أن إدارة ترامب تريد تحقيق المصالحة من أجل حرمان إيران من عائدات التجارة مع قطر، غير أن الإمارات قد تكون حجر عثرة أمام إتمام المصالحة الخليجية الشاملة، وهو أمر تؤكد عليه قطر التي لا تريد مصالحة مع السعودية وحدها.
إن الدول المتنازعة في شبه الجزيرة العربية تبدو، بفضل جهود إدارة دونالد ترامب المنتهية ولايته، أقرب من أي وقت مضى لوضع حد لحربٍ باردةٍ استمرت ثلاث سنوات ونصف، وأدَّت إلى انقسام الشرق الأوسط، وعقَّدت الجهود الهادفة إلى الضغط على إيران والقتال ضد التطرف المسلح وتشجيع التجارة.
لكن الخبراء يقولون: «إن الطريق إلى رأب الصدع داخل نادي الممالك العربية الست الغنية في مجلس التعاون الخليجي لم يزل بعيدًا إلى حد ما، حيث لا توجد دلائل على أن أيًا من الجانبين مستعد للتنازل عن القضايا الجوهرية التي كانت سببًا في الفُرْقة بينهما».
الكويت تعلن إحراز التقدم في ملف المصالحة
وفي الأيام الأخيرة، أشارت الكويت إلى أنها تمكَّنت من إحراز بعض التقدم في بدء حوار بين السعودية وقطر بعد زيارات قام بها جاريد كوشنر صهر ترامب، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.
لقد كانت التفاصيل قليلة، وأفادت وسائل إعلام كويتية أن «المصالحة» ستجرى خلال القمة المقبلة لمجلس التعاون الخليجي التي ستنعقد في البحرين في 10 ديسمبر (كانون الأول). وقالت وسائل إعلام سعودية رسمية إنه كان هناك «تقدم حقيقي» في المحادثات، وهي وجهة نظر يشترك فيها جزئيًّا المسؤولون القطريون. لكن الدوحة قالت أيضًا إنه يجب أن يكون هناكاتفاق بين جميع الدول بحيث لا يقتصر على السعودية وقطر.
مخاوف من الغزو السعودي لقطر
ولفت التقرير إلى أنه منذ عام 2017، فرضت الأنظمة الملكية في السعودية والإمارات والبحرين – إلى جانب مصر – حصارًا اقتصاديًّا ماليًّا شديدًا على دولة قطر الصغيرة الغنية بالغاز بسبب دعمها للإسلام السياسي الشعبوي ودعمها لوسائل الإعلام الناقِدة مثل قناة الجزيرة المملوكة للدولة في قطر، وتدخلها السياسي الملحوظ في الشرق الأوسط الكبير. وفي وقت من الأوقات، كانت هناك مخاوف متزايدة من غزو السعودية لقطر والإطاحة بالنظام الملكي للشيخ تميم بن حمد آل ثانٍ.
ويُنظَر إلى الحصار، الذي قاده ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد وشجَّعه ترامب في البداية، على أنه فشل فشلًا ذريعًا؛ إذ لم تخفف قطر من سياستها الخارجية. وبدلًا عن ذلك أصبحت أكثر اكتفاءً ذاتيًّا – حيث وصلت بها الأمور إلى نقل أبقار جوًّا من ألمانيا لإنتاج الحليب – ووسَّعت الدوحة العلاقات التجارية والدبلوماسية، وكذلك العسكرية مع إيران وتركيا.
إيران تستفيد اقتصاديًّا من حصار قطر
الدوحة أعادت توجيه حركتها الجوية الكبيرة إلى سماء إيران، مما منح طهران 100 مليون دولار سنويًّا من رسوم التحليق عبر الأجواء الإيرانية، وقوَّض كذلك مخطط إدارة ترامب للضغط على إيران.
وأعرب عددٌ من كبار صانعي السياسة السعوديين بالفعل في جلسات خاصة عن شكوكهم حول مدى فعالية الحصار، وأقرُّوا بهدوء أنه أدَّى إلى نتائج عكسية. وتسعى واشنطن إلى رفع السعودية لهذا الحصار وحرمان إيران من الأرباح الإضافية التي تحققها من فتح أجوائها أمام قطر. لكن لم يزل من غير الواضح ما إذا كانت قطر مستعدة لقطع العلاقات مع إيران، التي تشاركها حقل غاز وهبَّتْ لمساعدتها عندما كانت السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، يعملون للإطاحة بالنظام الملكي القطري.
