23 تشرين الأول 2015
بقلم: دومينيك مواسي*
بعد الحجارة في الانتفاضة الاولى، جاءت العبوات الناسفة البشرية في الانتفاضة الثانية، والان توجه الفلسطينيون الى السكاكين. إن الهجمات التي تقع في أرجاء اسرائيل والضفة هي أغلب الظن مبادرة من "ذئاب منفردة"، ولكن يمكن ان نجد فيها صدى لانتفاضة أوسع. وعندما تدعو "حماس" علناً لانتفاضة ثالثة، لا يعود ممكناً التنكر لخطورة الوضع.
عملياً، لا ينبغي للوضع أن يفاجئ احدا. فلم يكن في السنوات الاخيرة أي تقدم في الدائرة السحرية الاسرائيلية – الفلسطينية لوقف النار المتكرر والهش وانفجارات العنف. لا يمكن حتى القول إن الوضع في جمود: فهو يتدهور نتيجة للتطرف السياسي والديني في الطرفين. وبالفعل، هناك شك جدي حتى بالنسبة لوجود بديل حقيقي عن الوضع الراهن الحساس بين الطرفين.
إذا كانت اسرائيل رفضت في الماضي الخروج من "المناطق" المحتلة، فكيف يمكن ان نتوقع منها عمل ذلك الان، عندما يزحف "داعش" نحو الحدود؟ مثل هذا العمل قد يخلق مخاطر جديدة كبيرة عليها، خلافا لانفجارات العنف التي تظهر بين الحين والاخر وتخبو. ومن في الجانب الفلسطيني يرغب او سيكون قادرا على الدخول في مفاوضات جدية مع الحكومة الاسرائيلية التي تميل أكثر فأكثر الى اليمين. ثمة قدر متزايد من الضعف والشروخ في طرف واحد وقدر متزايد من اوهام القوة في الطرف الثاني من أن تعقد محادثات تحقق أي نفع.
في كل الاحوال، حتى لو استؤنفت المحادثات، لن يتمكن الاسرائيليون والفلسطينيون من الوصول الى اتفاقات بقواهم الذاتية؛ والاسرة الدولية منقسمة، تعبة ولامبالية لأنها لا تستطيع فرض تسوية عليهم. حلم "الدولتين" – القائم على اساس فكرة متوازنة وواعية لتبادل الاراضي مقابل السلام – مات عمليا.
مفهوم أن الوضع الراهن مرغوب فيه أقل بكثير للفلسطينيين مما للاسرائيليين. ولكن يحتمل أن يكون كل ما ينبغي لهم عمله هو أن يتحلوا بالصبر وان يسمحوا للتفوق الديمغرافي بان يفعل فعله. فبلا دولة قابلة للحياة خاصة بهم، سيصبحون أغلبية في الدولة اليهودية القائمة. والاثار السياسية، الاجتماعية، والدينية لمثل هذا التغيير يمكن أن تكون بعيدة المدى وغير معقولة في اسرائيل.
حين لا يعود حل "الدولتين على الطاولة" واقامة دولة ثنائية القومية تسودها السكنية غير ممكن، تبدأ بالانطلاق اصوات تحاول طرح فكرة ثالثة: كونفدرالية اسرائيلية، فلسطينية، واردنية. للفلسطينيين صلة قوية بسكان الاردن، الذين لاكثر من نصفهم جذور فلسطينية. والاردن هو ايضا الشريك الاكبر لاسرائيل في المنطقة. تجعل هذه العوامل الاردن في نظر الكثيرين جسرا بين اسرائيل والفلسطينيين. وسيدعي المؤيدون للفكرة بان لمثل هذه الكونفدرالية فضائل اقتصادية تشكل اغراء لكل الاطراف لبذل جهد على الاقل لتفكير عميق في الفكرة.
ولكن هذه الفكرة، مهما كانت مغرية، لا تنسجم مع الواقع. فليس مثل دول اوروبا، التي خرجت من الحرب العالمية الثانية منهكة لدرجة أنها وافقت على توحيد سياداتها من أجل السلام، تشهد بلدان الشرق الاوسط تعاظما متصاعدا للقومية المتطرفة، انعدام التسامح، والكراهية.
لقد ضعضعت سياسة الاحتلال والميل المستمر نحو اليمين السياسي الاساس السياسي والاخلاقي لاسرائيل، وجعلت رئيس الوزراء نتنياهو رهينة في ايدي قوى اكثر تطرف منه. وبالتوازي ثمة توثيق مفصل للتطرف الذي ساعد الاحتلال على اشعاله في الطرف الفلسطيني. ولكن بين صعود "داعش" وانهاء عزلة ايران في العالم، مثلما هي ايضا هجمات السكاكين الفلسطينية، كيف يمكن اقناع اسرائيل بان التهديد طويل المدى الاكبر عليها هو سياستها هي نفسها؟
عندما تدخل كل المنطقة في سباق نحو الفوضى، ثمة حاجة ماسة الى الخليط النادر الذي كان في اسحق رابين – زعامة شجاعة، تواضع، وشفافية.
عن "يديعوت"