الضفة على فوهة بركان

20152310212248
حجم الخط

بقلم: اليكس فيشمان
حينما تريد أجهزة الأمن الفلسطينية أن تلدغ نظراءها الاسرائيليين، تُذكر أنه في قلنديا فقط – منطقة تحت السيادة الاسرائيلية – يوجد الآن على الاقل 400 بندقية «ام 16»، اضافة الى انواع اخرى من السلاح – مسدسات وعبوات وقنابل – توجد في أيدي مجموعات مسلحة بعضها ينتمي لـ»فتح» وآخرون لتنظيمات اخرى في هذه المنطقة المتروكة التي يغيب فيها القانون. ليس هناك أي مشكلة لدى هؤلاء المسلحين بأن يتم تصويرهم للقناة الثانية، تماما كما لم تكن لهم مشكلة في فتح النار نحو قوة عسكرية اسرائيلية دخلت، السبت الماضي، الى قلنديا لاعتقال مطلوب كان قضى عاما ونصفا في السجن. «تريدون الدخول الى هناك لاخراج السلاح أم تتركون لنا هذا العمل؟»، قال رجال اجهزة الأمن الفلسطينية، وهم يرمزون الى أن قوات الامن الاسرائيلية تخشى الدخول الى مخيمات اللاجئين الواقعة تحت سيطرتها لأخذ أسلحة التنظيم.
في شعفاط – هذا ما تعترف به اسرائيل ايضا – هناك نحو 3 آلاف قطعة سلاح بدءاً من بندقية ساعر نوع كلاشينكوف و»ام 16» مرورا بالقنابل والعبوات. في ليلة السبت، دخلت الى هناك قوة عسكرية لأخذ قياسات منزل لتفجيره، وجدت أن عشرات المسلحين قد احاطوا المبنى، وقالوا إنهم مستعدون للموت من اجل عدم هدم المنزل. هذه هي الاجواء في الاحياء الفلسطينية التي تحيط بالقدس. الجيش سيضطر الى العودة الى هناك لاستكمال التحضيرات. وقد بات معروفا أن تفجير منازل «المخربين» سيكون مقرونا بالحرب أمام عشرات المسلحين.

إقليم التنظيم
في اسرائيل يتعاملون باستخفاف مع «ارهاب» السكاكين على اعتبار أن هذا دليل على ضعف «الارهاب» الفلسطيني الممأسس. إلا أن السكاكين بالنسبة للمسلم هي رمز للصراع والدفاع عن الاماكن الدينية انطلاقا من شعار «دين محمد ينتشر بالسيف»، واستخدام السكين بالنسبة له لا يعبر عن اليأس والبؤس بل عن البطولة. لهذا كلما تراجع الاحتكاك في الحرم تضاءل التوتر وعدد السكاكين. الاحصائيات التي تفحص صعود وهبوط «عمليات الافراد» لا تعكس مستوى العنف في الميدان. والعناصر الامنية الرفيعة في اسرائيل قلقة من الموجات الكبيرة التي تحمل خطرا أكبر، لذلك فان تهيئة الجيش لمواجهة موجة العنف الحالية تأخذ في الحسبان أنه في كل يوم وبدون تحذير مسبق قد ينضم الى العنف آلاف المسلحين في الضفة الذين ينتمون في اغلبيتهم الى تنظيم «فتح».
في بداية طريقه كان التنظيم جسما سريا يتشكل من نشطاء محليين سياسيين، طلاب وأسرى محررين، وهو الذي حدد سياسة مسؤولي «فتح»، بدءاً بالعمل الاجتماعي ومرورا بالمشاركة في مظاهرات التأييد المنظمة للتنظيم وانتهاء بالاخلال بالنظام في وجه اسرائيل. في الانتفاضة الثانية شارك التنظيم في العمليات «الارهابية» ضد «قوات الأمن» والمواطنين الاسرائيليين، من بينها العملية في كيبوتس نيتسر حيث قتل هناك خمسة اشخاص بينهم أم وطفلاها. إن البنية الاساسية للتنظيم بقيت، وهي تعمل الآن تحت اسم «جيش الظلال» لـ»فتح» في الشارع الفلسطيني الى جانب الاجهزة الامنية التي تعمل حسب اوامر السلطة. العلاقة بين رجال التنظيم والمقاطعة في رام الله تضعف باستمرار. الاجهزة الامنية لا يمكنها الدخول الى بعض مخيمات اللاجئين بسبب رجال التنظيم. 
