عملية "أولمبيا": القصة الكاملة لمحاولة اغتيال عرفات وقيادة "م.ت.ف" العام 1982 (2-2)

حجم الخط

بقلم: رونين بيرغمان


فوضى تمهد إلى الاجتياح
في آب 1981 عين بيغن ارئيل شارون وزيرا للدفاع. إحدى الخطوات الأولى لشارون كانت توجيه تعليمات للجيش الإسرائيلي للتخطيط لعملية كبيرة في لبنان. كم كبيرة، كم عميقة؟ لم يكن لدى أحد حقا أي وضوح في حينه. ولكن ثمة مشكلة كانت لشارون: قبل بضعة اشهر من تسلمه منصبه تحقق بوساطة أميركية نشطة اتفاق هدنة بين الإسرائيليين و»م.ت.ف». شارون ورافول عارضا الاتفاق: اعتقدا بأن «م.ت.ف» في واقع الأمر حصلت على وقت لتتعاظم بقوتها ويمكنها في هذه الأثناء أن تواصل العمل ضد إسرائيل في الخارج وفي «المناطق». وإسرائيل؟ مقيدة.
فما الذي تبقى لشارون، إذاً؟ بالطبع، القوة السرية لداغان في جنوب لبنان. فقد أمر داغان بأن يسرع ويصعب نشاطاته. وروى افرايم سنيه يقول: «كان هدف المرحلة الثانية في هذه الأعمال زرع فوضى في مناطق الفلسطينيين في صور، وفي صيدا وفي بيروت، تكون سببا حقيقيا وملموسا لاجتياح إسرائيلي».
من أجل التأكد من ان كل شيء يجري كما يريد شارون، بعث الى داغان بمسؤول «الموساد» الكبير السابق، رافي ايتان. ولاحقا يجمل ايتان تلك السنوات المضطربة بمذكرة قصيرة: «من منتصف العام 1980 وحتى نشوب حرب سلامة الجليل في 1982 نفذنا عشرات العمليات ضد الفلسطينيين، أساسها كان إدخال مواد متفجرة، أدخلتها قواتنا الى المعسكرات، والمنشآت، وسيارات الفلسطينيين في جنوب لبنان. وكل العمليات تمت بإذن رئيس الأركان، وزير الدفاع، عيزر وايزمان، وبعده اريك شارون الذي خلفه في المنصب. عيزر ورافول على حد سواء أشارا علي في حينه ألا أبلغ عن العمليات في لبنان: قبلت حكمهما، ولم ابلغ رئيس الوزراء، ولم اطلب منه الإذن. وأبقيت واجب التبليغ للجيش الإسرائيلي ولوزير الدفاع. من أواخر 1980 وحتى أيار – حزيران 1981 لم يعرف رئيس الوزراء وحكومته شيئا عن طبيعة الأعمال التي تمت بتوجيهنا».
في نهاية الأمر، شعر ايتان بأنه ملزم بأن «يبيض» هذه الأعمال مع رئيس الوزراء، واتخذ تكتيكا ألمعيا: أقنع بيغن بوجوب وجود قوة جديدة في لبنان: فأذِن بيغن. ولم يعرف بأن هذه القوة باتت نشطة هناك منذ زمن بعيد. وكتب ايتان يقول: «عندها فقط، في صيف 1981، أبلغت بيغن عن العمليات التي سبق أن نفذناها، والتي كانت حتى ذلك الوقت غير معروفة وغير مأذون بها».
أمل شارون بأن توقف سلسلة العمليات الجديدة هذه عرفات عن مهاجمة إسرائيل التي سترد باجتياح لبنان. ويقول سنيه: «انت لا تتخيل كم كان شارون يائسا لخرق وقف النار».
ياسر عرفات الشكاك بالفعل لم يشترِ القصة. واتهم «الموساد» بأنه يقف خلف التفجيرات الغامضة. أخطأ عرفات. «الموساد» بالذات عارض بشدة أعمال بن غال وداغان. احد رجال الميدان في «الموساد» في تلك الفترة، والذي سيصبح لاحقا مسؤولا كبيرا في الجهاز قال: «بإسناد من شارون جرت أمور رهيبة. لستُ نباتياً، وأيدت جزءا من عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل، ولكن هنا كان الحديث يدور عن قتل جماعي لغرض القتل، زرع الفوضى والفزع حتى في أوساط المدنيين».
من المهم التشديد على أن داغان وبن غال نفيا بشدة بأن يكونا وجها في أي مرة عملياتهما ضد المدنيين. «كانت الأهداف دوما عسكرية»، قضى بن غال. أما داغان فأضاف: «استخدمنا العملاء، أي اللبنانيين»، لأنهم متوفرون والسبيل الأفضل لضرب الهدف. أنا مستعد لأذرف دموعا كثيرة على قبر لبناني قتل بتكليف منا. المهم ألا يقتل أي جندي من الجيش او مقاتل من (الموساد)». ولكن رجل «موساد» آخر كان في لبنان في تلك الفترة يقول، انه «حتى لو وضعنا شؤون (الموساد) جانبا، فإن المصلحة الإسرائيلية تضررت بشكل شديد. وقفت على مبنى عال في أطراف بيروت ورأيت من بعيد إحدى العبوات تتفجر وتخرب شارعا كاملا. لقد علمنا اللبنانيين كم هو ناجع استخدام العبوات الناسفة شديدة الانفجار. كل ما رأيناه بعد ذلك لدى (حزب الله) ينبع مما رأوه هم يحصل بعد أعمالنا. تلك الفترة كانت خللا جديا كبيرا».

