حاليا، كله حكي

حجم الخط

اسرائيل اليوم – بقلم أريئيل كهانا

الكثير من الهدايا تزين مكتب رئيس الموساد يوسي كوهن. فقد مُنحت له إثر عمليات تقشعر لها الأبدان، تعاونات الصمت فيها جميل ولقاءات خفية في عواصم لا تعترف باسرائيل. ثمة هناك ضمن امور  اخرى سيف جميل، علبة مزينة مع السيجار من افخر الانواع في العالم، عنصر واضح جدا من الارشيف النووي الايراني وغيرها.

       تكشف الهدايا الواقع الذي يكتشفه مواطنو اسرائيل منذ الصيف الاخير.  فمنذ بضع  سنوات فانه في عالم رئيس الموساد اسرائيل ليست دولة صغيرة يهددا بحر من العرب الغريب والمعادي. وعلى النقيض التام مما درجنا عليه، من مكتبه ومن مكتب زعيمه، رئيس الوزراء نتنياهو فان اسرائيل هي قوة عظمى اقليمية تتجمع حولها دول عربية كي يتصدوا معا لتحديات مشتركة. ومن اجل التجمع هناك حاجة الى اللقاء. وعندما يلتقون فانه اضافة الى الحديث عما ينبغي، يتبادلون الهدايا التذكارية.

       ابتداء من منتصف الاسبوع القادم، عندما ستنطلق الرحلات الجوية من مطار بن غوريون الى دبي مباشرة فان بيوت الاسرائيليين العاديين ستمتلىء باغراض من الامارات والبحرين. ليس هكذا من السعودية. فالقوة العظمى السنية الكبرى هي قصة اخرى. لكوهن ولنتنياهو على ما يبدو الكثير من الذكريات والهدايا التذكارية من المملكة الجنوبية، وليس فقط من اللقاء عقد هناك يوم الاحد، ولكنه سيمر وقت الى أن يجري باقي مواطني اسرائيل قفزة قصيرة الى الرياض.

       ان أهمية اللقاء بين نتنياهو ورجاله المقربين وبين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بمشاركة وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو لم تكن بمجرد انعقاده. فاللقاءات بين ممثلين اسرائيليين وبين نظرائهم السعوديين، بما في ذلك على مستوى رئيس الوزراء، تجرى منذ سنين. لقد كانت اهمية اللقاء في مجرد نشرها. كل  المؤشرات تدل على ان الطرفين ارادا تسريب القصة، فحتى اليوم لم يكن صعبا عليهما اخفاء المحادثات بينهما.

       رحلة جوية مباشرة، دون الاختباء

       “ليس هذا هو اللقاء الاول ولا الثاني ايضا لرئيس الوزراء مع ولي العهد السعودية. كانت حالات اختفى فيها نتنياهو لـ 24 ساعة ولو كان يريد ذلك لما كان احد انتبه”، قال “لاسرائيل الاسبوع” مستشار سابق لرئيس الوزراء نتنياهو. اما هذه المرة بالمقابل، فقد تكبد احد ما عناء أن يبقي في الميدان الكثير جدا من العلامات المشبوهة، وكأنه اراد فقط أن تكتشف.

       وجاء التلميح الاول قبل 24 ساعة من اللقاء. فالناطقة بلسان رئيس الوزراء شير كوهن عرفت في منتهى السبت بان جلسة كابينت الكورونا المقررة ليوم الاحد في الساعة الخامسة ستتأجل الى يوم الاثنين، كي يتمكن  الوزيران الكين ويزهار من اكمال عملهما في موضوع الوسائل الرقمية لتعقب  حاملي الكورونا، بما في ذلك الجوانب القانونية المتعلقة بالموضوع”.

       لقد كان هذا تعليل غريب جدا. إذ ان كل من يتابع الجدول الزمني لنتنياهو، معتاد على تأجيل الجلسات والتأخيرات عديمة التفسير. كما أن الوزيرين الكين وشاي لم يطلبا التأجيل ولم يحتاجا الى اي استكمالات. أما الاشارة الثانية والاستثنائية فكانت الكشف عن مسار الطيران من مطار بن غوريون مباشرة الى مدينة المستقبل السعوديون نيوم بعد خليج ايلات. وكل هاوٍ في الطيران في العالم يعرف مواقع الانترنت التي تتابع الطيران المدني. والمعني بالتنويه يمكنه أن يتخذ مناورات التملص. فقد كان ممكنا مثلا الهبوط لوقت قصير في شرم الشيخ،  مثلما جرى في الماضي غير مرة، وتوجد حيل اخرى.

