وداعاً للبكائيات .. بقلم: سلام فياض

-فياض
حجم الخط

كتب الكثير وقيل أكثر حول ماهية التعاظم في الآونة الأخيرة في روح ومنسوب الرفض الفلسطيني للإحتلال الإسرائيلي بجبروته وطغيانه، وتعميقه الممنهج للشعور العميق أصلاً لدى الفلسطينيين بالظلم التاريخي الذي حل بهم منذ استهداف فلسطين لتكون وطناً قومياً لليهود في ظل احتضان دولي تام لذلك المشروع الصهيوني، وخاصة إبان الإستعمار البريطاني لفلسطين، ومروراً بالنكبة وما واكبها وتلاها من تشريد وحرمان وجهد محموم لإنكار حتى حقيقة الوجود الفلسطيني وارتباط الفلسطينيين بأرض آبائهم وأجدادهم تاريخياً ودينياً وثقافياً. كما وأذكى هذا الشعور بالظلم ألإسنادُ منقطع النظير من قبل معظم القوى المؤثرة دولياً، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، لإسرائيل حتى بعد احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967، وحتى في إطار الرعاية الدولية لما اصطُلح على تسميته بعملية السلام، في الوقت الذي كان فيه من الضرورة بمكان إدارة هذه الرعاية على نحو يستهدف تصويب الإختلال الكبير في ميزان القوى بين القوة المحتلة، من جهة، والشعب الواقع تحت الإحتلال، من جهة أخرى.

على خلفية هذا الإستعراض السريع لتطور مكنون الغضب الفلسطيني، ومع الأخذ بالإعتبار طبيعة رد الفعل الشعبي على ذلك، لا غرابة في ميل البعض، وإن بقدر من التردد، لاعتبار حالة الغليان الحالية، والتي بدأت في القدس منذ جريمة حرق الفتى محمد أبو خضير في تموز 2014 وامتدت في أعقاب تصاعد وتيرتها منذ مطلع الشهر الحالي لتنتشر في أجزاء أخرى من الضفة الغربية وفي محيط قطاع غزة وداخل الخط الأخضر، إنتفاضة حقيقية. ومع التفهم لدواعي هذا التردد أو حتى ميل البعض الآخر لاعتبار أن ما يجري لا يمتلك بعد من المقومات أو السمات ما يكفي لوصفه بانتفاضة، إلا أن السياق التاريخي للأمور يرجح اعتبارها بالفعل كذلك، إن لم يكن لشيء فلكونها ليست سوى حلقة في سلسلة شبه متصلة من الإحتجاجات والإضرابات وحتى الثورات الفلسطينية المتعاقبة في وجه الظلم والإستبداد واستلاب الحقوق وتهديد الوجود على مدار زهاء قرن من الزمن. صحيح أنه لم تتوفر للإنتفاضة الثالثة بعد حالة من الإسناد والمشاركة المجتمعية كما حصل إبان الانتفاضة الأولى، وهذا أمر بالغ الأهمية، وأنها لم تأخذ الطابع العسكري الذي طغى على فعاليات الإنتفاضة الثانية، إلا أن فيها الكثير مما يُذكِّر بجوهر سابقتيها، كما بجوهر هبة النفق في عام 1996، وهبة يوم الأرض في عام 1976، والثورة الفلسطينية المعاصرة التي انطلقت عام 1965، وثورات 1939-1937، وثورة "الستة وثلاثين"، وثورات 1935-1930، وهبة البراق في عام 1929، وثورة يافا عام 1921، وثورة عام 1920.

وتنسحب المقاربة هذه أيضاً بطبيعة الحال على الحراك الشعبي المبدع الذي انطلق في بلعين في بداية عام 2005 وامتد ليشمل العديد من مناطق التماس والمواجهة مع مشروع الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي بكافة اشكاله ومكوناته، وغير ذلك الكثير الكثير من أوجه الرفض الفلسطيني للخنوع واليأس أمام جبروت القوة وهمجية المستعمر والغاصب، بما انعكس في روح بذلٍ وكفاح وتضحية مستلهمة من ملحمة الاستشهاد الأسطوري لعطا الزير و محمد جمجوم وفؤاد حجازي وسلفهم وتابعيهم ليومنا هذا من شهداء فلسطين، ومن عذابات الأسر والإبعاد والتشريد في مخيمات اللجوء والمنافي، وغير ذلك من صفوف المعاناة والقهر والإضطهاد التي انسابت في الوعي الفردي والجمعي لجيل بعد آخر وصولاً إلى جيل اليوم، جيل ما بعد "أوسلو"، من فتية فلسطين الذين أضاءوا شعلة الإنتفاضة الثالثة. فمَن من هؤلاء الفتيات والفتيان من ليس على صلة مع واحد أو أكثر من أوجه النضال والمعاناة التي مارسها وعايشها الفلسطينيون، والتي في مجملها تمثل المرتكزات والأبعاد القومية للقضية الفلسطينية إما بشكل مباشر أو من خلال حكايات الأجداد والجدات؟ ومن منهم ليس نتاج حقبة شهدت تحولات مجتمعية وثقافية جارفة اختلطت فيها عناصر الجاذبية الهائلة لبريق العودة إلى الأصول، وخاصة في ظل الإحباط الناجم عن فشل الأيديولوجيات التي سادت في فلسطين والعالم العربي خلال خمسينات وستينات القرن الماضي، مع المظاهر المختلفة لثورة المعلوماتية التي وضعتهم على اتصال مباشر مع أقرانهم في أصقاع المعمورة كافة وبما بعث فيهم الشعور بأن لهم من الملكة والقدرة ما للآخرين، ولكن دون إمكانية التعبير عن ذلك في وجه القدرة الهائلة للوضع القائم على مقاومة التغيير؟

