لا تتعسفوا بتصنيف الناس وتنميطهم

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

بقلم: صلاح هنية

فجأة ينصّب البعض نفسه حكماً على الناس في كل شاردة وواردة وهو لا يعلم أنه يعزز ألماً نفسياً جديداً سواء عن قصد أو عن غير قصد، خصوصاً عندما يكون الأمر من باب إقحام الذات بشؤون الناس ولا تكون الملاحظة من باب التأثير الإيجابي لتغيير السلوك صوب الأفضل، ولكن جل الأمر هو إقحام دون استئذان كمن يدخل بيتك دون أن يطرق الباب، وهذا يختلف جذرياً عن الحوار والنقاش لتعديل السلوك الاستهلاكي وتغير شهوة الاستهلاك، والسعي لرفع نسبة المشاركة السياسية، أو تعديل السلوك الانتخابي وتعزيز الديمقراطية.
المؤسف أننا نتابع التغيرات العالمية عبر الانتخابات وغيرها ونحلل ونبني ونتابع الشأن الاقتصادي والمالي العالمي وانعكاساته علينا والعلاقات الدولية، ولكننا نصر أن نظل نجلس على الرصيف نحتسي فنجاناً من القهوة ونقيّم الجميع ولا نقيّم انفسنا ونطلق أحكاما مطلقة (فلان فاشل) (فلان لا ائتمنه على شاتين لرعايتهما) (والله ما أنا عارف كيف وافقوا عليه عريس لبنتهم)، وفي آخر النهار نمسي ونحن نتحدث عن الانتخابات الأميركية وعن قراءة تمهيدية لحل الكنيست الإسرائيلي، ونعلق على المملكة المتحدة وسعيها لاتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي لإنقاذ اقتصادها، ولا نستطيع ان نقدم اقتراحاً لتحسين وضعنا في حارتنا لأننا مشغولون بالقيل والقال والحكم على الناس.
انشغل الناس الاسبوع الماضي بقضية نسبة الاسترداد من المقاصة وهي اموالنا المحجوزة لدى الاحتلال، وجزء انشغل بنسبة الصرف للرواتب المتأخرة من باب الحرص على عدم ارتفاع الأسعار في ظل توفر سيولة مالية في السوق وهي فرصة تجارية ولاحت، وجزء انشغل بالأمر من باب الانشغال ليس الا، وهؤلاء ألهبوا مواقع التواصل الاجتماعي جلداً بالناس انهم ذهبوا صوب الأسواق بعد صرف رواتبهم ولم ينشغلوا بأنفسهم: مثلاً اين كانوا هم يوم كان الناس في الأسواق؟!!!!
دعوكم من التعميم واذهبوا الى أشياء أكثر فائدة في الحياة. الناس في بلدي تعيش حياتها بشكل طبيعي (ولا انهزهم) هناك من يقبض راتبه كل اسبوع ويكون يوم الخميس نصف نهار عمل ليقبضوا ويذهبوا لسوق الخضار والفواكه والبقالة ويعودوا الى بيوتهم ليقضوا وقتهم العائلي ويقوموا بجولة في السيارة، والبعض الآخر يفعل ذات الشيء ممن يتقاضى راتبا شهريا، ترى لماذا نجلد الناس ونبالغ في الامر ونخلط الاوراق ونضخمها وكأن البلد اعيد احتلالها مرة أخرى فوق الاحتلال الغاشم على صدورنا ومستوطناته.
قد يقال هذا من آثار كوفيد_19 فكما ترك آثاره على التعليم والاقتصاد ترك آثاره النفسية والاجتماعية، لكن هذا ليس مبرراً مقبولاً بالمطلق، نحن ما قبل الوباء كذلك ولكننا استطعنا أن نعمق هذا المظهر السلبي أكثر وأكثر، وبتنا ما شاء الله أكثر دراية بالشأن التعليمي التربوي من ذوي الاختصاص، ونستطيع ان نقرر مكان مدير المدرسة والموجه التربوي ومدير التربية والتعليم، ونحن أكثر دراية أيضاً في الشأن الصحي، وبشحطة قلم ندمر التفاؤل بأي إنجاز ونخط كلمات ضد كل شيء ونسعى لتسجيل نقطة في المرمى، نحن مبدعون إذا قرأنا أو شاهدنا قصة نجاح في القطاع الزراعي أو التربوي أو الفني أو الثقافي، لا نبيت ليلتنا قبل أن نضع اصابعنا على مفاتيح الحاسوب لنشوه الصورة فورا ودون تفكير طويل ومتروٍ.
كنت أشاهد عملا درامياً واذا بالدرس الذي يقدم من البطل للبطلة (عندما أريد أن احصل على شيء يجب ان ادمر سمعته لأتمكن من الحصول عليه بسعر منخفض لا يوازي تكلفته ولا اسمه الراسخ)، وعندما فتحت بريد الشكاوى لأتابع ما وصل حديثاً وجدت أنها تتركز ضد صنف معين من الأرز في السوق اثبت حضوره وبات رقم واحد في السوق. ترى هل هذا جزء من درس الدراما التي شاهدتها وبات هناك من ينتهج هذا النهج مع الأرز ومع الأعمال الفنية الفلسطينية؟.
يجب أن نعيد تشكيل الوعي ضمن رؤية شمولية للمجتمع الفلسطيني نتفق عليها جميعاً، تماماً هي عملية إعادة تشكيل العقد الاجتماعي الذي يجمعنا على هذه الأرض، يجب ان نحفظ للناس كرامتهم وللناس خصوصيتهم ونتأدب بالحديث عن الناس لأنهم ليسوا أرقاماً وليسوا حجارة شطرنج نحركهم كما شئنا، نعم يجب ان ننشر الوعي الاستهلاكي والثقافي والتربوي والصحي والثقافة المهنية والثقافة السياسية والمالية والمصرفية، ولكن لكل خصوصيتها، يجب أن ندرس أهداف التنمية العالمية 2030 ونرى أين نتقاطع معها، سواء محاربة الفقر والبطالة الى غيرها من تلك الأهداف التنموية، ولا يحق لنا أن نبقى مراقبين لشؤون الناس دون أن نسهم بأي فعل إيجابي يعزز دور المواطن الإنسان في الشأن العام، ولا نعتقد أن كل يحتاج الى إذن دخول للانخراط في شأن من شؤون الحياة فكفاكم هيمنة على الوظائف والرواتب العالية وأيضاً تحكمون على الناس وتصنفونهم.