يمكن أن يولد بايدن زخما للسلام الإسرائيلي – الفلسطيني

حجم الخط

معهد الشرق الأوسط – نمرود غورين

كل من يقدّر تقدم السلام الإسرائيلي-الفلسطيني كشيء عزيز كان منشغلاً خلال السنوات الأربع الماضية باحتواء الضرر الذي ألحقه الرئيس ترامب بآفاق حل الدولتين. ويبشر انتصار بايدن بالتغيير. وفي حين أنه من غير المرجح أن تحتل القضية الإسرائيلية-الفلسطينية واستئناف المفاوضات مكانة بارزة على جدول أعماله في أي وقت قريب، فإن انتخاب بايدن يخلُق زخمًا إيجابيًا متجددًا. ولتحقيق أقصى استفادة من هذا الزخم، سوف يتعين على الإدارة الأميركية عكس سياسات ترامب، وإعطاء القضية أولوية أكبر من المتوقع، وتعزيز تعددية الأطراف بفعالية، والاستفادة من التغييرات التي تشهدها الساحة الإقليمية.

ما التغييرات التي يجب أن يجلبها بايدن؟

يميل الرؤساء الأميركيون القادمون إلى تبني سياسات تتعارض تمامًا مع سياسات أسلافهم من أجل التعبير عن تغيير في الاتجاه. وفي أغلب الأحيان، يظهر هذا التغيير على أنه قسري وغير ضروري من منظور السياسة. لكن هذا ليس واقع الحال هذه المرة. فقد ابتعد ترامب كثيراً عن المواقف الأميركية التقليدية، بحيث سيتعين على بايدن نقض السياسة التي انتهجها في العديد من القضايا. ومن حيث الشخصية والبوصلة الأخلاقية، فإن الرئيس المقبل هو أيضًا نقيض ترامب القطبي. وسوف تظهر هذه الاختلافات بلا شك في التعامل مع القضية الإسرائيلية-الفلسطينية.

لتجديد جهود السلام، سيتعين على بايدن تحديث السياسة الأميركية بسرعة. وهذا يعني الانسحاب من “صفقة القرن” التي وضعها ترامب، والتعبير عن التزام متجدد بحل الدولتين، ومعارضة الخطوات التي تقوضه وتحفيز أولئك الذين يشجعونه. وسوف يتعين على بايدن أيضًا نقض قرارات ترامب التي أضعفت القادة الفلسطينيين المعتدلين. وسيتعين عليه استعادة، بل وزيادة، التمويل الأميركي المعلق للفلسطينيين (بما في ذلك المنظمات الإسرائيلية والفلسطينية المؤيدة للسلام)، وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية (وعدم إخضاعها للسفارة الأميركية في إسرائيل)، ودعوة الممثلين الفلسطينيين للعودة إلى مكاتب بعثتهم في واشنطن التي أغلقها ترامب. وسوف يؤدي تغيير السياسات وعكس القرارات إلى تمكين إدارة بايدن من بناء الثقة مع السلطة الفلسطينية وعلاج الانقسام الذي تسبب فيه ترامب. وستكون لدى الولايات المتحدة مرة أخرى قنوات اتصال مفتوحة وفعالة مع كلا الجانبين، ما يسمح لها باستئناف دور الوسيط الذي لعبته (ليس دائمًا بنجاح) على مدى عقود.

تقول الفكرة السائدة إن القضية الإسرائيلية-الفلسطينية لن تكون من أولويات إدارة بايدن. ولذلك، فإن الكثيرين في معسكر السلام مقتنعون بأنه لا ينبغي لهم أن التعلق بالكثير من الأمل، لا سيما بالنظر إلى التحديات المحلية المتعددة التي تواجه الإدارة الجديدة. وقد يكون الأمر كذلك، لكنه ليس حتمياً بالضرورة. من واجب الإسرائيليين والفلسطينيين المؤيدين للسلام أن يوضحوا لإدارة بايدن الأهمية القصوى لهذه القضية. وقد أصبحت العقبات أمام السلام تتراكم. ولحق ضرر جسيم في السنوات الأخيرة بآفاق السلام، وهو ضرر يجب إصلاحه. وتسعى الحكومة اليمينية في إسرائيل إلى جعل حل الدولتين غير قابل للتطبيق، كما أن الاتجاهات الداخلية في إسرائيل وبين الفلسطينيين لا تبشر بالخير بالنسبة للسلام أيضًا. وفي مواجهة هذا الواقع، يجب على البيت الأبيض الذي يرأسه بايدن إيضاح أن القضية الإسرائيلية-الفلسطينية مهمة وعاجلة، وأن حل النزاع ضروري وممكن، وأن تعزيز الحوار والتعاون بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو شأن حيوي لتحقيق هذه الغاية. ومن شأن مثل هذه الرسائل، حتى لو لم تكن مصحوبة في البداية بتحركات سياسية مهمة، أن تمكّن دعاة السلام الإسرائيليين والفلسطينيين، وستساعد على إعادة تشكيل الخطاب العام في إسرائيل.