نعم، فلنقل إنها الإنتفاضة الثالثة. وإن كان هنالك تباين في تشخيص ماهية التعاظم في منسوب الغضب الفلسطيني في هذه الأيام، فليس هنالك الكثير من التباين فيما يتصل بالأمل، إن لم يكن بالقناعة، بإمكانية هذه الإنتفاضة إحداث تغيير إيجابي على مجريات الأمور في فلسطين، ليس فقط بشكل مباشر، وإنما أيضاً من خلال إثارة الإهتمام مجدداً بالقضية الفلسطينية على الصعيدين الإقليمي والدولي المتخمين بالإنشغال التام بما آلت إليه الأمور في أعقاب تفجر الربيع العربي وما أسهمت به التداعيات المتصلة بذلك في تشكيل حالة غير مسبوقة من العنف والتطرف وعدم الإستقرار السياسي والأمني وحتى المجتمعي في العديد من دول المنطقة. وكذلك، إن كانت هنالك كوابح متصلة بالتخوف الطبيعي من المجهول أو التوجس من خسارة البعض للمنافع والمزايا المرتبطة بالوضع القائم، بما يبعث على التردد في الرهان على الإنتفاضة أو الإنخراط في الإسناد المجتمعي لها، فهنالك الكثير من القنوط من الوضع القائم وتعاظم في الشعور بعدم الرضا إزاء توفر ما يكفي من المنافع والفرص وعدالة توزيع ما هو متاح منها في ظل الإحتلال والإنقسام وضعف عام في الأداء. كما وهنالك، وربما ما هو أهم، تلاشي في قدرة النظام السياسي الفلسطيني على تقديم إجابات مقنعة للجمهور، وخاصة لفئة الشباب، في إطار فكرٍ سياسي متكامل. وعليه، وكمحصلة نهائية، من الواضح أن هنالك شعوراً واسعاً بأهمية توفير الظروف المؤاتية لاستدامة الإنتفاضة الحالية وتعظيم قدرتها على تحقيق المزيد من التأثير الإيجابي. والسؤال يكمن بطبيعة الحال في كيفية تحقيق ذلك.

كمدخل للنقاش حول هذه المسألة الجوهرية، ربما يكون من المفيد البدء بتناول ما ينبغي تجنبه. أولاً، من المستحسن التوقف والإحجام عن محاولة قولبة الإنتفاضة الحالية بما يحشرها في زاوية متطلبات الانسجام مع تصور مسبق لدى الأوساط القيادية السياسية للتماشي مع رؤية هذه الأوساط لما ينبغي أن تكون عليه الإنتفاضة لجهة الأهداف والوسائل. فمن جهة، لا أعتقد أن هنالك رؤية موحدة، أو بما يكفي من الوضوح، لدى القيادات السياسية حول هذه المسألة، الأمر الذي قد يؤدي، في حال الإصرار على إسقاط القولبة الفوقية على واقع الإنتفاضة، الى التجاذب والتشرذم، وربما إلى الإنتقاص من مكانة الإنتفاضة وواقعها كعنوان نضالي موحد لكل الفلسطينيين. ومن جهة أخرى، عندما تطغى روح الإدعاء بالفضل من منطلق سياسي تنافسي ويصبح إصدار البيان أهم من مضمونه، فإن من شأن ذلك أن يؤدي إلى وضع يصبح فيه هدف تحقيق الإستمرارية مبرراً للوسائل أياً كان شكلها، وحتى لو اشتملت على الإلقاء بأنفس الشباب إلى التهلكة. وبالإضافة لكون هذا المآل غير مقبول إنسانياً أو أخلاقياً، فإن من شأنه أن يؤدي أيضاً الى إجهاض الإنتفاضة عوضاً عن إذكاء روحها. ثانياً، ينبغي الإحجام عن تحميل الإنتفاضة الحالية ما لا طاقة لها به، سواء بالترويج لإمكانيتها على تحقيق أهداف غير واقعية على المدى القصير أو من خلال الدفع في اتجاه عسكرتها. وأخيراً، وليس آخراً، يجب توخي عدم الوقوع في مطب محاولة احتواء الإنتفاضة، والإمتناع حتى عن مجرد التفكير باللجوء للقوة لغرض لجمها أو احتوائها. وبخلاف ذلك، لا يمكن أن يؤدي مثل هذا التوجه إلا إلى تعميق الهوة بين القيادة والشعب، لا بل وربما إلى خلق حالة من التوتر الداخلي وعدم الإستقرار بما لا تحمد عقباه. فهذه ستكون خطيئة، ويجب اجتنابها تحت أي ظرف.

