بقلم: نحمايا شترسلر
الخطاب الذي ألقاه بنيامين نتنياهو في القدس امام نشطاء الكونغرس الصهيوني يضعنا امام مشكلة عسيرة: كيف سنحيي يوم الكارثة التالي؟
حتى الآن درجنا على عرض افلام قاسية عن آلة الابادة النازية وشهادات مفزعة للناجين. اعتقدنا، لبراءتنا، بأن ادولف هتلر كان هو الذي بادر الى «الحل النهائي»، والشعب الألماني تعاون معه بسرور. أخطأنا. فقد أعلمنا نتنياهو، هذا الاسبوع، بأن هتلر بالاجمال اراد طرد اليهود، ولكن في اللقاء الذي عقده مع مفتي القدس، الحاج امين الحسيني، في تشرين الثاني 1941، قال له الاخير: «احرقهم» – فضرب هتلر على جبينه وقال، والله، هي فكرة، كيف لم افكر فيها من قبل؟
هتلر، حسب نتنياهو، كان بالاجمال موظف التنفيذ لدى المفتي. ولأن المفتي هو «شخصية مقدرة في المجتمع الفلسطيني، ويعرض كأب الامة» وابو مازن هو مواصل دربه، فان كل الفلسطينيين مذنبون بابادة الملايين الستة، مثلما هم مذنبون ايضا في باقي المشاكل التي وقعت على اسرائيل، منذئذ وحتى اليوم.
اضاف نتنياهو، ان موجة العمليات الاخيرة هي نتيجة «التحريض»، الذي بدأ به المفتي وهو مستمر اليوم ايضا. واضح ان الحديث يدور عن تحريض. فكلنا نعرف ان وضع الفلسطينيين ممتاز. مستوى معيشتهم عالٍ، هم سعداء، لا توجد سلطة احتلال، لا قمع، لا تنكيل، لا مصادرة اراض، لا بناء على ارض خاصة، لا تفتيشات ليلية، لا حظر تجول، لا حواجز، لا بطالة، فقر وضائقة، لا مياه عادمة تتدفق في الشوارع ولا غلاة مستوطنين يحرقون الناس، المنازل، المساجد والاشجار. هذا مجرد «تحريض» عديم الاساس أخرجهم الى موجة العمليات الحالية، ومثلما يقول نتنياهو: «يجب التعرف على الحقائق التاريخية».
إذاً، تعالوا نتعرف. كراهية اليهود الممتدة مئات السنين هي ممارسة مسيحية، لا اسلامية. الاجراءات المتشددة، اعمال الشغب، الاهانات، اعمال القتل، محاكم التفتيش والطرد، كل هذه قام بها المسيحيون، وليس المسلمون. هتلر بلور فكرة ابادة اليهود منذ أن كتب «كفاحي» في 1923، كجزء من النظرية العنصرية. وخطة «الحل النهائي» طرحت في 1941، بل جرى البدء بتنفيذها في الاتحاد السوفييتي فور الاجتياح الى هناك، في حزيران 1941. وبشكل عام، هناك حاجة الى عقل مشبوه على نحو خاص من أجل القول إن هتلر، الذي كل جوهره قتل وابادة، كان بحاجة الى مشورة من مفتي عربي ما من الشرق الاوسط كيف يعالج اليهود.
ليس هذا سوى أن السبب للقصة المريضة هو بحث يائس من نتنياهو عن مذنب ما في الورطة التي أدخلنا إليها، والتي تجد تعبيرها في موجة العمليات التي تجتاح البلاد. فبدلا من أن يشرح لماذا حطم كل فرصة للتسوية مع ابو مازن، يفضل ان يتهم الفلسطينيين بكل شيء، بما في ذلك بالكارثة. وهو يحرض ضدهم ويحاول جعلهم وحوشا، هتلريين، كي يكون واضحا ان السبب الحقيقي للانتفاضة الحالية ليس الاحتلال وليس القمع، بل رغبتهم التاريخية في ابادتنا. في العالم كله يسود حرج كبير من اقوال نتنياهو. وقد سُخر باقواله وتعرضت للنقد من كل صوب. وسارعت حكومة ألمانيا الى الرد: «المسؤولية عن هذه الجريمة ضد الانسانية هي مسؤوليتنا»، ولكن نتنياهو لم يكن مستعدا ليتنازل عن المفتي. حتى في ألمانيا، الى جانب انجيلا ميركيل، واصل وكرر بعضا من الترهات.
قبيل يوم الكارثة التالية لا بد سيقنعنا ان نضع جانبا الافلام القديمة والقليلة عن هتلر والنازية، وبدلا منها نبث افلاما جديدة عن المفتي والفلسطينيين. وفور ذلك سيتوجه الى مهمته الاساس: بناء بيت في سلوان، وطريق التفافي الى «ايتمار». إذ إن المذنب في العمليات وجده: هتلر الجديد، الحاج أمين الحسيني.
عن «هآرتس»
نتنياهو يسعي لتغطية فشله في حرب الإبادة
25 سبتمبر 2024