آمال التعددية

ثمة وجهة نظر أخرى مقبولة هذه الأيام أيضاً، وهي أن بايدن سيعزز نهجًا متعدد الأطراف للسياسة الخارجية للولايات المتحدة. ومن خلال تبني مثل هذا النهج، ستعيد إدارة بايدن أسلوب إدارة أوباما للسياسة الخارجية، وتستجيب للحاجة إلى عمل مشترك في مواجهة أزمة “كوفيد-19″، وتعمل على رأب الصدع عبر المحيط الأطلسي الناجم عن موقف ترامب المتحدي تجاه الاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو”. وقد يكون مثل هذا النهج متعدد الأطراف مفيدًا لعملية صنع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، خاصة إذا تم تطبيقه بطريقة أكثر فاعلية مما فعل أوباما. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تظل مركزية على المسرح العالمي، إلا أنها لا تستطيع حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بمفردها. وقد أدركت الإدارات الأميركية السابقة هذه المحدودية، لكنها تعرضت لضغوط شديدة للعمل وفقًا لها. وبينما تحدثت الولايات المتحدة عن تعددية الأطراف، واتخذت خطوات معينة في هذا الاتجاه، فإنها لم تكن قادرة على تغيير نمط عملها المستقل وتطلعاتها إلى القيادة وحدها.

لتنفيذ التعددية الفعالة التي تعزز السلام، يجب على إدارة بايدن أولاً وقبل كل شيء تعزيز تشكيل آلية جديدة متعددة الأطراف، والتي تكون في جوهرها نسخة محدثة من “الرباعية” (التي تشكلت في العام 2002، وتضم الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي). وستتم دعوة الدول الأوروبية والعربية الرئيسية للانضمام إلى هذه الآلية، والتي سيتعين عليها التعامل مع الإسرائيليين والفلسطينيين المؤيدين للسلام الذين يمكنهم التعبير عن احتياجات كلا الشعبين للمجتمع الدولي. ويمكن لمثل هذه الآلية صياغة تفاهمات دولية متجددة حول معايير اتفاق للوضع النهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وسوف يتطلب ذلك تكييف وثائق السياسة السابقة التي تمت صياغتها مبدئيًا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (مثل معايير كلينتون وخريطة طريق بوش ومبادرة السلام العربية) مع الظروف الحالية. ويمكن أن تؤدي الآلية المتعددة الأطراف أيضًا إلى صياغة حزمة من الحوافز الدولية للسلام، والتي يكون من شأنها إقناع كل من إسرائيل والفلسطينيين بثمار السلام. وسوف يعزز جعل فوائد السلام ملموسة ومحددة منذ البداية الإرادة السياسية والدعم العام لتحقيقه. وقد أعرب المجتمع الدولي عن دعمه في الماضي لمثل هذه الحزمة، ولكن لم تُبذل أي محاولات لابتكار واحدة في ظل إدارة ترامب.

تطورات إقليمية

كان ما حدث في عهد ترامب تغييراً في علاقات إسرائيل مع دول الشرق الأوسط. وقد أسهمت إدارة ترامب في تقوية علاقات إسرائيل مع دول الخليج بشكل كبير، لكنها فعلت ذلك من خلال الالتفاف على القضية الفلسطينية وإضعاف السلطة الفلسطينية. ويجب أن يساعد بايدن إسرائيل على إدارة علاقاتها الناشئة مع الإمارات والبحرين، وإنما بطريقة تضمن مزايا صنع السلام الإسرائيلي-الفلسطيني. وقد تدهورت العلاقات الإسرائيلية مع الأردن وتركيا، وهما دولتان لهما تأثير مباشر على القضية الإسرائيلية الفلسطينية، في ظل إدارة ترامب. ويمكن للاستثمار الأميركي في تحسين هذه العلاقات أن يمهد الطريق لتوفير فرص إضافية لمسار المفاوضات الإسرائيلي الفلسطيني في المستقبل. وأخيرًا، تم تشكيل منظمة إقليمية جديدة في العام الماضي -منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) ومقره القاهرة، والذي يضم كلاً من إسرائيل والسلطة الفلسطينية كعضوين، إلى جانب العديد من الدول العربية والأوروبية. ويمكن لبايدن الاستفادة من مشاركة الولايات المتحدة في هذا المنتدى لتعزيز التعاون الاقتصادي والدبلوماسي الإسرائيلي الفلسطيني.

سوف يولد انتقال بايدن إلى البيت الأبيض الفرص والأمل في السياق الإسرائيلي الفلسطيني وما وراءه. ويجب أن يُنظر إلى المشاركة الأميركية المتجددة في دفع حل الدولتين إلى الأمام بتفاؤل. ويجب على إسرائيل أن تستقبلها بأذرع مفتوحة، بدلاً من هندسة استفزازات مثل توسيع المستوطنات. ولن تؤدي الإجراءات التي يمكن لإدارة بايدن -والتي من المتوقع- أن تتخذها في حد ذاتها إلى تحقيق السلام المأمول، لكنها يمكن أن تكون، من خلال طريقة الإعداد والدقة، بمثابة نقطة تحول إيجابية ومهمة.

*مؤسس ورئيس “ميتفيم” – المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، ومحاضر في دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس.

*نشر هذا المقال تحت عنوان

Biden could generate momentum for Israeli-Palestinian peace  

الكاتب namrud ghurin