فيما سبق تأكيد على ما ينبغي تجنبه في إطار محاولة التعامل مع واقع الإنتفاضة الثالثة ومستقبلها. وأما بشأن ما يتعين عمله، فيكمن اساساً في محاولة الإستفادة سريعاً، وبشكل جوهري واستراتيجي، من الفرصة التي تتيحها هذه الإنتفاضة لوضع جوهر العلاقة الفلسطينية مع القوة المحتلة على أسس مغايرة تماماً لما تم اعتماده وممارسته على الأقل منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو بدءاً في عام 1993. وللتأكيد، ليس المقصود هنا الإسترسال في إطلاق الدعوات، لا من قبيل التلويح ولا من باب تكرار التأكيد، لإلغاء اتفاقيات أوسلو كلياً أو جزئياً، وتحت عناوين تراوحت بين رفع كلفة الإحتلال على القوة المحتلة وتحميلها المسؤولية الكاملة عنه، علماً بأن التداول بهذه الأفكار كان قد بدأ إبان ذروة الإنتفاضة الثانية بعد اجتياح جيش الإحتلال لمدن الضفة الغربية وعودة ما يسمى بالإدارة المدنية لتولي زمام إدارة شؤون المواطنين بصورة مباشرة، ثم امتد بعد سنوات ليصل إلى مراكز صنع القرار وليتم التعبير عنه رسمياً في مناسبات ومحافل عدة وصولاً إلى الرسالة التي وجهها الرئيس محمود عباس للعالم في خطابه الأخير من على منبر الأمم المتحدة. وعلى أهمية ذلك كله، لم تتم لتاريخه، وعلى مدار نحو عقد ونصف من الزمن، بلورة موقف يقضي بالشروع فعلاً في تنفيذ إجراءات عملية في إطار مفهوم جديد للعلاقة الفلسطينية الإسرائيلية قائم في جوهره على أساس مبدأ الندية والتكافؤ ومستمد من إصرار فلسطيني على التمسك بكافة ما كفلته لنا الشرعية الدولية من حقوق، وليس على أساس الإستعداد للإستمرار في الانخراط في عملية سياسية ابتزازية تفترض حتمية تقديم الفلسطينيين للمزيد من التنازلات وكأن لديهم الإستعداد لذلك بعد التنازل التاريخي والمؤلم عن حوالي 78 بالمئة من أرض آبائهم وأجدادهم، والذي أبدوا في عام 1988 الإستعداد لتقديمه في إطار تسوية شاملة.

في سياق التسلسل المنطقي للأمور، فإن عملية صياغة مفهوم جديد للعلاقة بيننا وبين القوة المحتلة تتطلب أولاً اعتماد برنامج وطني يحظى بالإجماع، أو بدرجة عالية من التوافق، من قبل أبناء وبنات الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. ولتسهيل السعي لتحقيق ذلك، قد يكون من المفيد الاسترشاد بتجربة الفلسطينيين انفسهم من خلال استعراض سريع للأهداف أو الأهداف المحتملة للمراحل المختلفة للنضال الفلسطيني منذ مطلع عشرينات القرن الماضي، حين كان جل الإهتمام الوطني مكرساً ليس لإقامة دولة فلسطينية وإنما لمنع اليهود من إقامة دولة على أرض فلسطين التاريخية. واستمر الحال على ذلك عبر ثورات الثلاثينات ووصولاً إلى إعلان قيام دولة إسرائيل في عام 1948. وخلال الحقبة الممتدة منذئذ وحتى أواسط الستينات، طغى على الفكر السياسي الفلسطيني في الغالب هدف السعي للقضاء على إسرائيل. ولكن، في اواخر ذلك العقد، ظهرت بوادر اتجاهين رئيسيين في دائرة الاهتمام السياسي الفلسطيني، تمحور الأول منها، حول تثبيت الهوية الوطنية الفلسطينية وصونها، وذلك بتأثير مباشر من وطأة النكبة وما تلاها من تكثييف في سعي المشروع الصهيوني لتذويب هذه الهوية وطمسها. وأما الإتجاه الثاني، فانصب على فكرة إقامة دولة فلسطينية ديموقراطية وعلمانية فيما تعود جذوره إلى الموقف الذي كان قد تبناه الشيوعيون. وربما كان أكثر صواباً ودقة القول، ولو عرضاً، إن الفكرة المذكورة تمحورت حول قيام الدولة وليس إقامتها، بمعنى أن الذهنية السياسية الفلسطينية التي سادت خلال عقد الستينات لم تُعن بمتطلبات إقامة الدولة وإنما افترضت أن ولادتها ستكون نتيجة مفروغاً منها حال القضاء على دولة إسرائيل.

