يوماً بعد يوم يتكرر المشهد في حرم جامعة فلسطين التقنية خضوري في مدينة طولكرم، حيث يستبيح الاحتلال الجاثم على أراضيها من جهتيها الغربية والجنوبية حرمتها، ويهاجمها بشكل استفزازي بالغاز المسيل للدموع والمياه العادمة والرصاص، حتى بات المشهد نهجاً يومياً يتفنن فيه جنود الاحتلال في تنفيذه.
معاناة جامعة خضوري من ممارسات الاحتلال ليست الأولى، فقد سبقها قصف صاروخي استهدف مبانيها ومختبراتها منتصف تشرين الثاني من عام 2000 عندما كانت كلية تقنية.
ومع مراحل إعادة بناء الجامعة عمرانياً وأكاديمياً، باغتها الاحتلال بانتهاك صارخ من نوع آخر، تمثل في إقامة معسكر تدريبي داخل حرمها، وهو ما يعتبر حالة فريدة في العالم لا مثيل لها، وهو بذلك ينتهك مؤسسة تعليمية لها حرمتها في القانون الدولي والإنساني واتفاقيات حقوق الإنسان، ويجب تحييدها، ما أوجد حالة من الاستفزاز لدى الطلبة، لتتحول الجامعة إلى مسرحاً للمواجهات اليومية.
إدارة الجامعة ودائرة العلاقات العامة، بينت أن موقع الجامعة التي مساحتها 360 دونم يقع على خط التماس مع الجانب الإسرائيلي، وما يحيط بها من الجنوب مصانع 'غاشوري' الكيماوية الإسرائيلية، ومن الجنوب الغربي المعسكر التدريبي بمساحة 23 دونم، إضافة إلى مقر الارتباط العسكري الإسرائيلي المقام على مساحة 7 دونمات، ومن الغرب حاجز سنعوز (نتانيا سابقاً)، وجدار الضم والتوسع الذي التهم ثلث أراضي الجامعة، يضعها في خط المواجهة مع الاحتلال .
وأوضحت الادارة أن الاحتلال يصب جام غضبه على 7 آلاف طالب وطالبة يومياً منذ الثامن من الشهر الجاري، من خلال إمطارهم بوابل من قنابل الغاز المدمع، والأعيرة النارية، والمطاطية والمياه العادمة، ما تسبب في إصابة ما يقارب 19 طالبا بالرصاص الحي، و40 بالمطاطي، والمئات بالاختناق بالغاز، حسب تقرير الهلال الأحمر الفلسطيني.
وأشارت إلى أن الاحتلال تمادى في عدوانه عندما اقتحم حرم الجامعة، واعتلى سطح المكتبة وهي أقرب نقطة للمعسكر، إضافة إلى اقتحام أراضي الجامعة بالجرافات، وهدم سورها الجنوبي وتدمير الأشجار والمزروعات.
هذه الإجراءات التعسفية، عملت على تعطيل العملية التعليمية في الجامعة، حيث تضطر الإدارة ومجلس الطلبة إلى تعليق الدوام وإخلاء الجامعة حفاظاً على سلامة الطلبة والموظفين.
ويقول مدير دائرة العلاقات العامة في الجامعة عزمي صالح، إن وجود النقطة العسكرية التي لا تبعد سوى 400 متر عن المبنى الرئيسي للجامعة هي استفزاز بحد ذاته، وجعل خضوري مستهدفة من قبل الاحتلال، ووجودها غير مبرر ومخالف لكل المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، ولا يعقل أن يتلقى الطالب تعليمه في ظل أصوات الرصاص وقنابل الغاز، مشيراً إلى أن هذه الأوضاع أصبحت غير ملائمة ولا يمكن لأي طالب أن يتقبلها.
ويرى رئيس قسم الإعلام في خضوري جبريل حجة، أن الاحتلال بهذه الخطوات الاستفزازية أعطى تهديداً غير مباشر لمستقبل العملية الأكاديمية التي لم تنتظم منذ 10 أيام في الجامعة.
واعتبر الجامعة مشروعاً وطنياً وسداً منيعاً لوقف التمدد الإسرائيلي على طولكرم، مشيراً إلى أن هناك انتهاك دائم لحرم خضوري فرضه الاحتلال عبر إقامة معسكر تدريبي وبذلك انتهاك لحرمة هذه المؤسسة التعليمية، وهذا الواقع ومع التصعيد القائم خلق واقعا بأن الاحتلال قائم داخل حرم الجامعة ما أوجد احتكاك ومواجهات من الطلبة مع الاحتلال.
ويؤكد المحقق والباحث في مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة( بيتسيلم)، عبد الكريم السعدي، أن موقع جامعة خضوري يتميز عن بقية مواقع الجامعات في الوطن الفلسطيني بقربه من خط الهدنة ووجود الموقع العسكري، وإقامة الجدار على 200 دونم من أراضيها، وفي ظل الهبة الجماهيرية والاحتجاجات القائمة التي يقودها الطلبة، يخرج طلبة الجامعة للاحتجاج على المعسكر التدريبي، فيقابلهم الجيش بمختلف أنواع الأسلحة من الرصاص و'التوتو' والأعيرة المطاطية ورش المياه العادمة التي لا مبرر لها، وبالتالي شل العملية التعليمية، إضافة إلى تكبيد الطلبة القادمين من محافظات الضفة خسائر اقتصادية.
