بان كي مون والعنف الفلسطيني

pen
حجم الخط

-خبر-كتب: محمد ياغي
 

23 تشرين الأول 2015  

رسالة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، للشعبين الفلسطيني والإسىرائيلي تستحق التوقف لثلاثة أسباب: الأول لأنها تخبرنا بأن "العالم" يفهم سبب غضب الشعب الفلسطيني ويقف معه من أجل التخلص من الإحتلال وإقامة دولته المستقله، والثاني لأن فيها إدانة واضحة للإحتلال والثالث وهو الأهم لأنها تقول للشعب الفلسطيني لا يوجد لدى الامم المتحده وسائل لإنهاء الإحتلال وبالرغم من ذلك على الفلسطينيين إنهاء العنف!
بان كي مون، قال بأن العالم يتفهم سبب إحباط الفلسطينيين وغضبهم الناتج عن تحطم آمالهم في إنهاء الإحتلال وإستمرار توسيع المستوطنات وعجز المجتمع الدولي عن تحقيق السلام. مون قال أيضاً بأن تحقيق إسرائيل لأمنها غير ممكن بإستمرار إحتلالها وبإذلال الفلسطينيين وبناء الجدران. لكن الأهم من ذلك كله أنه قال بأن "العنف" الفلسطيني لن يحقق له تطلعاته المشروعه في التخلص من الإحتلال وإقامة دولته المستقلة.
تُرى لو بقي الفلسطينيون صامتين عشر سنوات أخرى، هل كان السيد مون أو خليفته سيكلف نفسه مشقة التوجه للأراضي الفلسطينية لمخاطبة الشعب الفلسطيني؟
لا نعتقد ذلك. لكن ليس هذا بذي أهمية على أية حال. ما هو مهم أن الأمين العام للأمم المتحدة يطالب الفلسطينيين بالتوقف عن "العنف" دون أن يعرض عليهم بديلاً لهذا المسار يُمَكنهم من تحقيق "تطلعاتهم" التي يُقِر السيد مون بأنها مشروعة وعادلة.
طالما بقي "العالم" يتحدث عن "العنف" بدلاً من حديثه عن الإحتلال الذي يؤدي الى العنف، لن يتوقف "العنف." ليس لأن قادة فلسطين يحرضون عليه، وليس لأن مُثقفي فلسطين يحبون العنف ويحرضون الناس على ممارسته، وليس لأن التنظيمات الفلسطينية تريد العنف، ولكن لأن الإحتلال هو العنف الحقيقي وهو المُحرض الأول عليه.
قادة فلسطين إنحازوا لخيار المفاوضات السلمية منذ ربع قرن. لقد قدموا تنازلات تاريخية - يلومهم شَعبهم عليها - من أجل الوصول الى السلام ولكن أيضاً من أجل تجنيب شعبهم ويلات الحروب وكوارثها. لكن ذلك لم يؤد الى تسويه سياسيه. على العكس تماماً رأت فيه إسرائيل إستعداداً للتعايش مع إحتلالها. مثقفوا فلسطين منذ الإنتفاضة الأولى والى اليوم يدافعون عن أهميه المقاومة السلمية ويبررون ذلك بأن "العالم" سيقف مع شعب فلسطين وينهي الإحتلال، لكن المشكلة أن مشروعهم يصطدم بحقيقة أن الإحتلال لا يميز بين مقاومة سلمية وأخرى عنيفه: الكل معرض للقتل إذا ما توجه لحاجز إسرائيلي للإحتجاج. ثُم كيف يمكن إقناع من قُتِلَ أخوه أو صديقه أمامه بالإستمرار في مقاومه سلمية!
المشكلة أن السيد مون يطالب الفلسطينيين بالتوقف عن "العنف" دون أن يطرح بديلاً لهم. كونوا إيجابيين في مقاومتكم، لا تصمتوا وإرفعوا صوتكم أمام قادتكم وقادة إسرائيل وأمام العالم، يقول "مون" لشباب فلسطين.
لم أفهم حقيقةً ماذا يعني ذلك. هل الأطراف الثلاثة التي ذكرها تتشارك جميعها في تحمل مسئولية الإحتلال؟ أو ليست الجهه الوحيدة المسئولة عن إستمرار الإحتلال هي دولة الإحتلال؟ هل إستمرار الإحتلال سببه "السلطة" الفلسطينية والمجتمع الدولي أم الدولة المحتلة؟
لكن بعيداً عن هذه اللغة المُبطنة التي تهدف الى جعل إسرائيل طرف وليس الطرف الوحيد الذي يتحمل المسئولية عن الإحتلال، ما هو المقصود بالمقاومة الإيجابية؟ إرفعوا صوتكم!
هل يقصد بذلك الصراخ عندما يتعرض الفلسطيني للقتل. الرصاصة لا تترك حتى مجالاً لهذا الصراخ!
كُنت في السابق قد كتبت في هذا المكان بأن تحول الضحية الى جلاد يُفقدها صفة الضحية. بمعنى أن قتل المدنيين من باب الإنتقام يُفقد الضحية، "الفلسطيني"، مكانته الأخلاقية وقلت بأن أية مقاومة "عنيفة" يجب أن تقوم على مبدأ رسم الحدود حتى تتفق مع الشرعية الدولية، وحتى يكون لها تأثير على إسرائيل نفسها. بمعنى لا يجب أن يشعر الإسرائيلي في تل أبيب بأنه غير آمن، عليه أن يشعر بأنه آمن في تل أبيب لكنه غير آمن في الضفة أو غزة أو القدس الشرقية. لا زلت أومن بذلك.
المشكلة الحقيقية التي لا يفهمها كي مون ولا يفهمها المثقفون من أدعياء الثقافة مِثلي، أن حركة الجماهير لا تنتظر موعدا من أحد، أو قيادة أحد. الناس تتحرك عندما تصل الى لحظة الإنفجار، عندما تدرك أن إستمرار الحال على ما هو عليه أصبح غير ممكن وغير مُحتمل. لا يوجد تنظيم فلسطيني يرغب في تنظيم  شرعية "العنف"، لذلك سنشاهد إستمرار للحالة الحالية، وربما أسوأ  من ذلك إن دخل على خط "العنف" من يعتقد بأن رفع وتيرته وليس تنظيم مشروعيته فيه فائدة للشعب الفلسطيني.
قبل سبعة وثلاثين عاماً، سقط أمامي الشهيد فرحان الخضور. كان عمرة ثلاثة عشر عاماً عندما أطلق عليه مستوطن الرصاص وقتله أثناء مظاهرة نظمها طلبة المدرسة في قرية بني نعيم- الخليل. هل توقف الفلسطينيون عن التظاهر بعدها؟ بالطبع لا. كل ما حصل أنهم أدركوا بأن سِلميتهم تتسبب فقط في قتلهم بينما الإحتلال مُستمر ويتعمق بالمستوطنات. اللجوء للعنف كان نتيجة قناعة لدى العديد من الفلسطينيين بأن على الإحتلال أن يدفع ثمن عُنفِه اليومي بِحقهم.
العنف سببه الإحتلال، ومن يريد وقف العنف عليه أن يطرق باب إنهاء الإحتلال لأن إنهاء ما هو من إنتاج الإحتلال غير ممكن ومستحيل.
ربما تتمكن دولة الإحتلال بعنفها من وقف العنف مؤقتاً. ربما تتمكن القيادة الفلسطينية من إقناع شعبها بإعطائها مهله للقيام بشيء ما يحقق للفلسطينيين أهدافهم. لكن ما هو مؤكد أن العنف لن ينتهي بدون وضع نهاية للإحتلال.