تفجير السينما وولادة «أولمبيا»
رغم كثافة التفجيرات واشتباه عرفات بأن إسرائيل هي التي تقف خلفها، حرصت «م.ت.ف» على عدم خرق اتفاق وقف النار مباشرة. واعتقد شارون انه يوجد سبيل لإنهاء الهدنة. المس المباشر بعرفات نفسه وبمقربيه. وعندها بدأت تحاك خطة تصفية عرفات. وولدت عملية أولمبيا.
الصيغة الأولى لعملية التصفية لم تكن في الملعب بل في سينما. ففي كانون الأول 1981 كان عرفات سيجري حفلة عشاء لكبار رجالات المنظمة في دار سينما في شرق بيروت. وكانت الخطة تفجير مركبات متفجرة بجانب جدران السينما، فينهار المبنى على نزلائه. ولكن العملية أسقطت لاعتبارات تنفيذية مختلفة؟ وعندها بـدأت التخطيطات لعملية أولمبيا 2: التصفية المركزة لقيادة «م.ت.ف» في المدينة الرياضية في بيروت. وأشارت المعلومات الاستخبارية الى مهرجان كبير لقيادة «م.ت.ف» في الأول من كانون الثاني 1982، اليوم الذي تحتفل فيه المنظمة بالذكرى الثامنة عشرة لأول عملية لها. كانت هذه هي الفرصة التي انتظرها شارون.
في بطاقة نقلها رافي ايتان لافرايم سنيه في إحدى الجلسات قبل العملية «إذا نجحت هذه (أولمبيا) فستقع المسؤولية علينا مباشرة». ولم يكتب ذلك خوفا بل على أمل ان «من لا يموت من قادة (م.ت.ف) في تفجير الملعب سيعرفون على الفور ما ينبغي عمله، أي ان يهاجموا إسرائيل، ان يخرقوا الهدنة، وان يوفروا لشارون الذريعة لاجتياح لبنان» يقول سنيه.
كان تسفيكا بندوري في حينه رئيس وحدة تصفية الإرهاب في «الشاباك» – المخابرات ونائب رئيس القسم العربي في الجهاز: «ذات يوم جاء الي رافي ايتان وقال توجد خطة. داغان يخطط لتدمير الملعب الرياضي على رأس عرفات وقيادته. فقلت له يا رافي هل جننتم؟ يأتي الى هناك نساء وأطفال أيضا. فهل تريدون ان تقتلوهم كلهم أيضا؟». ولكن ايتان ادعى بأنه حسب معلوماته لن يكون هناك نساء وأطفال. حتى اليوم، ليس واضحا تماما كم عرف وفهم بيغن معنى أولمبيا. وأي سيناريوهات عرضت عليه. شيء واحد كان مؤكدا: العملية تقدمت بسرعة. في ليل 20 كانون الأول 1981 – قبل نحو أسبوع ونصف الأسبوع من الاحتفال، اقتحم ثلاثة عملاء شيعة الملعب. واسترقوا الخطى الى منصة الشخصيات المهمة. وخبؤوا تحت المقاعد عبوات شديدة الانفجار ارتبطت فيما بينها وتضمنت أيضا جهاز تشغيل عن بعد. وفي هذه الأثناء، في إسرائيل، أعدت السيارات المفخخة ووضعت جاهزة للدخول الى لبنان. كانت هناك شاحنة محملة بطن ونصف الطن من المواد المتفجرة، وسيارتا مرسيدس كل واحدة منهما كان فيها 250 كيلوغراما من المتفجرات. وجهزت السيارتان بأجهزة تشغيل عن بعد.
وبشكل من الأشكال، سمع رئيس شعبة الاستخبارات سغي، وهو الحذر والمعتدل كما كان دوما، عن الخطة فغضب. هذه المرة لم تعد هذه عملية صغيرة وهامشية. سارع سغي ليبلغ مردخاي تسيبوري، الذي اصبح في حينه وزير الاتصالات، واصبح احد المنتقدين الأشد لشارون في «الليكود». وأضاف رئيس شعبة الاستخبارات لتقريره تحذيرا: يحتمل أن يكون على منصة الشرف عدة دبلوماسيين أجانب. وحذر من أنه إذا أصيبوا فإن العالم لن يسكت. فقرر تسيبوري أن يرفع هذه المعلومة الساخنة الى قائده السابق في «الأرغون» بيغن. قال تسيبوري، «مسألة الدبلوماسيين كانت خطيرة بحد ذاتها. ولكن الأخطر بكثير هو انهم ينفذون عمليات كهذه دون إذن الحكومة».
في المساء قبل الانفجار، أمر بيغن شارون بأن يأتي إليه فورا. طلب شارون أن يأتي رافول وداغان هما أيضا الى الجلسة الدراماتيكية. ويستعيد داغان الذكرى فيقول، «فجأة سمع شارون يأمرنا بأن نأتي الى رئيس الوزراء كي نعرض عليه الخطة ونتلقى الإذن النهائي بالعمل. ويعلن رافول، إنه حفاظا على السرية، سيأتي الى قيادة المنطقة الشمالية كي يأخذني بنفسه الى بيغن في الطائرة.
يتأوه داغان وهو يتذكر هذه الرحلة الجوية. لماذا؟ هذا هو المكان لوقفة قصيرة لوصف ما الذي جعل الجيش الإسرائيلي أسطورة: أفعال رافول في الجو. إذن هكذا: كان لرئيس الأركان رخصة طيار عسكري لقيادة طائرات خفيفة. ولكن كل من صعد معه الى طائرة ذات مرة حاول الإفلات من المرة التالية: وتذكر أحد المسافرين فقال: «كانت هذه مخاطرة حقيقية على الحياة». ذات مرة كما يروي بعضهم كان رافول يصعد الى الطائرة ليطير على طول الشاطئ مجهزاً بأكياس من الماء والملح كان يسقطها من الجو على من يختلون ببعضهم هناك. هكذا فقط. ويتذكر بن غال نفسه رحلة جوية أخرى مع رافول: فجأة رأى رافول سفينة في البحر فصرخ هذه هي سفينة «مخربين». تعال ننزل عليها». وانحرف عن خط الشاطئ باتجاه السفينة التي تبينت أنها من الأسطول السادس. لم يمنع هذا ايتان من ان يطير بارتفاع منخفض فوق السفينة الى ان ثارت أعصاب الناس هناك، وبدؤوا يطلقون علي بأجهزة إطفاء النار.
«استجديته، قلت له يا رافول، لو سمحت، دعهم. فهم لا يرون شيئا وقد نتحطم. أما هو فكان يضحك مسرورا». نجح ايتان في أن ينزل الرجلين في مطار سدي دوف، واجبر بن غال على أن يكذب بشأن مصدر المادة الغريبة التي أصابت الطائرة.