رجال التنظيم ينتشرون في عشر مناطق منفصلة في الضفة. والقدس الشرقية تعتبر واحدة منها. كل اقليم يُقسم الى مناطق وكل منطقة تُقسم الى أحياء وقرى وهكذا. الخلية الاساسية الاصغر هي الجناح. في كل وحدة – من التنظيم وحتى الجناح – يوجد مسؤولون. واليوم حينما تشعر هذه المجموعات بضعف أبو مازن وانهيار سلطته فإنها تخرج الى الشوارع وهي مسلحة في وضح النهار، وهذا ليس ضد السلطة فقط بل هو رسالة لاسرائيل ايضا. بعد الانتفاضة الثانية وقعت اسرائيل والسلطة الفلسطينية، بمشاركة الولايات المتحدة، على اتفاق عفو عن المطلوبين، حيث نص الاتفاق على أن رجال «فتح» الذين عملوا في اطار «كتائب شهداء الاقصى» في الانتفاضة الثانية يكفون عن العمل «الارهابي» ويسلمون سلاحهم. اسرائيل في المقابل تكف عن مطاردتهم. ويتضح أن بعض من يملكون السلاح في التنظيم الآن هو المطلوبون من الماضي البعيد الذين تعهدوا بعدم حمل السلاح. وهذا الاتفاق بدأ يتفكك.
احراق قبر يوسف في نابلس في نهاية الاسبوع الماضي كان استفزازا لليهود، لكنه أكد أن الجماعات المسلحة في الشارع الفلسطيني لا تحسب أي حساب للأجهزة الامنية. على بعد 400 متر من القبر يوجد موقع للاجهزة الامنية.
طالما أن رجال التنظيم لا يحملون اسلحتهم علنا فان اسرائيل والسلطة ستغضان الطرف. الآن هم يظهرون كقوة حقيقية ومركزية في الميدان، حيث إن قيادة «فتح» تركض وراءهم بلهفة. الاجواء المشتعلة والوضع السياسي والفوضى في الميدان تجعل رجال التنظيم واولئك الذين يركضون وراءهم يتبنون مواقف «متطرفة» تدعو الى عودة الصدام المسلح مع اسرائيل.
جبريل الرجوب مثلا طلب من الاجهزة الامنية في بداية الاحداث أن تتحدث مع اسرائيل، وفي هذا الاسبوع عبر عن موقف «متطرف» يشجع السكاكين. إنه يريد امتلاك الشارع من جديد، كما يقولون في اسرائيل، والشارع يريد الدماء. يعتبر الرجوب نفسه أحد قادة التنظيم، وهذه الخطابات الرنانة تزيد من شعبيته في اوساط الجمهور الفلسطيني.

منتدى المناطق لـ»آيزنكوت»
فهم أبو مازن هذا الاسبوع بشكل متأخر الفخ الذي وقع فيه. وفي محاولة لكبح التدهور حدّث الجمهور الفلسطيني عن عنوان جديد للصراع: مقاومة رشيدة. المقال الافتتاحي في صحيفة «الحياة الجديدة»، الاربعاء الماضي، يحذر من خروج الامور عن السيطرة، الامر الذي قد يضر بحياة الشعب الفلسطيني. مصطلح الانتفاضة الثالثة لم يتم ذكره.
الشعار السابق لأبو مازن ـ «المقاومة السلمية» ـ لم يعد صالحا، طالما أن المقاومة تتضمن رشق الحجارة والاخلال بالنظام والقاء الزجاجات الحارقة. تعود أبو مازن على مباركة الشهداء الذين نفذوا ذلك، وعارض بشكل مبدئي «الارهاب»، لكن ليس كأعمال من هذا النوع. لكن منذ أن شجعت السلطة أي نوع من العنف فقد ساهمت بالتدهور. وعندما ظهرت السكاكين ولم يشجب أبو مازن الذين طعنوا، عاد هذا إليه كالسهم المرتد. 
