جيل "أوسلو" فلسطينيون متعلمون يملؤهم الغضب

12167406_878305415557451_762264072_n
حجم الخط

سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على جيل أوسلو من الفلسطنيين المتعلمين، وقالت الصحيفة الفرنسية إن هؤلاء الشباب وُلدوا في وقت قريب من اتفاقات أوسلو 1993 التي كان من المفترض أن تساهم في السلام في الشرق الأوسط، مضيفةً إنهم مستنيرون ولديهم خيبة أمل وغاضبون جداً.

يبدو منزل عائلة حلبي، ببوابته الحديدية التي تحيط بها الزهور والشجيرات، واسعاً ومثيراً للإعجاب. ولكن لا يوجد به أثاث سوى مرتبتين في إحدى الزوايا وبعض الكراسي البلاستيكية. قرر المقيمون الرحيل في عجلة من أمرهم، لأن إسرائيل أنذرتهم بهدم المنزل.

في الوقت الراهن، ترحب الأسرة بالضيوف في الغرفة الفارغة من منزلهم في "سرداً" قُرْب رام الله. يتدفق أبناء العمومة والأصدقاء والجيران وحداً تلو الآخر لتقديم العزاء في وفاة مهند الحلبي البالغ من العمر 19 عاماً، الذي أُصيب بعيار ناري وقُتل على يد الشرطة الإسرائيلية بعد طعن إسرائيليين اثنين حتى الموت في مدينة القدس القديمة في 3 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.

مهند الحلبي

كان مهند الحلبي طالباً في كلية الحقوق بجامعة القدس في القدس. قبل بضعة أيام من شن الهجوم، حضر حفلاً في ذكرى شاب قُتل على يد القوات الإسرائيلية قرب الخليل. وكتب في ذلك المساء رسالة على الفيسبوك: "بعد ما رأيته اليوم، فإنني على ثقة من أن هذه الجامعة ستخرج جيلاً سوف يسير على خطاه".

نوبة غضب على فيس بوك

تقول الصحيفة: كانت نوبة غضبه واضحة على صفحته بالفيس بوك. وركزت رسالاته الأخيرة في معظمها على "المسجد الأقصى"، ثالث أقدس موقع في الإسلام، ويقع في القدس الشرقية والمعروف لدى اليهود باسم "جبل الهيكل".

وأشارت الصحيفة إلى أنه شهدت الأعياد اليهودية مؤخراً أحداث عنف شبه يومية بين الجنود الإسرائيليين والمتظاهرين الذين تحصنوا داخل المسجد لمنع الجماعات اليهودية المتطرفة من زيارة الموقع. وكتب حلبي: " غضب وغضب وغضب. أفيقوا من سباتكم انصروا الأقصى وأحراره. فلتشتعل الثورة!"

يقول والده شفيق الحلبي، البالغ من العمر51 عاماً، أنه لم تكن لديه فكرة بأن ابنه لديه كل هذا الغضب الذي دفعه لقتل الناس. يقول بحزن: "لم أكن أعتقد أنه كان يمتلك بكل هذه المشاعر في داخله، وأنه كان قادراً على ذلك. إنه جيل نشط جداً وعاطفي. ولا يمكننا كآباء السيطرة عليهم. فهم يرون الهجمات اليومية التي يرتكبها المستوطنون والجنود الإسرائيليين. مات ابني بسبب الاحتلال وجرائمه".

تصاعد حدة الصراع

ولفتت لوموند النظر إلى تصاعد حدة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مرة أخرى خلال الأسبوعين الماضيين، إلا أن شيئاً ما كان مختلفاً هذه المرة. لسنوات، كان هناك وهم اسمه الوضع الراهن. لم يكن هناك أي تقدم سياسي واضح. وفي الوقت نفسه، كان المستوطنون يتعدون على الأراضي الفلسطينية، قطعة بعد أخرى، دائسين بأقدامهم على القانون الدولي. في الضفة الغربية، كان الغضب يتجدد ويزدهر بين الشباب، الذين يُطلق عليهم "جيل أوسلو".