الشيعة فعلوا ذلك!
وبالعودة الى أولمبيا، في ذاك اليوم أيضا أخذ ايتان طائرة «سسنا» تابعة لسلاح الجو وطار بها مع داغان الى القدس. وكان الجو ماطرا جدا. وروى داغان مبتسما: «منذ زمن لم اخف مثلما خفت في تلك الرحلة الجوية الى القدس إذا كان ممكنا ان نسمي هذه على الإطلاق رحلة جوية». ولكنهما وصلا بسلام، ونقلا بالسيارة الى بيت بيغن في القدس حيث كان بانتظارهما وزير الدفاع شارون، ورئيس شعبة الاستخبارات، سغي، ورافي ايتان ووزير الاتصالات تسيبوري. «من نظرات الجميع فهمت بأننا في مشكلة جدية مع الإذن بالعملية»، يتذكر داغان. كان بيغن مريضا ويستلقي في سريره. واجتمعنا جميعا بصمت حوله في الغرفة.
طلب بيغن تفاصيل. شرح داغان بأن الشيعة هم الذين أدخلوا المواد المتفجرة. «لا احتمال في أن ينجو عرفات. أيادينا غير متسخة. الشيعة هم الذين فعلوا ذلك، أمور داخلية بينهم. نحن لسنا في القصة».
ومن خلف نظاراته السميكة نظر بيغن الى داغان وسأله بنبرة تأكيد: «يقولون لي بأنه يحتمل أن يتواجد هناك دبلوماسيون على المنصة».
ويروي لي داغان فيقول: «فهمت على الفور ما حصل. فهمت بأن أحداً ما أطلع بيغن على النقطة الأكثر حساسية؛ كي يلغي العملية. اعتقدت انه يجب ان تنفذ لأنها السبيل الوحيد لنوفر علينا جميعنا، وليس فقط إسرائيل، ضحايا ودما وجهدا ومقدرات كثيرة».
«هذا حقا غير صحيح يا رئيس الوزراء»، حاول داغان النفي. «احتمالات ان يكون هناك دبلوماسيون طفيفة جدا».
توجه بيغن الى اللواء يهوشع سغي وقال له، «يا رئيس الشعبة ماذا تقول؟».
فقال سغي، انه يتوقع أن يكون هناك دبلوماسيون. «إذا حصل لهم شيء فسندخل في أزمة خطيرة جدا مع العالم».
ويقول سغي لاحقا، «مهمتي ليست عسكرية، بل سياسية أيضا. قلت لبيغن انه لا يمكن قتل ملعب كامل. كل العالم سيكون ضدنا. لا يهم أننا لن نأخذ المسؤولية، فالكل سيعرف من خلف هذا العمل».
وحاول داغان، وايتان، وشارون إقناع بيغن بأن هذه فرصة ذهبية لن تتكرر، ولكن بيغن تعاطى بجدية مع خطر الصدام مع دول أجنبية. وحسب ايتان قال بيغن، «اعتقد أنه يجب قتل ياسر عرفات ولكن بدون قتل أبرياء».
وبعد ذلك قرر إلغاء أولمبيا.

