يَأتي اليوم العالميُّ لِلتضامُنِ مع الشعبِ الفلسطينيِ، مع استِمرارِ التحوُّلِ الجِذريِ والتَّغييرِ في علاقاتِ الدولِ العربيةِ مع الاحتلالِ " الإسرائيليِ " بما أصبحَ يُسَمى اليوم " التطبيع "، في مُحاولةٍ لإِيجادِ واقِعٍ جديدٍ يُؤيِدُ ويُدعمُ وُجود الاحتِلالِ على الأراضِي الفلسطينيةِ، هذا التحوُّلُ لهُ آثَارٌ ثقافيةٌ وفِكريةٌ وإِيدلوجِيةٌ بالغةُ الخُطورةِ على النظامِ العربيِ، بل قد تضرِبُ فكرةَ العُروبةِ في الصميمِ، ومن ثُم تُفضي إلى تهميشِها تمامًا.
اليومَ العالميُّ لِلتضامُنِ مع الشعبِ الفلسطينيِ، هو مُناسبةٌ تبنتهَا الأُممُ المُتحِدةُ في 29 نُوفمبِرَ 1977م، وتدُورُ فعالياتُها في مقرِ المُنظمةِ الدوليةِ في نيُويُورك كما في مكاتِبِها في جِنِيف وفييِنا ، ويتِمُّ إحياءُ اليومِ في 29 نُوفمبِرَ من كُلِّ عامٍ لِلتذكِيرِ بِالقرَارِ 181 الخاصِ بفلسطِينَ ، والذِي جرى اتِخاذُهُ في نفسِ التاريخِ من العامِ 1947 م ، ويقضي بِتقسيمِ فلسطينَ إلى دولتينِ ، عربيةٍ و " يهوديةٍ " ، وعمِلَت " الحركةُ الصهيونيةُ " مُنذُ نشأتِهَا على تشريدِ الفلسطِينِيِينَ لإِقامةِ الدولةِ " اليهوديةِ " والاستِفرادِ بِالشعبِ الفلسطينيِ ضِمنَ مَشروعِ تصفيةِ القضيةِ الفلسطينيةِ من خِلالِ الضَغطِ على الشعبِ الفلسطينيِ والعربيِ وإِجبارِهِ على الرُّضوخِ والِاستِسلامِ.
إِن ما يحدُثُ الآنَ يُشكِلُ خُرُوجًا عن السياسةِ المُتبَعَةِ سَابِقًا وعن القانونِ ومبادِئِ حُقوقِ الإنسانِ والحُقوقِ الغيرِ القابِلَةِ لِلتصرُّفِ، حيثُ يتمُّ التعاوُنُ والِانفِتاحُ والتطبيعُ مع دولةٍ تُمارِسُ الِاضطِهادَ والِاستِغلالَ والقَهرَ لِشَعبٍ آخَرَ، وَشَكَّلَ أكبَرُ طَعنَةٍ لِلشعبِ الفلسطينيِ خاصَّةً بعد إِسقاطِهِم شَرطَ " الأَرضِ مُقابِلَ السلامِ " الذي طُرِحَ في العُقودِ السابِقَةِ ، ليُحَلَ مَكانَهُ " السلامُ مُقابِلَ السلامِ "، حيثُ أصبحَ الناظِمُ المَأخوذُ بهِ هو مصالِحَ وتحالُفاتٌ أمنيةٌ واقتِصاديةٌ وَلَيسَت قَوْميَّةً.
ويُعدُّ هذا التحَوُّلُ في العلاقاتِ بين الجَانِبَينِ العربيِ و"الإسرائيليِ" من أخطرِ التحوُّلاتِ والتحَدياتِ التي تواجِهُ الشعبَ الفلسطينيَ ، لِذلكَ يجِبُ ألا تكونَ عمليةُ التضامُنِ مع الشَعبِ الفلسطينيِ مُناسِبَةً لِلخِطَابَاتِ الرَنّانَةِ والشِعاراتِ اللامِعةِ ، وقِراءَةِ القَصائِدِ المُؤَثِرةِ أو عرضِ موادَ مقرُوءَةٍ أو مسموعَةٍ أو مرْئيَّةٍ ، فالتضامُنُ الحقيقيُّ هو العملُ على خلقِ خارِطَةِ طَريقٍ ناجِعَةٍ تَصِلُ إِلى تَحقيقِ حَلٍّ نِهائيٍّ يوَفِرُ لِلشعبِ الفلسطينيِ فُرصَةً لِلعَيشِ الكَريمِ في أرَضَهٍ وبِسيادَتِهِ.