تتراوح أعمال هذا الجيل بين 16 و 25 سنة؛ فقد ولدوا في وقت قريب من اتفاقية أوسلوا الإسرائيلية الفلسطينية عام 1993 في واشنطن، التي مهدت الطريق لتحقيق السلام وإقامة دولة فلسطينية. ولكن كانت هناك تنازلات وأكاذيب وأعمال عنف وحروب كثيرة في غزة منذ ذلك الحين. وساء من الوضع افتقار النظام السياسي الفلسطيني القديم إلى الشرعية لعدم وجود انتخابات. وقد وجد هؤلاء الشباب طرقاً أخرى للتعبير عن أنفسهم؛ بمعنى أكثر تحديداً وسائل الإعلام الاجتماعي والعنف. فهم يتبادلون لقطات الفيديو الوحشية للعسكرية الإسرائيلية والاشتباكات في كتائب شهداء الأقصى.

الدفاع عن التضحية البشرية

يبلغ الشاب "عنان آر." من العمر 22 سنة ويعيش في بيرزيت، شمالي مدينة رام الله. يقدّم نفسه بأنه "ناشط سلام" ويتحدث ببلاغة- بهوية مجهولة- عن جيله، حيث يقول: "لا يتعلق الأمر بالانتفاضة الثانية في العقد الأول من الألفية الثانية. يتمتع الجيل الحالي بميزة واحدة: لم نعد جهلاء. فلدينا إمكانية الوصول إلى الأعمال الأكاديمية حول تاريخنا، وإمكانية الوصول إلى مصادر لا حصر لها من المعلومات. ونفهم وسائل الإعلام الإسرائيلية بصورة أفضل كثيراً، ولدينا قدرة على التفاعل كبيرة جداً".

يعتمد عنان على الفيس بوك كثيراً، "نظرا لعدم وجود أي مصادر أخبار موثوقة في فلسطين". يحدوه الأمل في أن يصبح مهندساً، وقد سافر كثيراً إلى كل من إسرائيل والولايات المتحدة. ويتفهم منطق أولئك الذين يختارون مسار العنف. "من الناحية التاريخية، كانت التضحية البشرية دائماً هي الطريقة التي حصل بها الناس على حقوقهم".

يراقب العديد من الخبراء هؤلاء المتظاهرين الذين ترتبط عقليتهم وطريقة تفكيرهم بالماضي، حيث يتخيلون خيوطاً خفيةً تسيطر على تحركاتهم، يمسك بها محركو دمى فلسطينيون لهم أهداف مظلمة. ويعتقد القادة الإسرائيليون أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، الذي استمر في لعب لعبة التنسيق الأمني مع إسرائيل. ولكن هذا النهج يستبعد عنصراً حاسماً يحدده الناشط والسياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي.

يقول البرغوثي: "الشارع له ديناميكيته الخاصة. اعتقد الإسرائيليون أنهم كانوا يستطيعون إخضاع هذا الجيل الجديد، لكن اتضح أنه من بين الأجيال الأكثر وطنية وجرأة. فهو يشبه شباب الربيع العربي. ونتيجة لذلك، فإن كل الأطروحات القديمة في حالة فوضى أو إنكار كاملة".

في باحة جامعة بيرزيت، يتجمع المئات من الطلاب الذين يردون على المكالمات الآتية من الاتحادات الطلابية. يستمع أساتذة والعديد من النساء الشابات، اللاتي يرتدين الحجاب أو الملابس الغربية، إلى الخطب الحماسية التي تتخللها الهتافات الوطنية. هناك دعوة للوحدة والمقاومة والتغلب على الانقسامات القديمة بين الجماعات المختلفة.

وبصرف النظر عن الحشد، يدردش مؤمن مسامح مع أصدقائه الذين يدرسون مثله ليصبحوا مهندسين. يرتدي الشاب ضئيل الحجم البالغ من العمر 18 عاماً نظارة ماركة هوغو بوس، ويبدو غير مؤذٍ تماماً، ولكن الكلام الذي يخرج من فمه مرعب نوعاً ما، على حد وصف الصحيفة: "أنا لا أؤمن بالمقاومة السلمية. أوسلو تعني فقدان أراضينا. وما أُخذ بالقوة لا بد من استعادته بالقوة. ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه".