عرفات ورجاله فوق المتفجرات
بعد بضع ساعات جلس ياسر عرفات ورجاله على منصة الشرف في الملعب دون أن يخمنوا انه في محيطهم وتحت مقاعدهم توجد عبوات ناسفة لا يوجد إذن لتشغيلها.
في محادثاتي معه، قبل وفاته بقليل، كان داغان مقتنعاً بأن هذا كان خطأ مطلقا؛ أي إلغاء «أولمبيا». وقال: «في النهاية تبين أنني كنت محقا ولم يكن هناك أي سفير، ولا حتى نساء وأطفال. ولكن رئيس الوزراء يقول ألغوا فنلغي. كانت قصة معقدة جدا ان نخرج من هناك المواد المتفجرة بعد ذلك».
في نظر بعض المشاركين في هذه العملية، كان الإلغاء أجل نصف سنة نشوب حرب لبنان. فشارون، بزعم بعضهم، بحث عن سبب ما لاجتياح لبنان وضرب «الإرهاب» الفلسطيني. ووجد الذريعة في حزيران: ردّاً على محاولة اغتيال سفير إسرائيل في بريطانيا، شلومو ارغوف، قصفت إسرائيل بيروت، فرد الفلسطينيون بالكاتيوشا، فدخل الجيش الإسرائيلي الى لبنان.
هل كان يمكن لعملية أولمبيا ان تغير كل هذا؟ حتى يوم وفاته، آمن داغان بأنه نعم. فقد قال، «لو أذنوا لنا وأخرجت قيادة (م.ت.ف) من اللعبة في ذاك اليوم، لوفرت علينا جميعنا حرب لبنان بعد نصف سنة من ذلك، وعدداً آخر من المشاكل التي لا تحصى أيضا».

عن «يديعوت»