من الشباك لأرميلك حالي، عصفور طل من الشباك.. الحديث عبر النوافذ هو سيد الموقف في ظل حالة منع التجول التي يشهدها قطاع غزة، ضمن إجراءات وزارة الداخلية والأمن الوطني وبتوصيات من وزارة الصحة لمواجهة تفشي فيروس كورونا.
أجواء منع التجول في القطاع بين سندان الفكاهة ومطرقة الوجع، جل الناس محجورين، قليلون من يتمكنوا من الخروج لتلبية نداء المهنة أو الألم وهم إما طبيب أو صاحب بزة عسكرية أو صاحب حاجة، وسط إجراءات احترازية وتشديد من رجال الأمن المنتشرين في أزقة المخيم وشوارع المدينة.
قطاع غزة مقسم لمحافظات لمواجهة انتشار فيروس كورونا في كل محافظة مخيمات ومدن تعج بالألم والأمل، السماء تئن فتمطر والأرض تضحك فترقص، تفاصيل لها بداية لكنها لا متناهية تتناغم مع كلمات وحركات ومشاعر غير مفهومة، ومفهومة في آن واحد.
ضحكات الأطفال وأقدامهم المغبرة وكرة القدم التي يركضون خلفها في زقاق المخيم وشرودهم من سيارة الشرطة، مشهد أضحك الضباط والجنود، ومن هم على النافذة، الأطفال صفقوا مهرولين هاربين خلف ستار منزلهم ظنًا بأنها ستحميهم من رجال الأمن، تحية إجلال للأخير الذي تغاضى عن فعلتهم وأمهلهم فرصة أخرى وقال لهم "لا تخرجوا وابقوا في منازلكم لأجلكم ولأجلنا".
عبر النافذة القريبة من الأرض تطل ثمانينية عجوز تجاعيد وجهها رسمت خارطة فلسطين وجسدت أيام الانتفاضة وترتدي ثوبها المطرز، تقول لأحفادها "تخافوش يا ستي هدول عرب مش يهود"، على غرار ما كان يحدث وقتما كان هنا احتلال في قطاع غزة، لكن شتان شتان فمهما حصل هؤلاء أبناء جلدتنا.
يصفق الجميع بحرارة ويصفروا "صوت يخرج من الفم للدلالة على الفرح"، وأنا كنت أردد في مسامعي أن هنا شعب يحق له العيش ويحق لها أن يحيا بكرامة، ولعنت الوباء والاحتلال في آن واحد، كيف قسما الوطن لقسمين وفي كل قسم أجزاء متناثرة.
إن الشعب الفلسطيني برمته لا ينفك عن مقارعة وجعه، إما بالحجر والمقلاع أو البارودة وشجر الزيتون أو الضحك وسط تفشي الألم أو حتى بكمامة ممزفة، حقًا إنه شعب يستحق من الحب السرمدي والسلام الذاتي ما لا مد ولا جزر له فهو كالبحر ينضح بالخير والعطاء.