ومع بداية تحقيق قسط لا بأس به من انجاز في حماية الهوية الوطنية الفلسطينية في سياق تكريس منظمة التحرير الفلسطينية كعنوان قومي للشعب الفلسطيني بحلول بداية السبعينات، برزت تحولات هامة في الفكر السياسي الوطني في اتجاه القبول بقيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل على ارض فلسطين. واكتسب هذا التحول زخماً لافتاً بعدما تم اعتماد "برنامج النقاط العشر" في عام 1974 بدعوى السعي لتحقيق ما أطلق عليه في ذلك الحين مسمى " الممكن الوطني"، وفيما تم تكريسه، بعد مد وجزر، في إعلان الاستقلال ومشروع السلام الفلسطيني إبّان ذروة قوة الإنتفاضة في عام 1988، والذي لم يُبق أي مجال للشك في استعداد الفلسطينيين للقبول بمبدأ ما تم التعارف عليه لاحقاً بمفهوم حل الدولتين.

قد يكون هنالك اليوم أكثر من رأي بشأن مدى التفاف الفلسطينيين حول رؤية سياسية موحدة وحول مدى تاثير ذلك على مسيرة النضال الوطني إبان وعبر الحقب المتتابعة في تلك المسيرة. ولكن، ما لاشك فيه أن لحظة إعلان الإستقلال في عام 1988 ربما مثلت محطة توافق فريدة من نوعها في تاريخ الشعب الفلسطيني ليس فقط لأنها كانت حصيلة جهد استثنائي في بلورة المطالب الفلسطينية في إطار مدعوم بقوة الشرعية الدولية وفي رحاب المجلس الوطني الفلسطيني، وإنما، وما هو أهم، لأنها لامست في الصميم وجدان الفلسطينيين في كافة اماكن تواجدهم وعبرت عن الوعي الجمعي لهم بما مثل عصارة معاناتهم وتضحياتهم عبر مسيرتهم الكفاحية الطويلة ممزوجة بوعد قرب الوصول. فمن منا لا يستشعر اليوم بقوة ذلك المشهد، وكأنه حصل البارحة، عندما استهل "أبو عمار" ذلك الخطاب الشهير بصوت مجلجل، دوَّى صداه في ساحات المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس وميادين فلسطين وفي زنازين أسرى الحرية في سجون الإحتلال، إذ قال: "إن المجلس الوطني يعلن باسم الله، وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف".

يمكن القول إن التوافق الذي حظي به بيان إعلان الإستقلال، والذي دام لفترة غير وجيزة، كان له، وبقوة دفع روح الإستنهاض الشعبي والوحدوي للإنتفاضة الأولى، أن يعمر أكثر لولا جاء التوقيع على أوسلو في عام 1993 ليفرط عقد التوافق الفلسطيني على رؤية سياسية موحدة، الأمر الذي لا يزال قائماً ليومنا هذا، وفيما أفرز أطول حقبة من التباين الجوهري في المواقف منذ عشرينات القرن الماضي. ليس هذا فحسب، وإنما، ما هو أكثر خطورة، أن الشرخ الذي وقع في ذلك العام تعمق ولا يزال يتعمق بمرور الزمن مع تبدُد الامل في إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حزيران 1967.

