"الـــــغـــابـــــــة" فــــــي داخــلـــنـــا

رونين برغمان
حجم الخط

بقلم: رونين بيرغمان
أعلنت الشرطة، أمس، انها ستفحص من هم المشاركون في عملية الفتك التي نفذت بحق هبتوم زرهوم في بئر السبع، ولكنها لن تحقق معهم على القتل المتعمد أو غير المتعمد. لماذا؟ تدعي الشرطة بأنه حسب المعلومات التي لديها فقد كان زرهوم قد مات حين تلقى الضربات (من النار التي سبقت ذلك)، وعليه فانها ستبذل في اقصى الاحوال جهدا ما كي توضح بانه لا يمكن اخذ القانون في اليدين.
غير أن أفلام «السناب» (اللقطات العاجلة) الفظيعة التي وثقت الحدث تظهر شيئا آخر تماما. لا يمكن على أي حال أن نعرف كيف وممَ مات زرهوم الا بعد التشريح الجنائي، هذا اذا ما اجري له. الشرطة ببساطة تجعل لنفسها الحياة سهلة ولا تريد ان تلمس البطاطا المتلظية.
في الشرطة وفي النيابة العامة يعرفون ان الحديث يدور في الحد الادنى عن الاشتباه بالقتل المتعمد، ان لم يكن هذا قتلا متعمدا حقا. فقد استلقى زرهوم على الارضية، جريحا. لم يشكل خطرا على أحد. ما كان يمكن ولا يمكن أن يكون أي تبرير للمس به. حتى لو كان عربيا ما كان يمكن أن يكون لهذا أي تبرير. وحتى لو كان الطاعن أو مطلق النار، فلا يزال يدور الحديث عن قتل متعمد.
عندما يدور الحديث عن طمس الحقيقة في فعلة قتل متعمد، فان الشرطة تقف على ارض تاريخية مستقرة، فجهاز القانون في اسرائيل فعل هذا المرة تلو الاخرى على مدى السنين. في 1955 قتل مئير هارتسيون، المقاتل في وحدة 101، وثلاثة من رفاقه، أربعة بدو أبرياء في صحراء يهودا في عملية ثأر أعمى على قتل شقيقة هارتسيون. وعبثا طلب رئيس الوزراء في حينه موشيه شريت ووزير العدل بنحاس روزين تقديمهم الى المحاكمة. فوزير الدفاع دافيد بن غوريون ورئيس الاركان موشيه دايان احبطا هذا الجهد بنجاح.
كتب شريت في مذكراته بيأس: «عجبت من جوهر مصير هذا الشعب، القادر على حساسية روح بهذه الرقة، على محبة عميقة كهذه للناس، لتطلع صادق للنبل وللكياسة، ومع هذا يخرج من صفوف افضل فتيانه شباب قادرن على قتل النفس بعقل سليم ودم بارد من خلال غرس السكاكين في أجساد بدو شباب لا حماية لهم. فأي من الروحين اللتين تتراكضان بين صفحات التوراة ستنتصر على خصمها؟».
لقد خلف شريت مذكرات تمس شغاف القلب، ولكن التراث صممه آخرون. منفذو المذبحة في كفر قاسم قدموا الى المحاكمة ولكنهم نالوا العفو من الرئيس بعد سنة. قضايا قتل الاسرى من حملة السوس والايام الستة لم يحقق فيها. وعفا رئيس الاركان رفائيل ايتان عن ذابحي الاسرى من رجال «م.ت.ف» في حملة الليطاني. قضايا قتل أسرى اخرى في ذات الحملة لم يحقق فيها ابدا. الرئيس حاييم هرتسوغ، ابو رئيس المعارضة الذي يسكت كالسمكة، عفا عن رجال التنظيم السري اليهودي.
ولدت عملية الفتك في بئر السبع على خلفية اجواء انعدام الوسيلة – فالمهاجمون يأتون من اللامكان، بلا «بنى تحتية ارهابية» وبلا مرسلين يمكن قصفهم واحباطهم. ثمة القليل جدا مما يمكن عمله ضدهم. في عصف الخواطر ولدت تصريحات السياسيين ومحللي اليمين بان «العربي مع السكين لا يجب أن يخرج حيا» من ساحة الحدث، وكأنه لم يثبت المرة تلو الاخرى بان هذا لن يقنع المهاجم التالي.
لقد وقف هذا الفهم ايضا امام ناظر رئيس المخابرات ابراهام شالوم عندما أمر بتحطيم رأسي المخربين اللذين تبقيا على قيد الحياة في قضية خط 300. القضية اياها التي انفجرت بصخب كبير، ولاسيما بسبب مصادفة ملابسات، مع أنها خلفت ظلا ثقيلا على الجهاز ورئيسه ولكن فقط بسبب محاولات طمس الحقيقة – المؤامرة لاسقاط الملف على رئيس الوزراء شامير، ووزير الدفاع آرنس وضابط سلاح المشاة اسحق مردخاي. ورغبة المستشار القانوني للحكومة اسحق زمير في التحقيق في الجريمة اصطدمت بسور العفو من الرئيس هرتسوغ.
توثق الاشرطة غير الخاضعة للرقابة التي تدور في الفيسبوك والواتس أب حالات عديدة اخرى من اعمال الفتك. في واحدة منها يستلقي فتى على وجهه واثنان يركبان عليه، فيما أن كل المتبقين يخبطون به من كل الجوانب بايديهم، باقدامهم وبالقضبان التي وجدوها في المنطقة. وهؤلاء ايضا احد لن يحقق معهم.
عندما تقول القيادة العليا للشرطة ان «من يطعن يهودا حكمه ان يقتل»، والقائم باعمال المفتش العام للشرطة يبرر المس بالمخربة اسراء زيدان في العفولة حين كان واضحا انها لم تعد تشكل خطرا، فانهم يشجعون رجالهم والمواطنين على اخذ القانون لانفسهم واعادة صياغة القوانين. الغابة لا تظهر من نافذة الفيللا. هي في داخلنا، نحن الساكنين فيها.

عن «يديعوت أحرونوت»