في لعبة الحرب التي أجرتها قيادة المنطقة الوسطى في الجيش عشية خطاب أبو مازن في الامم المتحدة، الشهر الماضي، حيث كان الخوف من خطاب انفعالي يشعل المنطقة، تم اختبار عدد من السيناريوهات حول فقدان السيطرة في «يهودا» و»السامرة». السيناريو الأول هو موجة عمليات متفرقة تجر المنطقة الى العنف الشامل. هذا السيناريو يعتبر مستوى منخفضا للعنف، وهو يتحقق الآن. السيناريو الثاني هو اندلاع العنف داخل مخيمات اللاجئين بمشاركة التنظيم في الصراع المسلح، الأمر الذي سيشعل الضفة. وهم يخافون الآن في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من هذا السيناريو، لذلك أمر وزير الدفاع، موشيه يعلون، الجيش بالاستعداد والجاهزية في «يهودا» و»السامرة» لفترة طويلة بما في ذلك امكانية تبديل الجنود النظاميين الذين انتقلوا الى الضفة بجنود الاحتياط لتمكين الجيش النظامي من العودة والتدرب. وقد تم تجهيز برنامج عمل الاحتياط، وبدءاً من كانون الأول سيصل جنود الاحتياط الى الضفة، وسيكون هذا على حساب تدريب الاحتياط، وستكون أخطاء أكثر في الميدان. لكن الجيش في حالة تأهب منذ شهر، ولا أحد يعرف متى سينتهي ذلك. يبدو أن تجنيد الاحتياط أمر لا مناص منه.
تعمل هيئة الاركان ايضا من خلال مجموعات عمل لمواجهة «الارهاب» المتزايد، ويجري رئيس الاركان ثلاثة لقاءات في الاسبوع مع مجموعات العمل والتي تضم الضباط رفيعي المستوى الذين نشؤوا في فترات الحروب، ضد «الارهاب» في الضفة. هناك نائب رئيس الاركان، الجنرال يئير غولان، الذي كان مسؤولاً عن لواء «يهودا» و»السامرة»، رئيس الاستخبارات العسكرية، الجنرال هرتسل هليفي، الذي كان في السابق قائد كتيبة في جنين، رئيس قسم العمليات، الجنرال نتسان الون، الذي كان قائد «يهودا» و»السامرة» وقائد المنطقة الوسطى، قائد المنطقة الوسطى الحالي، روني نوما، منسق العمليات في «المناطق»، يوآف مردخاي، رئيس وحدة العمليات، اهارون حليوا الذي قاد في حينه منطقة طولكرم وقلقيلية وقائد اللواء الحالي، ليئور كرميلي، الذي كان في السابق قائد كتيبة جنين. اضافة الى رئيس «الشاباك، يورام كوهين، وقائد منطقة القدس في «الشاباك»، المسؤول عن الضفة الذي خدم في الخليل مدة 17 سنة. يقول الجيش إنه جند أفضل ضباطه من اجل المهمة. وهم الاكثر خبرة في مجال الحرب أمام الفلسطينيين في الضفة. ويوجد هنا أكثر من رمز خفيف لمحاولات الجهات الفلسطينية لاختبار حكمة وضبط نفس الاجهزة الامنية التي تحاول اشعال الميدان وخلق واقع جديد أمام الفلسطينيين، مثل تصريح وزير الزراعة، أوري اريئيل، من «البيت اليهودي» لوقف نقل الاموال للسلطة الفلسطينية، حيث إن السلطة مديونة بمبلغ مليار ونصف المليار شيكل لشركة الكهرباء القطرية. فلماذا يجب أن نمولهم؟ نحن بذلك نمول عائلات «المخربين». إلا أن جهات في الجيش، على صلة مع أجهزة الامن الفلسطينية، تسمع شيئا واضحا: لا تحاولوا المس باموال الضرائب الخاصة بنا. فاذا لم تصل الاموال في تشرين الثاني لن تكون رواتب للشرطة ولن نجدهم في الميدان، بل سنجدهم في صفوف التنظيم أو «حماس». وهذا ما يرغب فيه اوري اريئيل وامثاله: الفوضى.
تحارب الأجهزة الامنية بأسنانها من اجل عدم اعتماد توصية وزراء اليمين فرض الطوق على «المناطق». وقد وافقت الحكومة على ذلك، والكرة الآن في ملعب رئيس الحكومة. وعندما يخضع نتنياهو لضغط اليمين المتطرف لن يكون بامكان الجيش الاسرائيلي وقف الطوفان والمواجهة المسلحة الشاملة.
ليس صدفة أن اختار وزير الدفاع، في خطاب له، هذا الاسبوع، حول التنسيق الامني، أن يتحدث ضد المحرضين من «تدفيع الثمن» وامثالهم. الاجهزة الامنية تعرف التهديد الموجود داخل العنف اليهودي، والسلاح الاكثر نجاعة في يد وزير الدفاع ضد المتطرفين اليهود في «المناطق» هو الرأي العام الاسرائيلي الذي يرفض سلوك وزراء اليمين المتطرف ورؤساء المستوطنين.