يقول أندرياس كريج، الخبير في شؤون الخليج في كينجز كوليدج بلندن والمستشار العسكري السابق لقطر: «التجارة الإيرانية القطرية نَمَت نموًّا كبيرًا منذ عام 2017. ولا يتمثل السبب بالضرورة في عدم وجود أي بديل. وفي كثير من الحالات، تكون المنتجات الإيرانية أفضل أو أرخص من غيرها في المنطقة. لقد كان خيار قطر هو الاندماج على نحو أكبر مع إيران».
هزيمة ترامب تغيِّر المواقف
إن تغيير السياسة في واشنطن يُعد حافزًا لكل من السعودية وقطر لوضع الأمور في نصابها. وتسعى كل من السعودية والإمارات، بعد هزيمة حليفهما المقرب ترامب في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، إلى إعادة تعريف نفسيهما، وأن تكونا على علاقة طيبة مع الرئيس المنتخب جو بايدن. وقد لاقى اتفاق السلام التاريخي بين أبوظبي وإسرائيل استحسانًا في واشنطن.
تقول سينزيا بيانكو، الخبيرة في شؤون شبه الجزيرة العربية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، «إن تحسين العلاقات مع قطر إشارة إلى بايدن بأنهم يمكن أن يكونوا أكثر مرونة في مواقفهم».
ومن أجل رفع الحصار، قدَّمت دول الخليج لقطر قائمة قاسية من 13 مطلبًا تضمَّنت توقف بث شبكة تلفزيون الجزيرة الشهيرة. لكن الخبراء يقولون إنها فشلت في التخفيف من حدة التغطية الإعلامية الانتقادية التي تقوم بها الشبكة ضد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي تعرَّض لانتقادات شديدة بسبب اغتيال جمال خاشقجي، الصحافي وكاتب العمود في صحيفة «واشنطن بوست» عام 2018 وجرائم حرب مزعومة خلال الصراع الذي دام خمس سنوات في اليمن.
تقول سينزيا: «ليست الجزيرة وحدها، بل عدد كبير من وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والمؤسسات الفكرية المدعومة من قطر. نحن نتحدث عن حوالي 100 مؤسسة».
الإسلام السياسي يمثل تهديدًا للاستبداد الإماراتي
إن أصل الصراع داخل دول مجلس التعاون الخليجي يعود إلى الانقسام الأيديولوجي بين قطر، التي تدعم نوع الإسلام الشعبوي الذي يمثله تنظيم الإخوان المسلمين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والإمارات التي ترى أن الإسلام السياسي تهديدًا لنموذجها الاستبدادي.
وعلى الرغم من أن السعودية والإمارات ابتعدتا عن بعضهما البعض خلال العام الماضي، إلا أن القيادة في أبوظبي تمكَّنت من إفشال صفقة محتملة بين السعودية وقطر، كما فعلت عندما ظهرت مبادرة مماثلة خلال العام الماضي.
وقالت مذكرة مُقدَّمة من صوفان جروب وهي مجموعة استشارية: «إن الافتقار الواضح للدعم الإماراتي حتى لحل جزئي للخلاف في مجلس التعاون الخليجي سيُحِد من الآثار الإيجابية لأي اتفاق سعودي قطري، ويمكن أن يمهد الطريق لانتكاس كامل للنزاع في السنوات اللاحقة».
تقول كارولين روز، محللة لشؤون الشرق الأوسط في «جيوبوليتكال فيوتشرز»، وهي نشرة على الإنترنت: «يمكن أن تكون الإمارات حجر عثرة كبير في أي نوع من خطط المصالحة».
إرث عائلة ترامب وطموحاتها
الولايات المتحدة في عجلة من أمرها لإبرام الصفقة. وعلى الرغم من أن ترامب بدا وكأنه قد تخلى عن مهامه بصفته رئيسًا؛ لأنه يركز على إلغاء نتائج الانتخابات التي أُجرِيت في نوفمبر، إلا أن كوشنر وبومبيو يسارعان إلى إحداث تغييرات على الأرض في الشرق الأوسط.
تقول كارولين: «إن أكبر قوة وراء ذلك هي مساعي إدارة ترامب للحفاظ على إرثها وبناء الفرص. ويهتم كوشنر بما سيتركه وراءه، ويشعر بالقلق بشأن الإرث الذي سيبنيه. وتفكر زوجته (إيفانكا ترامب) في خوض غمار السياسة. ومثل هذا النوع من النقاط السياسية ستمهد لها الطريق».