موقف جزائري مثير , تطور خطير.. "روسيا" تلمح لمصر بقصف "ليبيا"

روسيا
حجم الخط

قالت صحيفة الحياة اللندنية، إنه منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في سورية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ثم تحوُّلها إلى ثورة شعبيّة امتدت على نطاق واسع، اتّخذت الجزائر موقفاً ثابتاً عُرفت به سياستها الخارجية، وهو رفض التدخّل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول، خصوصاً التدخل العسكري، وورد ذلك بشكل واضح في تصريح وزير الخارجية الجزائري السابق مراد مدلسي -أثناء اجتماع مجلس الجامعة العربية في بداية (سبتمبر) 2013- حين قال: "إن الجزائر ترفض أيّ تدخل عسكري ضد سورية خارج ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي،لأن التدخل من شأنه أن يؤدي إلى اتساع دائرة العنف والتقتيل والدمار، وذلك إدراكاً منها لتكاليف التدخل العسكري وانعكاساته الوخيمة على المنطقة. وهي -الجزائر- تدعو إلى الحوار والتمسك بالحل السياسي". إذاً، الموقف الجزائري ينطلق من سياسة ثابتة، أي أنه ليس خاصاً بالحالة السورية، والدلائل على ذلك كثيرة، فقد سبق للجزائر أن رفضت القبول بأي تدخل عربي أو دولي خلال عشريّتها الدموية، كما رفضت التدخل العسكري في ليبيا بما في ذلك دعم حلف الناتو للثوار، وأصرّت بعد سقوط القذافي على أن يكون الحل بين الليبيين مهما كانت درجة الاختلاف والاقتتال بينهم، ولها موقف متحفظ وحذر من قوات التحالف العربي في اليمن. لكنها تجد نفسها اليوم في تناقض مع موقفها -الذي هو ميراث من ثورة التحرير- من التدخل العسكري الروسي في سورية، حيث اِلتزمت الصمت على خلاف دول عربية أعلنت رفضها مثل غالبية الدول الخليجية، وأخرى أعلنت تأييدها مثل العراق وبدرجة أقل مصر.   غير أن المراقبين يرون في التزام الجزائر الحياد والصمت نوعاً من التأييد المبطن للتدخل الروسي، انطلاقاً من ثلاثة أسباب، الأول: أن روسيا حليف مشترك بين الدولتين الجزائرية والسورية، والثاني: أن الجزائر تؤيد النظام السوري باعتباره صاحب الشرعية، وأنه يواجه مؤامرة دولية، والثالث: أنها ترى في الجماعات الإرهابية مثل «داعش» و «النصرة» وغيرهما خطراً لا يمكن سورية أن تواجهه منفردة ما دامت دول عدة تساهم في دعم الجماعات الإرهابية.   ويُشّكل التحليل السابق -إن تأكدت صحته وواقعيّته- خطراً على الجزائر في المستقبل المنظور، حيث سيسمح بتدخل قوى دولية في المغرب العربي وعلى امتداد الصحراء الكبرى حيث تنتشر الجماعات الإرهابية بخاصة في المنطقة الواقعة بين مالي والجزائر، وسيكون التدخل في البداية مطاردة للعناصر الإرهابية، ثم اعتماد قواعد عسكرية لحماية النفط والغاز والأورانيوم والفوسفات والذهب، هذا يمثل مطلباً أميركياً وفرنسياً، وهو اليوم مطلب روسي أيضاً، بعد أن أصبح «داعش» مجاوراً للجزائر من خلال وجوده في ليبيا. والبداية من محاربة هذا التنظيم الإرهابي، كمدخل لعودة روسية إلى ليبيا، وهو ما تتخوَّف منه الدول الغربية خصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا، يضاف إليها تركيا.   ووفق تصريح مصدر أمني لجريدة «الخبر» الجزائرية (الجمعة 16 الجاري) فإن «الروس أبلغوا الجزائريين قلقهم من زيادة نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، وهو ما قد يفتح الباب أمام ضربات جوية روسية ضد تنظيم الدولة في هذا البلد»، وذلك بعد مراقبة روسيا تنظيم الدولة الإسلامية بواسطة طائرات استطلاع وقمر اصطناعي للتجسس، وتتركز المراقبة في المناطق الساحلية الشرقية قرب الحدود المصرية الليبية، عبر شريط ساحلي يمتد من 200 إلى 300 كلم.    