أمام هذا الواقع، والذي ازداد تعقيداً، وبشكل مضطرد، على مدار العقد الفائت نتيجة لحالة الإنقسام والتشرذم التي ألمَّت بالنظام السياسي الفلسطيني وأضعفت أداء مختلف مكوناته، وأيضاً لتطورات إقليمية ودولية أقصت القضية الفلسطينية عن دائرة الإهتمام المباشر على هذين الصعيدين، لا يبدو من المجدي الآن السعي لبلورة رؤية سياسية تحظى كافة مكوناتها وعناصرها بدرجة كافية من التوافق الوطني، لا لجهة أسس ومنطلقات هذه الرؤية ولا لجهة الآليات والأدوات اللازمة لتنفيذها. وعليه، لا يبدو من الواقعية بشيء توقع الوصول إلى مثل هذه الصيغة في الظروف الراهنة أو بالسرعة المطلوبة للإستفادة مما تتيحه الإنتفاضة الحالية من فرص لوضع جهد الكل الوطني على مسار يبعث الأمل مجدداً في إمكانية هذا الجهد تصويب مسيرة النضال الفلسطيني وتعزيز قدراتها. وعليه، وعوضاً عن الإستمرار في توخي السعي لتحقيق الأمثل، الأمر الذي، وللأسف، لم ينعكس لتاريخه سوى بالحديث عنه والتبشير بمزاياه، وبما أفضى إلى تدهور خطير في مكانة ومصداقية مختلف مكونات النظام السياسي الفلسطيني، قد يكون من الضرورة بمكان المبادرة لبلورة برنامج سياسي يُعبَّر عنه ليس بلغة حمالة أوجه، كما حصل سابقاً وتكراراً، وإنما بدرجة عالية من الوضوح والتحديد في إطار جامع ومتفق عليه لبرنامج عمل لا يتطلب الشروع في تنفيذه الموافقة الفورية من قبل جميع الاطراف على كافة أسسه ومكوناته. وتحديداً، فإنني أقترح ما يلي:

أولاً: من منطلق الحرص على تبديد أي شك على الساحة الداخلية بشأن ما آل إليه موقف منظمة التحرير الفلسطينية فعلاً في ضوء ما اعترى مرجعيات "عملية السلام" من تآكل خطير بعد ما يزيد عن عقدين من فشل جولات متكررة من المفاوضات مع إسرائيل، وبما انعكس في تشكيل حالة من التوجس إزاء ما شاع من توقعٍ بحتمية تقديم الفلسطينيين المزيد من التنازلات في إطار أية تسوية دائمة وفق إطار التفاوض القائم منذ عام 1993، يتم التأكيد من قبل المنظمة على التمسك التام بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني كما عرفتها الشرعية الدولية، وفي مقدمتها الحق في عودة اللاجئين إلى ديارهم، والحق في تقرير المصير وفي دولة كاملة السيادة على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة في عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ويوفر مثل هذا التأكيد، ودون احجاف (كما هو مبين تالياً) بموقف الأطراف الفلسطينية المعارضة حالياً لمفهوم حل الدولتين، أداة لتحقيق هدف مزدوج، يتمثل الشق الأول منه في إرسال رسالة واضحة مفادها أن لا استمرار في التفاوض على أساس المنهج القائم، وإنما، وبما يمليه مبدأ الندية والتكافؤ، على أساس الإعتراف بحقوقنا الوطنية كمدخل لا يمكن القفز عنه. فالمبدأ المذكور لا يجيز تغليب الرواية التاريخية لجانب على حساب الرواية التاريخية للجانب الآخر، كما حصل، للأسف، في تصميم حجر الأساس في اتفاقيات أوسلو، والمتمثل فيما يشار إليه جزافاً "بالإعتراف المتبادل" لكونه نص صراحة على اعتراف منظمة التحرير "بحق دولة إسرائيل في الوجود بأمن وسلام" مقابل اعتراف إسرائيلي فقط بتمثيل منظمة التحرير للفلسطينيين. وفي التباين الواضح في طبيعة هذين الإعترافين خلل جوهري لأن فيه تغليباً واضحاً للرواية التاريخية الإسرائيلية على حساب روايتنا التاريخية، وبالتالي انتقاصاً من حقوقنا الوطنية التي كفلتها الشرعية الدولية. هذا هو الأساس. ولكن، من جهة أخرى، فقد وضعت صيغة الإعتراف هذه الفلسطينيين منذ البداية، وحتى قبل الشروع في التفاوض على معايير الحل، في موقف المتلقي الذي يجب أن يكون ممتناً لأي فتات تلقيه إسرائيل تجاهه. ما هكذا يصنع السلام، وهذا ما يجب أن يفهمه العالم، وفي الأساس قادة إسرائيل. إذ كما دوَّن محمود درويش في "رسالة الشعب الفلسطيني" في الذكرى الثالثة والخمسين للنكبة: "لا سلام بين سادة وعبيد". وفي هذا التوقيت بالذات، فإن لمثل هذه الرسالة قيمة إضافية تكمن في التأكيد على أن الإنتفاضة الحالية، كسابقتيها وسائر هبات وثورات الشعب الفلسطيني، لا تعني تخلي الفلسطينيين عن مطلب السلام، وإنما عن رفضهم المطلق للاستكانة أو الاستسلام في وجه منطق القوة المتمثل في جبروت الإحتلال وطغيانه.

