كان يمكن أن تعطي الاستطلاعات، التي نشرت، الاسبوع الماضي، وزير الدفاع، بني غانتس، أخباراً جيدة بدرجة معينة على الأقل. فهذا ليس مجرد افتراض واسع، بل ما عبرت عنه الارقام من الاسئلة التي سئلت للمستطلعين. جزء اكبر من الجمهور اتهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بتبكير موعد الانتخابات وليس غانتس.
40 في المئة مقابل 20 في المئة، حسب استطلاع «حداشوت 12»، و45 مقابل 25 في المئة حسب استطلاع «حداشوت 13».
الجمهور، حسب استطلاعات سابقة، غير معنيّ بالانتخابات. من هنا، كان من الواضح أن من هو متهم بتبكير موعد الانتخابات يجب أن يعاقب في صناديق الاقتراع، لكن لم يكن هذا هو واقع الحال: «الليكود» يفوز في الاستطلاعات بـ 29 – 30 مقعدا، وكتلة اليمين - الاصوليين تحصل على أغلبية ساحقة. ليس فقط أن نتنياهو اعتبر متهماً بالانتخابات، بل تم ضبطه ايضا وهو يكذب اكاذيب كبيرة على الشعب اثناء النظر إلى العدسات واثناء التوقيع والوعد بأنه سينقل رئاسة الحكومة الى غانتس.
لم يصدق الجمهور الضجة الاعلامية التي أثارتها الميزانية و»المعارضة داخل الحكومة» التي حاول نتنياهو دفعها قدما، فقد رأى ما بعد ذلك وفهم أن هذه خدعة، وأن نتنياهو لا ينوي ولم ينو في أي يوم تطبيق الاتفاق الائتلافي. وحتى يقوم الآن الجمهور بانتخاب نتنياهو.
سبب ذلك هو أنه في إسرائيل، وليس فقط فيها، لا تعتبر الاكاذيب مخالفة يرافقها عقاب. بالتأكيد ليس في حالة نتنياهو، ايضا في الحالة التي أدى فيها الكذب إلى نتيجة غير مرغوب فيها بالنسبة للناخبين. مؤيدو نتنياهو ومؤيدو كتلة اليمين – الاصوليين بشكل عام تنقسم في هذه المسألة إلى ثلاثة اقسام. القسم الاول الذين مع ذلك يؤمنون بأن نتنياهو ليس هو المذنب باجراء الانتخابات، أو على الاقل يقولون ذلك في استطلاعات الرأي العام (20 في المئة من الجمهور، ممن ما زالوا يشكلون 24 مقعداً أو أكثر بقليل).
القسم الثاني من يعتقدون أن نتنياهو قد كذب، لكنه فعل ذلك من اجلهم وباسمهم؛ ويؤمنون بأن نتنياهو هو رجلهم في الجبهة التي في كل مرة يجب فيها القيام بعمل قذر، بما في ذلك نتيجة غير مرغوب فيها في المدى الآني (انتخابات) من اجل النتيجة المرغوب فيها في المدى البعيد (حكم اليمين).
هذه ليست خدعة جديدة لنتنياهو؛ فعليا هذا جزء اساسي في سياسته الخارجية.
هكذا كان الأمر، على سبيل المثال، عند طرح خطة ترامب، التي نصت على أن إسرائيل تستطيع حقا أن تضم معظم المستوطنات في الضفة، لكن ذلك مقابل موافقة مبدئية على دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومفككة، اذا انضم الفلسطينيون الى العملية فيما بعد.
غضب جزء من اليمين، لكنّ جزءاً آخر في اليمين فهم أن الامر يتعلق بموافقة بالغمز بين نتنياهو ودونالد ترامب، تعهد بأن رئيس الحكومة لن يطلب منه تنفيذه حقا في أي يوم.
واذا طلب، فهو يستطيع التراجع. هذه المرة نتنياهو «يكذب من اجلنا» ايضا في الجبهة السياسية المحلية.
هناك جزء ثالث؛ مصوتو اليمين الذين هم حقا غاضبون على نتنياهو لأنه كذب وخرق الاتفاق الائتلافي، وهم مصوتو اليمين الذين كانوا يريدون أن ينقل زمام الحكم لغانتس.
حتى لو كانوا لا يعتبرون رئيس «أزرق - أبيض» رئيسا مثاليا للحكومة؛ ببساطة لأنه يوجد في نظرهم قيمة للتعهد العام وما سيترتب عليه. وهم ايضا مصوتو اليمين الذين يتسببون بالوصول إلى اغلبية واضحة لدى الجمهور العام في الاستطلاعات ضد حصانة لرئيس الحكومة وضد حقيقة أنه سيكون في إسرائيل رئيس حكومة تجري ضده محاكمة – قضايا الكنيست نفسها منقسمة بشأنها. هذه المقاعد التي ذهبت الى «أزرق - أبيض» في الجولات الانتخابية الاخيرة، الآن تتموضع لدى نفتالي بينيت.