       هنا قرر مع ذلك من قرر، الطيران مباشرة، في ساعات ما بعد الظهر، من اسرائيل الى السعودية، وكأنه يقول: “هيا اكشفوني”. الرقابة العسكرية، التي شطبت في الماضي انباء نقلت اليها عن لقاءات نتنياهو مع ولي العهد سمحت بالنشر. ولم يستخدم نتنياهو الادوات التي تحت تصرفه كي يبقي اللقاء في الشر. يمكن التقدير بانه فعل ذلك باذن وبصلاحيات شركائه في اللقاء ابن سلمان وبومبيو.

       بشكل طبيعي، من بين القادة الثلاثة الذين شاركوا في الحديث، فان ابن سلمان هو الاكثر حساسية تجاه الكشف. من جهة، ولي  العهد السعودي هو اللاعب الاساس والروح الحية خلف مسيرة التطبيع بين الدول العربية وبين اسرائيل. ولو لم يؤيد ذلك، لما كانت الامارات والبحرين ستعترف باسرائيل وهذه هي الرسائل التي سمعها منه رئيس الموساد في اللقاءات بينهما. من جهة اخرى يدير ابن سلمان المملكة العربية والتي هي الاهم ايضا، الاغنى، الاكثر تدينا والاكثر  انغلاقا وعليه أن يكون حذرا.

       ليس مثل اتحاد الامارات والبحرين اللتين قبل سنين اجتازتا سياقات الانفتاح على العالم الغربي، فان السعوديين بعيدون جدا خلفهما. في دبي يبنون مركزا عالميا متعدد الاديان يضم مسجدا، كنيسة وكنيسا فاخرة، متماثلة في حجمها وجمالها. اما في السعودية بالمقابل، فلا توجد جالية يهودية او كنيس. والى مكة والمدينة لا يدخل من ليسوا مسلمين – هكذا تبين اليافطات على الطرق، حتى دون خجل.

       ابن سلمان، ابن 35  فقط، يفهم انه يجب فتح مملكته للعالم. وهو يتصدر رؤيا السعودية 2030، والتي تتضمن تطوير فروع السياحة والاستثمارات الاجنبية، وهي سياقات حصلت منذ زمن بعيد في  الامارات وفي البحرين – انطلاقا من الفهم انه لا يمكن الى الابد الاعتماد على النفط. وكابن  الجيل التالي فان ابن سلمان يفهم بانه لن يكون ممكنا تسويق السعودية للعالم كمملكة استثمارات اجنبية، ومع ذلك  حظر السياقة على النساء ومواصلة المقاطعة لاسرائيل.

       مصلحة امنية مشتركة

       يعرف ابن سلمان بالضبط الى اين يسعى. ولكن اباه، الملك  سلمان، لا يزال حيا ونشطا وليس ناضجا لخطوات على هذا القدر من التطرف  الظاهر،  كالاعتراف باسرائيل. واذا كان هكذا الملك، فما بالك ذوي النفوذ الاخرين. اذن  صحيح ان هذه مملكة وليست ديمقراطية ولكن فيها ايضا توجد  توازنات، كوابح وقوى  متعارضة. ابن سلمان ليس حرا في السير حتى النهاية  دون حساب،  وموافقته على كشف اللقاء يوم الاحد كانت على ما يبدو بالون اختبار. 

       في الجانب السياسي  يبدو أننا وصلنا الى الحد الاقصى مع السعودية. ليس هكذا في الجانب الامني،  والذي  كرس له على ما يبدو قسم من اللقاء. مشاركة العميد آفي بلوط، السكرتير العسكري المقدر لنتنياهو، في  لقاء يدل على أنهم تحدثوا عن تهديدات وردود. كما أن هذه مواضيع حديث كوهن ورجاله، وضباط الجيش  الاسرائيلي منذ سنين مع السعوديين.

       من يهدد السعوديين يهدد اسرائيل ايضا، اي ايران. وتماما في ذات اليوم ضربت الميليشيات الايرانية مرة اخرى منشأة نفط هامة بصاروخ اطلق من اليمن. عن التهديدات وعن الرد عليها يتحدثون في هذه اللقاءات منذ سنين. العدوان الايراني هو بالطبع المحفز الاكبر الذي يدفع الدول العربية الى اذرع اسرائيل. 

       في  الشهر التالي  يخطط نتنياهو للخروج في  زيارة تاريخية الى البحرين والامارات. في السطر الاخير، ما حصل لسنوات مع الامارات من تحت الرادار، ومنذ اتفاقات ابراهيم يخرج الى النور، يجري الان مع السعوديين، ولكن علاقات اسرائيل – السعودية في هذه المرحلة على الاقل،  ستبقى  في  الظل.