استكمال لحلم صهيوني كانت بدايته في العام 1914

البناء في «جفعات همتوس»: نتنياهو يقضي على التواصل الفلسطيني بين الشمال والجنوب

حجم الخط

بقلم: شاؤول ارئيلي



أكمل نشر العطاء لبناء 1257 وحدة سكنية في حي «جفعات همتوس»، التي تقع جنوب القدس، عملية كانت بدايتها في العام 2007، عندما بدأت بلدية القدس في تنفيذ خطة لإخلاء موقع الكرفانات الذي اقيم هناك للمهاجرين الجدد في التسعينيات، وبناء حي يحوي 2610 وحدات سكنية. الحقيقة التاريخية هي أن بناء الحي سيكمل عملياً خطة عمرها 53 سنة لحكومة إسرائيل، هي ايضا ليست سوى تطوير لخطة عمرها 107 سنوات للحركة الصهيونية، لضمان السيطرة على القدس وضمان أمنها من خلال السيطرة على سلسلة الجبال في مناطق تقع حول المدينة.
حلم رؤساء الحركة الصهيونية في بداية القرن العشرين بهجرة ملايين اليهود الى البلاد، لكنهم استطاعوا تبني سياسة فعلية للاستيطان. السيطرة الديمغرافية والجغرافية الكاملة على المدن اليهودية وفي «السامرة» جعلت رؤساء الصهيونية يكتفون بتعزيز مدينة القدس التي حظيت باغلبية يهودية منذ العام 1870 وخلق كتل دفاعية حولها. في العام 1914 دعا منشور، قام بنشره مناحيم اوشسكين بعنوان «من أجل تنظيم القدس»، إلى احاطة المدينة ببلدات عبرية. في أعقابه تم انشاء الكتلة الشمالية - «عطروت ونفيه يعقوب»، في العام 1919، وفي 1927 بدأت المحاولة الاولى لبناء الكتلة الجنوبية – «غوش عتصيون»، عند انشاء مستوطنة «مغدال عيدر». هدفت هذه الكتل الى كسر التواصل الفلسطيني من الخليل وحتى نابلس. هذه الكتل، «عطروت وغوش عتصيون»، سقطت في «حرب الاستقلال»، وفي اتفاقيات الهدنة التي تم التوقيع عليها في العام 1949 اكتفت إسرائيل بالسيطرة على غربي القدس، الذي تم تحديده كعاصمة لها، وكان محاطاً بالاراضي الأردنية من ثلاث جهات.
أعاد احتلال الضفة الغربية في العام 1967 إحياء هذه الخطة. أطلق رئيس الحكومة، ليفي اشكول، هو ورئيس البلدية، تيدي كوليك، خطة بناء يهودية في شرقي القدس. في المرحلة الاولى، في الاعوام 1967 – 1972، تم ربط جيب جبل المشارف مع غرب القدس بتواصل جغرافي شمل ستة أحياء جديدة. وفي المرحلة الثانية ارادوا احاطة القدس العربية بدائرة يهودية حضرية وفصلها عن رام الله وبيت لحم. من أجل ذلك تم بناء الأحياء الشمالية «رموت الون ونفيه يعقوب وبسغات زئيف» ومؤخرا «رمات شلومو»، وفي الجنوب بنوا حي «غيلو».
بعد اقل من عقد، أراد كل من رئيس الحكومة، اسحق رابين، ووزير الدفاع، شمعون بيريس، اقامة مناطق فاصلة حول القدس من جديد، وكتبا «الحكومة تبنت سياسة أمنية معينة، أين يمكن التوطين... في منطقة القدس وفي منطقة (غوش عتصيون)». (رابين، «مذكرات الخدمة»)؛ و»تحصين القدس وجبالها... عن طريق اقامة مدن وضواحٍ ومستوطنات – (معاليه ادوميم وعوفرا وغيلو وبيت ايل وجفعون)، (بيريس، «الآن غدا»). أعيدت اقامة «غوش عتصيون» من جديد واتسعت بـ 35 ضعفاً على اراض ضمن ولايته القانونية، من اجل فصل الخليل عن بيت لحم والقدس بوساطة عدد من المستوطنات – من «بيتار عيليت» وحتى الخط الاخضر، مروراً بـ»افرات» التي تطل على شارع 60 الرئيسي وحتى تقوع التي تقع في صحراء «يهودا». رام الله تم فصلها عن القدس بوساطة عدد من المستوطنات، من «بيت حورون» غرب خط تجمع المياه مروراً بـ»جفعات زئيف» وحتى «كوخاف يعقوب» و»بسغوت» و»عوفرا» و»بيت ايل» شرق خط تجمع المياه.
الموافقة على قرارات الأمم المتحدة 181 و242 و338 من قبل الفلسطينيين في 1988 والاعتراف بدولة إسرائيل في 1993 دفعت بيريس ورابين الى التوقيع على اتفاقات اوسلو التي تعهد فيها، مثل الفلسطينيين، بالامتناع حتى الاتفاق الدائم عن القيام بخطوات احادية الجانب، يمكن أن تغير مكانة الضفة وقطاع غزة. بنيامين نتنياهو، الذي تم انتخابه رئيسا للحكومة في 1996، اختار تجاهل التطورات السياسية وتعهدات إسرائيل.