أما الشق الثاني للهدف من التأكيد على التمسك بحقوقنا الوطنية كافة، فيكمن في أنه يمثل مدخلاً هاماً للشروع الفوري في إنهاء حالة الإنقسام والتشظي في النظام السياسي الفلسطيني، والتي على خلفية الفشل المتصل في إنهائها، رغم الإدعاء المتكرر بضرورة ذلك، أضعفت القدرة الفلسطينية على السعي الفاعل لنيل الحقوق وأفضت، في ظل التفشي المتعاظم للشعور ليس فقط بالعجز وإنما بعدم توفر النية لطي صفحة الإنقسام، إلى تدهور غير مسبوق في مكانة النظام السياسي القائم برمته. فها هم شباب الإنتفاضة الثالثة ولسان حالهم يقول: "لقد سئمنا الإنتظار. ها نحن قررنا الأخذ بزمام الأمور، وبادرنا، سوياً وموحدين، للتعبير عن تصميمنا على رفض كسر أو تطويع إرادة شعبنا من قبل الغاصب المحتل. لا، لن ننتظر توجيهاً من أحد، ولم نعد نحتمل أي منطق تبريري لتفسير الفشل في تمتين الجبهة الداخلية أو قصر اليد في مواجهة الامعان في الاستهتار بحقوقنا. لا، وألف لا للتبرير. وللبكائيات نقول: وداعاً، وإلى الأبد".

ثانياً: بالرغم من الإنشغال الآني في مقتضيات التعامل مع الوضع الناشىئ عن الإنتفاضة الحالية، لا بل من أجل أن تكون منطلقات هذا الإنشغال إيجابية لجهة الحرص على توفير كل الظروف المؤاتية لتعظيم قدرة الإنتفاضة على النجاح، وللبناء السريع على طابعها الوحدوي وقدرتها التوحيدية، يجب الشروع في اتخاذ إجراءات عاجلة كفيلة بوضع حد نهائي لحالة الإنقسام والتشظي في النظام السياسي الفلسطيني. ويتطلب هذا بالضرورة البدء من العنوان الأكثر أهمية في الوقت الحاضر، ألا وهو قطاع غزة.

هذا هو الخيار الصحيح لسببين، وهما الحاجة الملحّة للتعامل مع الأوضاع الإنسانية الكارثية في القطاع، وكذلك من منظور استراتيجي، نظراً للحاجة إلى إعادة إدماج قطاع غزة، كجزء لا يتجزأ من النظام السياسي الفلسطيني، كشرط أساسي على درب السعي لنيل حقوقنا الوطنية.

تتطلّب إعادة الإدماج هذه اتخاذ خطوات جادة نحو الشروع في إدارة التعددية الفلسطينية بطريقة ناجعة، فيما يتعلق بمتطلبات إدارة الشأن الداخلي الفلسطيني والعلاقات الدولية، على حد سواء. وهذا بدوره يتطلّب الدعوة لانعقاد وتفعيل إطار القيادة المؤقت لمنظمة التحرير بصفة فورية، وضمان تَمكُّن حكومة ممثلة لكافة مكونات الطيف السياسي من ممارسة صلاحياتها كاملة، وكذلك إعادة انعقاد المجلس التشريعي.

عبر تكليف الإطار القيادي المؤقت باتخاذ قراراته بشأن المسائل المتصلة بالمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني بصورة جماعية لتشكل أساساً للتعبير عنها من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، تضمن الفصائل من خارج منظمة التحرير، ودون القبول بالبرنامج السياسي للمنظمة، شراكة حقيقية في سعي الفلسطينيين لتحقيق طموحاتهم الوطنية، وفي ذات الوقت تتمكن المنظمة من الحفاظ على برنامجها وتمثيلها لكل الفلسطينيين. وبطبيعته، فإن هذا التدبير يمثل وضعاً انتقالياً لحين إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني أو، إلى أن يتم ذلك، لحين التوصل إلى صيغة توافقية بشأن توسيع العضوية في منظمة التحرير وتعديل برنامجها.

يجب أن تُكلَّف الحكومة، المخولة بممارسة كامل الصلاحيات الممنوحة لها بموجب القانون الأساسي والمدعومة بمشاركة جميع الأطياف والقوى السياسية، بشكل أساسي بالمهمة المزدوجة، لجهة إعمار غزة وإعادة توحيد المؤسسات الفلسطينية والأطر القانونية في الضفة الغربية وغزة. ويجب أن يتم ذلك في ظل المساءلة الكاملة التي تتأتى بالانعقاد الفوري للمجلس التشريعي، والذي من شانه أيضاً أن يسهم بشكل مباشر كرافعة أساسية لمنظومة متكاملة من الحكم الرشيد والإدارة السليمة.

