراً كبيراً، أو ربما يطرأ عليه تعديل بنسبة مئوية أو اثنتين على الأكثر.

ومع ذلك، سوف تكون هناك إعادة تنظيم داخل ميزانية الدفاع من أجل التركيز على أدوات الحرب في القرن الحادي والعشرين: مثالاً بالأمن السيبراني، والمركبات المسيرة (ليس فقط الطائرات المسيرة من دون طيار، وإنما تشتمل أيضاً على الأقمار الصناعية، والغواصات المسيرة، والسفن السطحية)، وكذلك القوات الخاصة، والأسلحة الفائقة لسرعة الصوت، وتقانات الذكاء الصناعي المتطورة. ومن شأن ذلك أن يحدث على حساب مستويات القوات، وعدد من المنصات العسكرية الكبيرة وباهظة الثمن (مثل حاملات الطائرات والفرق القتالية في ألوية الجيش). فضلاً عن جهود تحديث الترسانة النووية في الولايات المتحدة، التي كانت قد بدأت في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.

ومن زاوية البلدان الفردية، سوف تختلف كثيراً درجة التشابه والاختلاف بين الرئيسين دونالد ترمب وجوزيف بايدن. إذ ربما تتوقع إيران العودة إلى مائدة المفاوضات مرة أخرى، ولكن ليس إلى الاتفاق النووي السابق بتمامه. وربما تجد حكومة كوريا الشمالية في نفسها الرغبة أو الاستعداد للنظر في حزمة من الحلول المبتكرة، مثل السماح لها بامتلاك عدد من الأسلحة النووية، وإنما مع عدد من القيود المعتبرة وعمليات التفتيش اللاحقة على أنظمة الإطلاق، وخلافه.

عن «بلومبرغ»