اليمين الاستيطاني ومحفزات الانتفاضة الثالثة

حجم الخط

بقلم: ديمتري شومسكي


يدعي جدعون ليفي منذ سنوات كثيرة بأن الاختيار الحقيقي الوحيد الذي يقف أمام مواطني إسرائيل عشية كل جولة انتخابات منذ اكثر من عقد، هو الاختيار بين يمين ويمين. منذ سنوات كثيرة، في أوساط معظم بقايا اليسار، يتعاملون مع ادعاءاته باستخفاف كامل. والآن اذا حكمنا حسب استطلاعات الرأي الأخيرة فهي تؤكد بدون أدنى شك تشخيص ليفي. حيث أن البديل الواقعي والواضح لبنيامين نتنياهو وحزب الليكود يمثله الآن زعيم اليمين الديني – القومي المتطرف، نفتالي بينيت.
سيكون من الخطأ أن نعزو صعود بينيت في الاستطلاعات فقط الى أزمة «الكورونا» والى الاستخدام العبقري لها من قبل زعيم «يمينا» إزاء الفشل التام لحكومة نتنياهو في معالجة الأزمة. وهكذا فان الدافع الفوري والظاهر للعيان لزيادة تأييد بينيت بشكل كبير جدا في أوساط مصوتي الوسط يكمن في نجاحه الكبير في تسويق نفسه في عيون قطاعات كبيرة من الجمهور الإسرائيلي كخبير في دحر الأوبئة العالمية.
ولكن الأسباب العميقة لهذا التطور تكمن في حقيقة أن المزيد من الإسرائيليين العلمانيين الذين يعتبرون انفسهم «أعضاء مركز معتدل»، ناضجين الآن للوقوف بشكل صريح خلف رجل يمين قومي متطرف – ديني استيطاني. كل ما كان مطلوب لهم من اجل ذلك هو شذرات من الدلائل على أن الأمر يتعلق بالمجمل بشخص عاقل ومتزن. وهذا هو بالضبط الانطباع الذي استطاع بينيت توفيره عندما قام بتوجيه الانتقاد المنطقي والمقنع لمعالجة نتنياهو العشوائية لتحديات الوباء. من الصعب التخلص من الانطباع بأن عملية ترسخ المواقف اليمينية في نفوس الجمهور المحسوب على الوسط في إسرائيل – عملية، التي ارتفاع قوة «يمينا» في الاستطلاعات هي من علاماتها البارزة - ويدلل على ذلك أن المزيد والمزيد من الإسرائيليين على قناعة بأن سياسة اليمين تجاه القومية الفلسطينية والتي تتبدى في تحطيم كامل للعملية السياسية، بالمناسبة استمرار السيطرة على الفلسطينيين وتعميق مشروع الاستيطان، هي الطريقة الناجعة والأفضل للتعامل مع ما يسمى «المشكلة الفلسطينية».
حقيقة أن الحفاظ على الوضع الراهن للاحتلال لا تجعل الفلسطينيين يتمردون ضده. بالعكس، في الساحة الفلسطينية – على أي حال في مناطق الضفة الغربية – في عهد سلطة اليمين الاسرائيلي يسود في الغالب هدوء واستقرار نسبي. ولكن من الطبيعي اذا إنه إزاء ذلك يزداد عدد الاسرائيليين الذين يقولون بأن استمرار حكم اليمين يعني استمرار الهدوء المأمول.
المطلوب اذاً هو اعادة فحص الرواية السائدة، بشأن العلاقة بين تعزز اليمين في اسرائيل وبين العنف الفلسطيني. هذا ما يقوله اسرائيليون كثيرون لانفسهم، على الاقل منذ الانتفاضة الثانية. خلافاً لما تقوله هذه الرواية فان الانتفاضة الثانية لم تقض على معسكر السلام في اسرائيل، بل تقريباً العكس هو الصحيح. الانتفاضة الثانية أدت الى تفشي مواقف فيما يتعلق بأهمية التنازل الجغرافي في اوساط دوائر، كانت مشخصة في السابق بصورة واضحة مع اليمين.
على هذه الخلفية يجب فهم الانفصال عن قطاع غزة وتشكيل حزب «كديما»، الذي رغم النية الاولية لاريئيل شارون لادخال العملية السياسية الى التجميد، تحول فيما بعد الى حزب التسوية السياسية الواضح؛ النجاح غير المسبوق لكديما في انتخابات 2006 برئاسة اهود اولمرت والتقدم الكبير نحو تسوية مع الفلسطينيين التي قادها اولمرت وحاييم رامون في عملية انابوليس.
في المقابل، يبدو أن التنصل العلني لمحمود عباس من خط المقاومة العنيفة، استقبل في اسرائيل كاشارة خنوع وكنوع من تأكيد على مقولة بينيت بأن الفلسطينيين ليسوا اكثر من «شوكة في المؤخرة». بهذا، فقد ساعد ذلك في زيادة الانجراف نحو اليمين في اوساط الجمهور الاسرائيلي.
هذا ليس سوى مسألة وقت، الى أن تضطر الجهات المعتدلة في الحركة الوطنية الفلسطينية الى الاعتراف بأن الاحتلال الاسرائيلي هو مثل كل احتلال، يفهم فقط لغة القوة. اجل، على الرغم من أنه اليوم، في ايام الوباء العالمي، يصعب تخيل «القضية الفلسطينية» تحتل مرة اخرى المكان الرئيسي في الأجندة الإسرائيلية والدولية، حيث أن كل من يعرف شيئاً أو شيئين عن تاريخ القوميات واحتلال الشعوب في تاريخ الإنسانية، يفهم بأن الانتفاضة الثالثة - التي ربما ستكون أكثر دموية من سابقاتها – توجد الآن وراء الزاوية.
من أجل منع اندلاعها يجب على إسرائيل أن تستبق الضربة بالعلاج. أي أنه يجب عليها أن تجمد بصورة فورية البناء في المستوطنات والعودة بدون تأخير الى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين حول تقسيم البلاد الى دولتين قابلتين للحياة. من نافل القول أنه لشديد الأسف، احتمالية القيام بخطوات كهذه من جانب إسرائيل تكاد تكون معدومة.

عن «هآرتس»