وإذا سلمنا بالمعلومات السابقة فإن الوجود الروسي في الدول العربية -ناهيك عن التدخل العسكري- أصبح واقعاً، ويتّخذ أشكالاً مختلفة ستنتهي جميعها إلى مزيد من التدخل العسكري، فروسيا اليوم تشترك مع بغداد وطهران ودمشق في مركز استخباري ومعلوماتي لمحاربة الجماعات الإرهابية، وهي في سورية منذ فترة من خلال قاعدتها العسكرية في طرطوس، وحالياً من خلال وجودها العسكري المكثف، ومستقبلاً عبر إقامتها قواعد عسكرية جديدة في حال انتصار نظام بشار الأسد على المعارضة، وهي موجودة من خلال مراقبتها عبر الحدود المصرية الليبية، وهي أيضاً في ليبيا حتى قبل تدخلها عسكرياً في سورية من خلال مراقبتها مواقع خاضعة لسيطرة داعش هناك.   من ناحية أخرى فإن روسيا أبلغت الجزائر ومصر وتونس قلقها من زيادة نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، وأبدت مخاوفها من تحول ليبيا إلى منطقة تدريب للجماعات السلفية الجهادية بدل العراق وسورية، وهو ما يفتح الباب أمام احتمال توجيه ضربات جوية أو صاروخية بصواريخ جوالة روسية، وهو ما سيوسع من جغرافية الحرب، وسيطيل من عمر الصراع، ويحوّل الدول العربية المعنية إلى ساحات للصدام وصراع المصالح بين القوى الدولية. وهكذا ستكون مطاردة «داعش» مدخلاً لحضور دولي روسي لأجل غير مسمّى، وهو ما يتناقض، بل يتعارض مع نهج الجزائر في محاربتها الجماعات الإرهابية، حيث تؤكد دائماً على خصوصية وظرف كل دولة في مواجهة الإرهاب، وعدم ربط مصير الدولة الوطنية بمواقف الدول الراعية أو المحاربة للإرهاب، وأيضاً رفض التدخل الأجنبي، مدنياً كان أم عسكرياً.    وتشترك الجزائر مع روسيا في محاربتها الجماعات الإرهابية في عدد من الأسباب، منها: الخوف من استيلاء الجماعات الإرهابية على مناطق في دول الجوار، واعتبارها أراضي محررة، على غرار ما وقع في سورية، واستيلاء هذه الجماعات على مواقع استراتيجية مثل آبار النفط والغاز أو العمل من أجل تفجيرها كتلك المحاولة في «إن إميناس» جنوب الجزائر، واستغلال الدول الغربية انتشار الإرهاب، والتحاق بعض الشباب الجزائري والروسي بصفوف الجماعات الإرهابية. وتُبْدي روسيا، وفق تصريح المصدر الأمني لجريدة «الخبر»، اهتمامها بأربعة أمور: الأول هو تأثير وجود تنظيم «داعش» في ليبيا على حركة الملاحة في البحر المتوسط، مع وجود أنصار «داعش» في مناطق ساحلية وامتلاكهم أنواعاً عدة من الصواريخ، والأمر الثاني: المعلومات التي تشير إلى تواجد مسلمين متشددين من أصول روسية وشيشانية في صفوف تنظيم داعش في ليبيا، والثالث: مصير بعض الأسلحة الروسية المتطورة التي كانت بحوزة نظام القذافي وتم نهبها بالكامل، والرابع: المخاوف من تصنيع أسلحة كيماوية في ليبيا بأيدي تنظيمات سلفية جهادية مرتبطة بـ «القاعدة» و «داعش».   وبغض النظر عن شرعية المخاوف الروسية ودفاع موسكو عن مصالحها، فإن الجزائر اليوم، وإن لم تعلن رسمياً تأييدها التدخل العسكري الروسي في سورية أو ذلك الذي سيكون في ليبيا بعد المراقبة لفترة طويلة، تخفي توقعاتها من التأثيرات المستقبلية السلبيّة للتدخل الروسي المحتمل على صعيد العلاقات الدولية، وهي حقيقة أصبحت مزعجة للجزائر، لذلك كثفت اتصالاتها مع القوى السياسية الليبية بما فيها بعض الإسلاميين المعادين لها، كما كثفت نشاطها الاستخباري، رغم انشغالها بالتغييرات الأخيرة التي طاولت قيادات أمنية فاعلة، وذات خبرة واسعة بملف الجماعات الإرهابية، ليس في الجزائر ودول الجوار فحسب وإنما في العالم كله. الجزائر في التزامها الصمت بخصوص التدخل العسكري الروسي في سورية، تؤكد أمرين، الأول: علاقة التحالف مع الدولة السورية ومع الحليف الروسي الاستراتيجي، خصوصاً في ميدان التسليح، والأمر الثاني: حق النظام القائم في حماية دولته حتى من خلال الاستعانة بالخارج ما دامت قوى دولية كثيرة تحاربه، لكن الجزائر تدرك أن الإرهاب فتح الباب أمام التدخل الخارجي في الدول العربية وإن كان القادمون أصدقاء، وأن المشكلات العربية المحلية قد دُوِّلت، وأن مرحلة من التاريخ العربي قد أفل نجمها، وأن مرحلة جديدة من تاريخنا العربي تتشكل متناقضة مع كل الشرعيات والقيم، وهي أيضا رافضة ومعادية ومُلْغية لمواقف جمعت بين العرب في الماضي القريب