إِن يوم التضامُنِ ، هو يومُ تَذكيرِ العالَمِ بِضَرُورَةِ تَوفيرِ الحِمايَةِ لِلشعبِ الفلسطينيِ، ووَضعِ خُطَّةٍ مُحكَمَةٍ لِلِاستِقلالِ والحُريةِ ، ولكِن في المُقَابِلِ فإن القيادةَ الفلسطينيةَ مُطالَبةً أيضًا بِتَحَمُّلِ مَسؤُولِياتِهَا بِحِمَايَةِ حُقوقِ أَبنَائِهَا من الشعبِ الفلسطينيِ، وَتَوفيرِ لُقمَةِ العَيشِ والكرامَةِ في الحياةِ لِغايةِ تَحقيقِ الِاستِقلالِ ،وضَرورَةِ العملِ الفَوريِ والسّريعِ دُونَ مُماطلَةٍ وتَأخيرٍ لإنجَازِ الوَحدَةِ الوَطَنيةِ وإِنهاءِ الِانقِسامِ والذهابِ لِلانْتِخاباتٍ التي تَوحُّدُ الكُلُّ الفلسطينيُّ في مواجَهاتِ التَحَدّياتِ والمُخَطَّطاتِ والِاعتِداءاتِ " الإِسرائيليةِ " والأمريكيةِ .
إن أبسطَ أشكالِ التضامُنِ التي يَطلُبُهَا الشعبُ الفلسطينيُّ من الدولِ العربيةِ، خاصَّةً الخَليجيَّةَ، في هذه الظُّروفِ المَصِيرِيَّةِ هو " أن تتوقَفَ حُكوماتُها عن الهَروَلَةِ نحو "التطبيعِ" المَجّانيِّ مع دولةِ الاحتلالِ على حِسابِ حُقوقِ الشعبِ الفلسطينيِ، وأن تحتَرِمَ في الحدِّ الأدنى ما يُسَمَّى مُبادِرَة " السلامِ العربيةِ "، التي تَوَافَقَت عَلَيهَا الدولُ العربيةُ في قِمَةِ بَيروتَ عام 2002 م، فالتطبيعُ مع " إسرائيلَ " طَعنَةٌ في الظهرِ وَخيانَةٌ لِلأُمةِ وخِدمَةٌ مَجّانيَّةٌ لهُ.
التضامُنُ بِصورِهِ وأشكالِهِ المُختَلِفَةِ مُهِمٌّ وَمُؤَثِّرٌ ، ودَعمِ الشُّعوبِ العربيةِ وقواها المُجتَمَعِيةِ لِلقضيةِ الفلسطينيةِ هو الذِي يُنَمّي النِّضالَ الوَطَنيَّ بِعَناصِرِ الإِرادَةِ والقوَّةِ وَمواجَهَةِ المُحتَلِّ ، وَيُعَمِّقُ الثِّقَةَ بِالقُدرَةِ عَلَى الِانتِصارِ على مَشروعِهِ الصَّهيونيِّ ، وَإِفشالِ مُخَطَّطاتِ التَّحالُفِ الأَمريكيِ " اَلْإِسْرائيليِ "، وَتَقريرِ المَصيرِ والعَودَةِ ، والِاستِقلالِ ، والحُرّيَّةِ والسّيادَةِ وَدَحرِ الِاحتِلالِ وَتَفكيكِ الِاستيطانِ وَإِفشالِ مَشاريعِ الضَّمِّ والتَّهويدِ ، يَجِبُ أَن تَنتَهيَ هَذِهِ المَآسي وَأَن يَعيشَ شَعبُنا حُرًّا كَرِيمًا فِي دَوْلَتِهِ اَلفِلَسْطينيَّةِ المُستَقِلَّةِ وَعَاصِمَتُهَا القُدسُ .
سَتَبقَى مَواقِفُ القيادَةِ السياسيةِ والحُكومَةِ والفَصائِلُ والشعبُ الفلسطينيِ ثابِتَةً مهما تَغَيُّرَت المَواقِفُ الرسميةُ لِلدُولِ العربية، وَقادِرينَ على مواجَهَةِ وَتَحَدّي الإِجراءاتِ "الإسرائيليةِ" ، وأيضًا سَتُبقِي الشُّعوبُ العربيةُ مُناهِضَةً لِـ " التطبيعِ " ، وَتَأبَى أن تَضيعَ القضيةُ الفلسطينيةُ والتَّنَصُّلُ منها ، وتعمَلُ عَلَى إِحيائِها ضِمنَ الفَعاليّاتِ الرّافِضَةِ لِقَمعِ الأَنظِمَةِ الحاكِمَةِ ، وَاَلمُنَدِّدَةِ بِاستِبدادِها وَتَبَعيَّتِها لِلخَارِجِ وَتَناغُمِها مَعَ الاحتلال " الإسرائيليِ".
لِذَا عَلَيْنَا جَمِيعًا أَلّا نَنسَى أَنَّ " إِسرائيلَ " كَانَت وَمَا تَزَالُ هِيَ العَدوُّ، وَسَتَبْقَى كَذَلِكَ دَومًا، وعلى الشُّعوبِ العَرَبيةِ مُقاوَمَةُ "التطبيعِ" معهَا، والحَيلولَةُ دُونَ تَغَلغُلِها فِي نَسيجِ مُجتَمَعَاتِنَا، علَينَا ألا نَتَنازَلُ عن حَقِّنا فِي الثَّباتِ والبَقاءِ والصُّمودِ فِي هذه الارضِ المُقَدَّسَةِ.