بعد أن شعر أفراد فريق إدارة دونالد ترامب بأن فترة إدارة رئيسهم ستنتهي قريباً، سارعوا إلى فرض حقائق جديدة على الأرض، أملاً في تحقيق تغيير بشكل دائم في الخريطة السياسية، بما يربك جهود حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وكل هذا يضع إدارة بايدن في ورطة، وسيجعل تعهدها بالعودة إلى واقع الحال السابق أصعب. ورغم أن بايدن ومعظم الكونجرس الأميركي وجانب كبير من المجتمع الدولي يصرون على التزامهم بخيار «حل الدولتين»، لكن هذا الخيار أصبح أصعب.
اللوم يقع في هذا الحال على الإدارات الأميركية المتعاقبة التي تواطأت بدرجات مختلفة لصالح طرف واحد في النزاع. فقد ظلت الولايات المتحدة تتغافل أو تتجاهل لعقود اتخاذ إجراءات فاعلة لتقييد توسع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. والعقدان الماضيان من السياسات الفاشلة تسببا في عددٍ من التشوهات التي جعلت خيار حل الدولتين صعباً ولو في مجرد تخيله. والأراضي التي كان من المقرر تخصيصها للدولة الفلسطينية في المستقبل قطعتها إرباً المستوطنات والطرق التي تربط هذه المستوطنات.
وكي يبدأ الإصلاح، يتعين على إدارة بايدن دعم تعهدات برنامج «الحزب الديمقراطي» بمعارضة بناء المستوطنات وأي تحركات تجاه الضم، بما في ذلك «الضم الزاحف»، الذي ينطوي على الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وإزالة منازلهم. وكي تكتسب أميركا مصداقية، يتعين على الإدارة الجديدة الرجوع عن تردد البلاد في تحميل إسرائيل مسؤولية أي انتهاكات. وهذا سيتطلب قطعاً اشتراط تعليق استخدام المساعدة الأميركية في أي أنشطة توسعية.
ويتعين على فريق بايدن إلغاء رفض إدارة ترامب إطلاق صفة «محتلة» على الأراضي التي تستحوذ عليها إسرائيل، ويتعين ألا يقتصر هذا على الضفة الغربية وقطاع غزة، بل يمتد إلى ما تشير إليه إسرائيل بأنه القدس الشرقية.
وبرنامج بايدن يطالب أيضاً بمجموعة من الخطوات الداعمة للفلسطينية ويجب تطبيقها في أقرب وقت. وهذه التعهدات تتضمن استئناف المساعدات للفلسطينيين واستئناف عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئينالفلسطينيين «أونروا»، واتخاذ الخطوات المطلوبة لإعادة فتح مكتب البعثة الفلسطينية في واشنطن وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية. وإدارة بايدن يجب أن توضح أنها ستطبق معايير حقوق الإنسان المعترف بها دولياً في الأراضي المحتلة، وأن توجه انتقادات لإزالة إسرائيل للمنازل. ومن الحكمة أن تتبع إدارة بايدن نهجاً متعدد الأطراف في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. وعلى سبيل المثال، وبمناسبة مرور 30 عاماً على مؤتمر مدريد للسلام، تستطيع إدارة بايدن الدعوة إلى مؤتمر دولي لاستئناف محادثات السلام.
وإذا اتخذت إدارة بايدن إجراءات مثل هذه، فإنها قد تغير حراك الصراع بالمساعدة في القضاء على شعور إسرائيل بالحصانة مما يقدم متنفسا لمعسكر السلام الإسرائيلي الهاجع حالياً ويحفز الجدل المطلوب بشدة بشأن مستقبل السلام مع الفلسطينيين. وإجراءات إدارة بايدن الإيجابية تجاه الفلسطينيين ستساهم أيضاً في استعادة المصداقية في السلطة الفلسطينية وبث الأمل في نفوس الفلسطينيين بأن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبهم دفاعاً عن حقوقهم السياسية والإنسانية. واتباع إدارة بايدن نهجاً متعدد الأطراف سيساعد في استعادة الثقة في مساعي صناعة السلام ودور الولايات المتحدة، باعتبارها شريكاً موثوقاً فيه في الشؤون الدولية.
لكن يجب ألا نتوهم سهولة الطريق، حتى إذا اتخذت إدارة بايدن كل هذه الخطوات. فالقضاء على الفوضى التي خلفتها عقود من الإهمال وسنوات ترامب الأربع لن يتم بين عشية وضحاها. لكن من المؤكد أنه إذا لم تُتخذ إجراءات جريئة، فإننا سننزلق نحو تعزيز واقع سيقودنا لا محالة إلى نزف دماء.
*رئيس المعهد العربي الأميركي – واشنطن .