وأما في الشأن السياسي، فأرى أن تقتصر مداولات إطار القيادة المؤقت في المراحل الأولى لانعقاده على الحاجة لإنجاز الاجندة الوطنية الداخلية، خاصة فيما يتعلق بتكثيف الجهد لتوفير مقومات صمود شعبنا، وخاصة في القدس، وإعادة إعمار قطاع غزة وتوحيد المؤسسات والأطر القانونية والتنظيمية بعدما يزيد عن ثماني سنوات من الإنفصال. وعليه، من المنطقي أن يكون هنالك تزامن بين المهلة اللازمة لإنجاز هاتين المهمتين الرئيسيتين وبين مهلة ما يمكن التوافق عليه بشأن موضوع الهدنة الذي تم التداول حوله مؤخراً فيما يتعلق بالوضع في قطاع غزة، وبما يمهد لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يحدد سقفاً زمنياً مؤكداً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي بنهاية مدة الهدنة.

إذا أخذنا هذه الإجراءات ككل متكامل، إضافة إلى التزام قطعي بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وتضم الجميع في أجل لا يتجاوز ستة أشهر قبل نهاية المدة المذكورة أعلاه، فإن من شأن ذلك أن يمثّل خطوة حاسمة في تحقيق التمكين الذاتي الفلسطيني. وهذه الخطوة يمكن أن تكتسب قدرة تحوّلية كافية في اتجاه معالجة، على الأقل، بعض مكامن الضعف الأساسية المتأصلة في النهج الذي تم اعتماده في التعامل مع إسرائيل في إطار اتفاقيات أوسلو، وخاصة فيما يتعلق بمسألة التمثيل الفلسطيني في ضوء تعاظم مكانة فصائل سياسية غير ممثلة بعد في منظمة التحرير. وبالإضافة لذلك، فإن من شأن الإلتزام الجاد بإجراء انتخابات عامة، وفي هذه المرحلة بالذات، ارسال رسالة هامة لشباب فلسطين بشأن الحرص على إشراكهم الفاعل في صنع القرار، وخاصة بعد انقضاء عقد من الزمن منذ إجراء انتخابات عامة وما نتج عن ذلك من تهميش لدور قطاع الشباب وربما أيضاً لتفشي شعور واسع بالإغتراب في أوساط هذا المكون الهام من مكونات مجتمعنا.

لكن حتى تتحقق تلك الإمكانية، يجب عدم الإلتفات لاستمرار بعض مكونات المجتمع الدولي في الإصرار على التطبيق التام لما يسمى بمبادىء اللجنة الرباعية، والمتمثلة أساساً في توقع التزام أية حكومة فلسطينية باتفاقيات أوسلو، علماً بأن المقابل المفهومي لهذه المبادئ في الجانب الإسرائيلي، أي قبول حق الفلسطينيين في قيام دولة مستقلة، لم يتمّ أبداً توقّعه رسمياً من قبل المجتمع الدولي من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ أوسلو. مرة أخرى، هنا ايضاً يجب الإحتكام لمبدأ الندية والتكافؤ. إذ لا يجوز القبول بواقع يقضي بالتزام كافة مكونات النظام السياسي الفلسطيني بأمر لا يوافق عليه حتى مجرد عضو واحد في الحكومة الإسرائيلية. ومن من قادة إسرائيل يدعي بخلاف ذلك، أو يزعم أنه موافق على مفهوم حل الدولتين، عليه أن يوضح، خاصة في ضوء ما هو معلوم جيداً عن جوهر الرؤية الإسرائيلية، أن ما يقصده بالفعل ليس دولة مسخ أو فتات.

بطبيعة الحال، لا يمكن تجاهل الحاجة للنقاش بعمق في موضوع البرنامج الحالي أو المستقبلي لمنظمة التحرير. ولكن، هنالك نقطة خلاف جوهرية تقع في صلب هذا البرنامج، ألا وهي تلك التي تتمحور حول مفهوم حل الدولتين من أساسه، والتي اكتسبت أهمية بارزة بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو، وعلى نحو متعاظم بسبب فشل الرهان على إمكانية اطار أوسلو انجاز دولة فلسطينية مستقلة بحلول نهاية الفترة الإنتقالية، والتضاؤل المضطرد منذئذ، تحت وطأة المشروع الإستعماري الإستيطاني وانتهاكات الإحتلال الأخرى، في الإعتقاد بإمكانية قيام هذه الدولة. وللتعامل مع هذه المسألة الجوهرية، ليس من المستحسن إطلاقاً اللجوء إلى صياغات مبهمة أو حمالة أوجه. بل يجب الإقرار بجوهرية ومشروعية الخلاف، ولكن ايضاً بصعوبة حسمه بالسرعة المطلوبة. وعليه، قد يكون من المناسب اعتماد نهج يقضي بإرجاء البت في هذه المسألة إلى أجل مسمى، وتحديداً إلى أجل مسقوف بنهاية مهلة الهدنة المشار إليها أعلاه، والمتزامنة أيضاً مع الموعد الأقصى لإنهاء الإحتلال. ومما يعزز القناعة بإمكانية التوافق على هذا النهج ما سبق ذكره بشأن التأكيد على الإقرار بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بما فيها الحق في دولة كاملة السيادة على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كمدخل لأية عملية سياسية مستقبلية. فلم الخلاف اليوم، وبما يعيق المسيرة الوطنية، على أمر لن يكون خلافياً إن لم تلتزم إسرائيل بكل ما ورد أعلاه، أو يمكن البت فيه إن حصل والتزمت؟