يعيش مؤمن في طولكرم، في المنطقة الشمالية. يركب الحافلة كل يوم إلى الجامعة في رحلة تستغرق ساعة واحدة عادةً. لكن في الآونة الأخيرة، تستغرق الرحلة ساعتين بسبب القيود الإسرائيلية على الطرق. ورداً على سؤال "لوموند"عما إذا كان يمكنه المقاومة شخصياً، قال: "بطبيعة الحال، أنا على استعداد للتضحية بنفسي. وستفخر أمي بذلك".

يعتقد مؤمن أنه لا يوجد فرق بين مهاجمة جندي ومدني. "فالمدنيين يخدمون في الجيش كضباط احتياط. والنساء أيضاً". وردا على سؤال آخر للصحيفة حول ما اذا كان قد قابل أحد الإسرائيليين، قال: "نعم، قابلت أحدهم. كان في الواقع يهودياً من سوريا".

غرباء في أرض واحدة

معظم الطلاب يقولون أنهم لم يلتقوا مع الإسرائيليين أبداً. يقول قُصيْد قدوني (18 سنة): "لا أريد مقابلة أيّا منهم. عندما يتركون الأرض المحتلة منذ عام 1967 (وحرب الأيام الستة)، ساعتها يمكننا التحدث. لا يمكننا الانتظار. يجب أن يعود اليهود إلى حيث أتوا، إلى أوروبا والولايات المتحدة". يعمل أبوه كهربائياً وأمه صيدلانية، ويريد قُصيد أن يصبح مهندس كمبيوتر. ويؤيد قُصيد طعن الإسرائيليين: "لأنها دعوة للاستيقاظ بالنسبة لنا جميعاً".

خارج المخرج الشمالي لمدينة رام الله، بالقرب من نقطة التفتيش، يناضل المئات من الشباب كل يوم مع القوات الإسرائيلية، على مسافة ليست بالبعيدة عن محطة وقود. يأتي كثير من هؤلاء الشباب بعد المدرسة بحقائبهم المدرسية التي لا تزال على ظهورهم. هناك أيضا فتيات محجبات.

جاء رامي مصلح، وهو طالب الأدب البالغ من العمر 19 عاما، ليدلي بشهادته. ولكن والدته ترجوه على الهاتف أن يعود إلى المنزل ويبقى بعيداً عن المشاكل. يقول مبتسما: "أصغي لها، ولكن ليس على الدوام". بعدها يتحدث عن المشاكل مع الاحتلال الإسرائيلي، قائلاً: "مشكلتنا الرئيسية هي الطرق. نحن تحت الحصار، وتحيط بنا المستعمرات. هناك حواجز بين القرى. ولا يسمحون لنا بالذهاب إلى المسجد الأقصى لأننا لا نحمل تصاريح بذلك".

وتشير الصحيفة إلى أنه لم يأت رامي ولا غيره من الطلاب على ذكر الحاجة إلى قيام دولة فلسطينية.

في منزل العائلة في سردا، تتوقع أسرة حلبي أن يعود الجنود الإسرائيليين إليهم في أي وقت. هناك شخص واحد فقط يشكّك في "تضحية" حلبي؛ وهذا الشخص هو مهند يونس البالغ من العمر 19 عاماً، وهو صديق لمهند يعمل حلاقاً في حين يدرس إنتاج الفيديو. اعتاد التدخين أو شرب الصودا مع مهند الحلبي. وقد جاء لتقديم واجب العزاء للأسرة، ولكن لم يكن هذا يعني تغاضيه عن الواقعة.

يقول يونس: "ما فعله مهند كان غير مقبول. سيكون هناك عقاب جماعي من الإسرائيليين، ولن تتمتع فلسطين بحرية أكبر. أولئك الذين على استعداد لارتكاب مثل هذه الأعمال يشكّلون الاستثناء. أما نحن، فمعظمنا لا يهتم بالسياسة. نحن أكثر اهتماماً بالطريقة الغربية للحياة".