-خبر-كتب: رجب ابو سرية
23تشرين الأول 2015
رغم أن بنيامين نيتنياهو شغل منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية منذ نحو عشرين سنة، وكان اصغر رئيس للحكومة يتولى المنصب حتى ذلك العام 1996، ورغم انه أيضا يجلس على المقعد ذاته منذ عام 2009 بشكل متواصل , حتى انه سجل رقما قياسا كواحد من رؤساء الحكومات الإسرائيلية الذين جلسوا على مقعد رئيس الحكومة أطول فترة رغم كل ذلك إلا أن بنيامين نيتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي لا يبدي القدر الكافي من المسؤولية أو اللباقة السياسية التي يفترض توفرها في رؤساء الدول أو رؤساء حكوماتها , فهو لا يكاد يختلف في مواقفه وتصريحاته حين يكون جالسا على مقعد الحكومة عنه حين يكون زعيما للمعارضة أو حتى حين يقود حملة حزبه الانتخابية !
يحرص الرجل على أن يبقي على صورته، بل وطبيعته المتطرفة في كل مناسبة، وحتى لو لم يكن الأمر يتطلب ذلك , بل وحتى لو كان هناك ثمن لذلك , فهو دائما يسعى لأن يظهر في موقف " القائد " الشجاع , الذي يبدع دائما ما هو جديد في المواقف والاقتراحات والأفكار السياسية .
آخر ما تفتقت عنه قريحة نيتنياهو , هو الإعلان بأن أدولف هتلر مستشار ألمانيا أبان الحرب العالمية الثانية الذي اعتادت إسرائيل على أن تصوره كأبشع رجل مر على التاريخ بأسره، وبأنه مسئول عن محرقة اليهود خلال تلك الحرب لم يكن ينوي " لا حرق ولا قتل " اليهود، بل ترحيلهم من ألمانيا , ومن الدول التي كانت تحتلها ألمانيا تباعا، خاصة في شرق أوروبا , بل إن من أقنعه بذلك , هو الحاج أمين الحسيني , مفتي القدس والديار المقدسة ( فلسطين ) في ذلك الحين .
أولا وقبل كل شيء , يدل هذا القول على سذاجة سياسية بالغة حين يظن البعض بان سياسة الدول يصنعها أشخاص , مهما تحكّم الأشخاص بمقاليد الحكم الفردي، فإنهم يظلون ينفذون سياسات عامة ويتخذون قرارات , لا بد أن تكون مقبولة على أركان الحكم الذي يجلسون على قمته، وكثير من الأشخاص وحتى الأحزاب والجماعات السياسية , تقول مثل هذا الكلام، أي أنها ترى في السياسة حزمة من المؤامرات _ أحيانا حماس تقول كلاما سياسيا ساذجا حين تتهم الرئيس محمود عباس بأنه " يحرّض مصر " على إغلاق معبر رفح _ أو أنها مجرد قرارات فردية , يتخذها رجل واحد، وفق مزاج ما أو بناء على مشورة احد المقربين _ قد تكون زوجته مثلا _ وربما انه قد يتخذها في حالة عدم وعي وما إلى ذلك . فهل يفعل مثل هذا الأمر بنيامين نيتنياهو نفسه , أو أن أحدا من أسلافه رؤساء الحكومات الإسرائيلية فعله من قبل , هل يمكن القول بأنه اتخذ قرارا سياسيا حاسما بناء على اقتراح من زوجته , التي ترافقه كظله، ويقال بان لها تأثير بالغ عليه , وانه حين يتخذ مثل هذا القرار , يفرضه على " الكابينت " وعلى الحكومة والحزب الحاكم , بل وعلى ائتلاف أحزاب الحكم ؟ !
حتى أدولف هتلر برأينا , لم يكن ليتخذ قرارات على درجة بالغة من الأهمية , من وراء ظهر مستشاريه وحكومته وحزبه , ومجلسه العسكري , ودون أن يكون الشارع الألماني _ في حينه على الأقل _ قابلا لها , والأهم من كل هذا , هل كان أمين الحسيني زعيم دولة عظمى ليكون له مثل هذا التأثير على هتلر , هل كان حليفه الرئيسي في " المحور " ، فكلام نيتنياهو يوحي وكان الحسيني كان موسوليني مثلا , وليس مجرد احد وجهاء شعب صغير تحت الانتداب البريطاني , يتطلع لاستقلال وطنه , ومن الطبيعي أن يجد في عدو محتله صديقا له !
الأنكى من كل هذا , ليس أن كلاما فارغا كالذي تلفظ به نيتنياهو في الدورة ال73 للمؤتمر اليهودي / الصهيوني العالمي بالقدس قبل ثلاثة أيام , يدل عليه , بل يدل على مستوى ذلك المؤتمر نفسه , الذي يقبل مثل هذا الكلام , الذي يشكل بشكل أو بآخر " نفيا " للهولوكوست أو لأحد أركانه من قبل رئيس حكومة إسرائيل نفسه ! لو أن أحدا آخر قاله غيره , لأتهم من قبل كل الأوساط السياسية الإسرائيلية والصهيونية بإنكار المحرقة وبمعاداة السامية !
يصل الأمر بهدف التحريض على الفلسطينيين , وتحميلهم " وزر " المحرقة , برئيس الحكومة الإسرائيلية إلى أن يقوم بتزوير التاريخ الذي كتبه اليهود الصهاينة أنفسهم , وما يدعو للسخرية هو انه قد مر نحو سبعين عاما على تلك الأحداث , فهل ظلت المحادثة بين هتلر وأمين الحسيني سرا طوال كل تلك السنين ولم يستطع احد سوى هذا الجهبذ _ نيتنياهو _ اكتشافه , من قبل ؟ !
هذا ما يقوله رئيس الحكومة الإسرائيلية على الملأ , ويعبر من خلاله عن مدى حقده وكرهه للشعب الفلسطيني , فكيف هو الحال في الكواليس ؟ هل يمكن لأحد أن يؤكد لنا بأن بنيامين نيتنياهو لا يقدم كل الدعم اللازم لعتاة المستوطنين , وللمتطرفين والمتشددين من المتدينين ومن ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي , لممارسة القتل العمد , بحق الفلسطينيين أينما كانوا، وأيا كانت حالتهم , ثم ألا يرتقي هذا القول إلى مستوى التحريض على القتل , الذي يسبب لصاحبه السجن ؟ !