ولفت إلى انه كان متواجداً في حرم الجامعة قبل يومين ورأى ما يتعرض له الطلبة والجامعة من انتهاكات صارخة.
ويرى أنه على جنود الاحتلال عدم دخول حرم الجامعة، لأن ذلك يمثل انتهاكاً للمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ومن شأنه أن يؤجج من الوضع، خاصة أن الحركة الاحتجاجية قائمة ومستمرة، معتبراً ضرورة أن يكون هناك نوع من الحذر في توريط المؤسسات التعليمية وأن يكون هناك تحييد لها.
وأكد رئيس مجلس طلبة خضوري فادي بريكي، أن قوات الاحتلال تقترب للحرم الجامعي أقرب فأقرب والسيطرة على أكبر عدد ممكن من الأراضي التابعة لها وسط خطوات تصعيدية بحق الطلبة في محاولة لعرقلة المسيرة التعليمية.
وأوضح أن المسيرة التعليمية شبه معطلة لأن الطالب أصبح غير قادر على تلقي تعليمه في ظل الانتهاكات الإسرائيلية، مطالباً كافة المؤسسات الدولية التدخل لإنقاذ الجامعة من التهويد.
ومع استمرار الممارسات اليومية بحق حرم خضوري، خرجت فصائل العمل الوطني في طولكرم ببيان حملت فيه الاحتلال تعطيل المسيرة التعليمية في الجامعات، واعتبرت اغتصابه لحرم خضوري تجاوزاً لكل المحرمات الدولية ويمثل بؤرة دائمة بوجوده غير الشرعي في حرم الجامعة.
ودعت الفصائل كتلها الطلابية في الجامعة إلى المؤازرة بين مواجهة المحتل وانتظام الدراسة وتحييد حرم الجامعة حفاظاً على العملية التعليمية إلا في إطار توافق وطني شامل على المواجهة.
وأكد أمين سر حركة فتح إقليم طولكرم مؤيد شعبان، ضرورة تحييد الجامعة عن المواجهة مع الاحتلال، حفاظاً على العملية التعليمية التي يسعى الاحتلال إلى تدميرها.
ووصفت أمين سر الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني(فدا) ميرفت أبو شنب، أن اقتحام قوات الاحتلال لحرم الجامعة غير قانوني، وممارساتها على الأرض من قتل وتدمير لا يمنعها من اقتحام جامعة، وهم معنيين بهذا الإجراء لإفشال التعليم ووضعها في صورة جامعة ارهابية.
معاناة جامعة خضوري جعلها محط زيارة المسؤولين من وزير التربية والتعليم العالي صبري صيدم الذي أعلن عن اتخاذ خطوات عملية على مستوى الوزارة لفضح انتهاكات الاحتلال بحق الجامعة، مشيراً إلى أنه تم التنسيق مع كل المؤسسات المعنية دولياً ومحلياً في هذا الخصوص.
وقال صيدم إن الاحتلال تجاوز كل الخطوط الحمراء وكل المواثيق والأعراف الدولية من خلال انتهاك حرمة خضوري.
وشدد نائب محافظ طولكرم بلال حالوب، على أن الاحتلال هو من يريد ويصر على نقل الصراع إلى جامعة خضوري، ومن هنا فهي تستحق رعاية أكثر في إيجاد الحلول لمعيقات توسعها وعلى رأسها إزالة معسكر التدريب الاحتلالي الذي يجثم على أراضي الجامعة، وهذا لوحده يشكل انتهاكاً صريحاً وفاضحاً من الاحتلال بحق حرم الجامعة.
وأكد رئيس جامعة خضوري مروان عورتاني، أن العملية التعليمية مستمرة رغم ما تعانيه من انتهاكات واضحة من الاحتلال، والجامعة تستقبل دائما الوفود الدولية والأكاديمية لعقد الدورات والمحاضرات للطلبة، وهم على إطلاع بما يجري في هذه الجامعة.
وأشار إلى أنه توجه برسالة إلى مجلس الوزراء بضرورة الإسراع في بناء سور يحيط بها كونها تخلو من أي أسوار، وأن المجلس وفي جلسته الأخيرة أقر بمباشرة بناء السور حول خضوري وأوعز لوزير الأشغال للمباشرة.
وبين عورتاني أن الجامعة تعمل على تحضير ملف حقوقي لتقديمه لجهات الاختصاص لعمل مسعى قانوني محلي ودولي، وتتواصل مع اتحادات الجامعات العربية لعمل حراك لما يجري في خضوري.
وتجمع إدارة الجامعة والعلاقات العامة وطلبتها، فلسفة ومنهجية الاحتلال في تكريس سياسة التجهيل بحق أبناء الشعب الفلسطيني، مؤكدين أن الجامعة حاضنة الريادة والإبداع وتسجل انجازات متسارعة على المستوى الوطني والدولي، وتؤدي رسالة وطنية عليا من حيث تكريس مبانيها على الأراضي المهددة بالمصادرة من خلال تقديم مشاريع لأبنية جديدة مثل بناء كلية الأعمال والاقتصاد وتقوم بالتجهيز لمبنى المضمار الرياضي بمحاذاة للمعسكر التدريبي، فكل مشاريع التطوير تتجه فيها الجامعة للغرب والجنوب حفاظاً على أراضيها المستباحة.