رؤساء الاجهزة الامنية الفلسطينية يجدون صعوبة في فرض النظام على رجالهم، وقد حاول عدد من رجال الاجهزة تنفيذ عمليات، وتم كبحهم. رؤساء الاجهزة الفلسطينية يحثون اسرائيل على تقليص عدد الضحايا في المواجهات مع الفلسطينيين، وألا تدخل الى مناطق «أ» وألا توقف الرواتب.

قناصة الوحدات الخاصة 
في 16 تشرين الاول اعتقلت اسرائيل خليتي «ارهاب»، واحدة تابعة لـ»حماس» والاخرى للجبهة الشعبية. وحسب المعلومات فان خلية «حماس» خططت لتنفيذ عملية تشعل المنطقة وتضعف السلطة الفلسطينية. ولا داعي لتشكك اسرائيل بمصداقية هذا الأمر. وقد حدث شيء مشابه لكن بشكل أكبر عشية عملية الجرف الصامد حيث كشف «الشاباك» عن خلايا لـ»حماس» تضم عشرات النشطاء الذين خططوا لتنفيذ عمليات «ارهابية» شديدة ضد اسرائيل وضد السلطة لاسقاط أبو مازن.
تدير «حماس» اليوم ثلاث جبهات منفصلة، وفي كل واحدة لديها سياسة مختلفة. تريد «حماس» أن تكون المسؤولة عما يحدث في القدس وفي الحرم. وفي الضفة تستخدم كل ما لديها للقيام بعملية نوعية ليكون هذا نهاية السلطة الفلسطينية بشكلها القائم. الاموال الضخمة التي تنفقها «حماس» على تمويل الشبكات الاجتماعية ووسائل الاعلام الاخرى، تصل من اسطنبول من قيادة التنظيم في تركيا. صالح العاروري، الذي تم طرده قبل بضعة اشهر من قبل الحكومة التركية الى قطر، عاد الى اسطنبول بموافقة الاتراك ومن هناك يقوم بحملة دعائية للتحريض تحت عنوان «اطعن اطعن». هذه الرسالة تنزل على آذان صاغية ليس فقط في شرقي القدس وفي اوساط الفلسطينيين المتواجدين بشكل غير قانوني في اسرائيل، بل ايضا في «يهودا» و»السامرة»، ولاسيما في الخليل حيث حدثت هناك منذ نهاية الاسبوع الماضي عمليات طعن كثيرة.
يتركز التحريض الذي يصل من تركيا في الآونة الاخيرة على نقل الاهتمام بعمليات الطعن الى عمليات الدهس. وحسب تقديرات «حماس» فان عمليات الطعن تم استنفادها، رغم أن هذا الاسبوع شهد الكثير من هذه العمليات في «يهودا» و»السامرة»، ولاسيما في الخليل. الدهس أكثر نجاعة، وقد سجل في الايام الماضية تصاعد في عدد عمليات الدهس.
في قطاع غزة تسمح «حماس» بالمظاهرات المراقبة وتمنع اطلاق النار نحو اسرائيل. وقد قُتل 12 شخصا من سكان القطاع في هذه المواجهات دون أي رد من «حماس». فالمنطقة مليئة بالقناصين الاسرائيليين، والمظاهرات لم تتجاوز الحدود في الايام الاخيرة، والجيش ايضا يحاول عدم اعطاء «حماس» المبرر لتغيير السياسة في القطاع. عندما أطلق قناصون من داخل القطاع النار واصابوا سيارة اسرائيلية، تمت دراسة تصفيتهم من الجو، لكن لاعتبارات عملية فضل الجيش اصابتهم بوساطة القناصة في الجيش.
ترقص «حماس» في هذه الاعراس الثلاثة بحذر شديد انطلاقا من فرضية أن اسرائيل لن تخرج في حرب اخرى في القطاع بسبب عملية تبادر إليها «حماس» في الضفة.
في النقاش الذي تم في اسرائيل بعد اعتقال نشطاء «حماس»، نهض أحد الضباط وقال: إن علاج «حماس» هو مثل الذهاب من اجل نقطة حليب. يجب احضار اشخاص مثل حسن يوسف بين الفينة والاخرى لرؤية الوزن ومستوى النمو وما هو التطور الذهني، لمعرفة التوجهات. المشكلة هي أنه في نقطة الحليب هذه لا يوجد اطفال رضع ولا ممرضات. في هذا المثلث، اسرائيل – الضفة – غزة، يفهمون أن مرحلة السكاكين قد تصبح مرحلة طبيعية قياسا مع ما يحدث في الميدان.

عن «يديعوت»