في العام 1997، في ولاية نتنياهو الاولى، قرر بناء حي جبل أبو غنيم الذي امتنع رابين عن إقامته. وأضاف هذا الحي لبنة اخرى في السعي لخلق فاصل حضري يهودي بين بيت لحم والقدس. وبعد 23 سنة يريد نتنياهو استكمال الخلية الأخيرة في هذا الاسفين عن طريق اغلاق الحيز المفتوح الذي يقع بين كيبوتس «رمات رحيل» وجبل ابو غنيم في الشرق، وحي «غيلو» في الغرب، عبر اقامة حي في «جفعات همتوس».
تتساوق هذه العملية جيدا مع موقف إسرائيل الذي تم طرحه في كامب ديفيد وفي طابا وفي انابوليس بالنسبة لتقسيم القدس، والذي شمل منطقة «جفعات همتوس» داخل حدود إسرائيل، رغم أن ايهود باراك وايهود اولمرت وارئيل شارون امتنعوا عن اقامة هذا الحي. الفلسطينيون، الذين وافقوا على أن يتم ضم جميع الاحياء اليهودية خلف الخط الاخضر لإسرائيل، عارضوا ضم جبل ابو غنيم بذريعة أن هذا الامر يشكل خرقاً للالتزامات التي تم الاتفاق عليها، وأن هذا سيفصل بيت لحم عن شرقي القدس. إضافة الى ذلك، صمم الفلسطينيون على أن تنتقل قرية بيت صفافا الفلسطينية التي تقع في جنوب القدس الى سيادتهم حسب المبدأ الديمغرافي لتقسيم الاحياء في شرقي القدس، الذي اقترحه الرئيس الأميركي بيل كلينتون في كانون الاول 2000 وتم قبوله من قبل الطرفين. اساس الانتقاد الدولي الذي يسمع، الآن، حول بناء «جفعات همتوس» يستند الى الادعاء الفلسطيني، ويعتبر اقامة الحي خطوة تخرق اتفاقات اوسلو، وتمس امكانية تطبيق حل الدولتين.
ولكن أفعال حكومة نتنياهو في فضاء القدس لا تقتصر على بناء حي «جفعات همتوس». فهي تستمر في خطط لبناء مجمع سياحي ضخم على طول طريق الخليل، وبناء حي «مبسيرت ادوميم» (إي 1) الذي يقع قرب «معاليه ادوميم» والذي يقطع شرقي القدس عن الشرق، وبناء حي «هار عيتام في افرات» (إي2) الذي يفصل بيت لحم عن منطقة الجنوب.
فعليا، عند استكمال هذه الخطوات سيكون هناك ثلاثة خيارات امام القادة في إسرائيل والقادة الفلسطينيين الذين سيكونون معنيين باستئناف المفاوضات. الخيار الاول، غير المعقول في المستقبل المنظور، هو أنه في ظروف معينة ستتنازل إسرائيل عن هذه الاحياء لصالح الفلسطينيين. هذه الخطوة تعني أن المليارات ستذهب هباء وعشرات آلاف الإسرائيليين سيكون عليهم نقل مكان سكنهم الى داخل إسرائيل. الخيار الثاني، الاكثر معقولية، هو أنه من اجل مقابل كبير في مجالات اخرى، سيوافق الفلسطينيون على موقف إسرائيل وسيتنازلون عن هذه الاحياء وعن بيت صفافا، وسيضطرون الى بناء شبكة طرق باهظة الثمن ومعقدة تربط بين بيت لحم والقدس، شرق أبو غنيم. الخيار الثالث، الاكثر معقولية حسب رأيي، هو أن هذه الخطوة ستضاف الى خطوات اخرى تقوم بها إسرائيل في السنوات الاخيرة من اجل إلغاء الفصل المادي الذي ما زال قائماً بين الاحياء اليهودية والاحياء العربية، ويجبر إسرائيل على قبول البديل الفلسطيني، مدينة واحدة مع بلديتين. تجربة التاريخ تعلّم بأن تنفيذ هذا الخيار سيتحول الى بذرة لـ»أعمال الشغب» القادمة بين الطرفين بسبب الجوانب الامنية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة في نموذج كهذا لادارة المدينة.
نتنياهو، مثل حمار المسيح ومثل من هو مستعد من اجل بقائه الشخصي لدفع أي ثمن (أي أن يدفع المجتمع في إسرائيل أي ثمن)، يجسد الهذيان المسيحي القومي المتطرف لـ»غوش ايمونيم» على مر أجيالها. هذيان الذين لا يميزون الحدود بين الممكن والمسيحاني، بين الاخلاقي والجشع والقمع، بين القانوني وغير القانوني. هم يدفعون إسرائيل الى تجاوز هذه الحدود من أجل تحقيق الوهم المسيحاني مثلما وصفه حنان بورات (في مقدمة كتاب حاجي هوبرمان بعنوان «ضد كل الاحتمالات»): «ليس تجميع الشتات أو قيام الدولة وأمنها سوى مداميك اولى. أمامنا الكثير من الاهداف المهمة التي هي جزء لا يتجزأ من الصهيونية، وعلى رأسها اقامة ملكة كهنة وأمم قدّيسين، واقامة مملكة بيت داود وبناء الهيكل – كنقطة انطلاق لإصلاح عالم في مملكة الشيطان».

عن «هآرتس»