حتى بالنسبة لهم، كما يبدو، هناك حدود. صحيح أن نتنياهو كذب وبشكل كبير، وسلوكه لا يروق لهم، لذلك هم لا يقدرون على التصويت له مباشرة، لكنهم سيؤيدون ولو مجبرين، حكومة برئاسته. بالنسبة لهم الآن لا يوجد مرشح آخر يمكن أن يشغل منصب رئيس الحكومة، بالتأكيد ليس يئير لبيد، وطبقا لسلوكه في نصف السنة الاخير، كما يبدو ايضا ليس غانتس.
هؤلاء اليمينيون هم الذين سيستهدفهم غادي آيزنكوت اذا قرر الدخول إلى الساحة السياسية في الجولة الحالية «والدلائل لا تشير أبدا إلى أنه ينوي فعل ذلك». مفتاح نجاحه السياسي الحقيقي ليس عدد المقاعد التي سيحصل عليها، بل عدد المقاعد التي سيحركها من كتلة الى اخرى، يوجد في هذا الوسط السكاني، 8 – 10 مقاعد يمكنها تغيير مصير الدولة كلها.
يصعب القول ما هي القوة الدقيقة لرئيس الاركان السابق. في الحقيقة إن القيمة السياسية للعسكريين السابقين هبطت بصورة دراماتيكية في السنة والنصف الاخيرة، على خلفية فشل غانتس وموشيه يعلون.
الحماس في كتلة الوسط – ليسار لحزب «جديد» هبط على خلفية الفشل الذريع للمستجدين السياسيين، وضمن ذلك ليس لأنه لا يوجد لكلمة رئيس اركان أي مغزى لدى الجمهور الإسرائيلي، ومثلما قلنا ايضا هناك فراغ انتخابي يمكن لآيزنكوت أن يملأه.
استطلاع «اخبار 13» منح حزبا جديدا برئاسته 15 مقعدا، لكن ثمة توزيع غريب للاصوات (خارطة المقاعد في هذه المسألة النظرية) أضعف، ضمن امور اخرى، الاحزاب الدينية والقائمة المشتركة، مقابل توزيع المقاعد من بين الاحزاب القائمة). استطلاعات اخرى اظهرت ارقاما منخفضة اكثر، لا ارقاما تثير الحماسة على أي حال.
ولكن الموعد القريب يثبت أن اسما نظريا يثمر حماسا انتخابيا اقل بكثير مقابل اليوم الذي ينضم فيه حقا. هذا ما حدث مثلا في حالة «المنعة لإسرائيل»، الذي عشية تشكيله كـ «حزب جديد برئاسة بني غانتس» حصل في الاستطلاعات على 12 – 15 مقعدا، وعشية اطلاقه قفز بين ليلة وضحاها إلى 19 – 24 مقعدا واحتل الصدارة في كتلة الوسط – اليسار، وضم اليه «يوجد مستقبل»، ليصبح +30. ربما أن آيزنكوت يقع في الأرقام بين رقم من خانة واحدة أو من خانتين، الرقم الاول منها قليل، لكن يوجد لديه فرصة للزيادة.
سيكون الكثير متعلقا بالاطار الذي سيبنى حول آيزنكوت، وبالصورة التي سينجح في رسم نفسه فيها في الفضاء السياسي. هل سينضم آيزنكوت مثلا من اجل أن يقود «ديرخ هآرتس» مع يوعز هندل وتسفي هاوزر؟ أم سيدخل اليه، لنفترض، يفعات شاشا بيتون؟ هل سيفضل بالتحديد الاندماج كرقم 2 أو حتى كرقم 1 في احد أطر القائمة؟
هذه الاسئلة ايضا ستؤثر على الخارطة الاوسع لكتلة الوسط – اليسار، التي ستضطر إلى أن تواجه في القريب السؤال الاساسي، هل يفضل أن تتنافس في قائمة موحدة ومنسجمة كي تجتاز نسبة الحسم وتطرح بديلا متماسكا مثل «أزرق أبيض» او زيادة الطاقة الانتخابية لكل الوسط – اليسار على حدة.
عن «هآرتس»
حركة الجهاد: لسنا ضد وجود السلطة بمخيم جنين لكن في ظل تفاهم
16 ديسمبر 2024