ثالثاً: بالتوازي مع كل ما ذكر أعلاه، لا ينبغي التوقف، ولو للحظة، عن الإنخراط التام، وعلى كل المستويات الرسمية والأهلية والشعبية، في دحر الإحتلال وبسط واقع الدولة الفلسطينية على الأرض بالرغم من الإحتلال وعلى درب إنهائه. ويعني هذا بالضرورة تركيز الجهود على تعزيز القدرة على البقاء المقاوِم في وجه الإحتلال وممارساته، وخاصة في القدس والمناطق المسماة "ج"، بما فيها الأغوار. وبالإضافة للمنطق الذي لا يحتاج إلى الكثير من البيان بهذا الشأن لكونه ليس إلا ترجمة عملية لشعار الصمود الذي يتبناه الفلسطينيون كافة، فإن فيه أيضاً تنفيذاً لمطلب الإنعتاق من أوسلو التي قضت باستثناء القدس من النشاط الرسمي للسلطة الوطنية وبقيود مكبلة جداً تصل إلى منع نشاطها في حوالي 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، بما يشمل منطقة الأغوار.

وكذلك، فإن الإنخراط في بسط واقع الدولة وتجسيدها على الارض يمثل في جوهره، وكمكون أساسي لرؤية سياسية متكاملة، تجسيداً عملياً للمفهوم الأساسي للإنتفاضة، والمتمثل في إذكاء روح المشاركة الشعبية لاستنهاض الجهود والطاقات على كافة المستويات وتسخيرها لدعم البقاء الفلسطيني المقاوم على أرض فلسطين وصولاً إلى دولة المؤسسات وسيادة القانون، دولة احترام الفكر والمعتقد، دولة ديموقراطية تزهو بتعدديتها ويسودها العدل وتكافؤ الفرص، دولة تحرص على كرامة مواطنيها ويصون دستورها الحريات و الحقوق الفردية والجماعية وتتكيف أنظمتها وقوانينها وفق المستجدات ومتطلبات الحداثة، دولة عصرية تطلق العنان لإعمال العقل والإبداع و التميُّز، وتوفر الرعاية والحماية لفئات المجتمع الأقل حظاً.

 

هذا هو طريق الإسناد الفعلي للإنتفاضة، وهكذا يُجسّدُ شعار "الوحدة والعدالة والنظام" الذي طالما نادى به المناضل حيدر عبد الشافي كشرط لإنهاء الإحتلال واسترداد الحقوق. إنها لحظة الحقيقة التي لا مجال للهروب منها.

 

وأخيراً وليس آخراً، لابد، على درب بسط واقع الدولة وتجسيدها على الأرض، من الحرص على المثابرة، وبكل عزيمة وإصرار، على مراكمة الإنجازات والبناء عليها، وبما يشمل الإستفادة من رفع مكانة عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ليس فقط على الصعيد الخارجي، على أهمية ذلك، وإنما أيضاً على أرض فلسطين نفسها بالتصرف بمنطق الدولة، من وحي القيم السامية المشار إليها أعلاه، وأيضاً بما يشمل السعي الحثيث لفرض وجود مؤسسات الدولة في كافة ارجاء الوطن ودونما اي اعتبار للتصنيفات المجحفة التي ولّى زمنها حتى قبل انقضاء حقبة اوسلو الإنتقالية. فهذا حق. وهو أيضاً واجب في كل الظروف، ولكنه بات ملحاً في مجال الأمن لتوفير الحماية اللازمة لمواطنينا في وجه المستوطنين الإسرائيليين وإرهابهم، وبما يشمل بشكل رئيسي نشر "الجيش" (كما كان يحلو لأبو عمار أن يسمي قوات الأمن الوطني) في كافة مناطقنا الريفية وتجمعاتنا البدوية، وبزيه العسكري. ولعل في مثل هذا الإجراء، في هذا التوقيت بالذات وعلى خلفية الشك والتشكيك بمصير كياننا الوطني ووحدة حالنا، أيضاً رسالة أخرى في منتهى الأهمية مفادها "إنا هنا باقون".