-خبر-كتب:هاني حبيب
25 تشرين الأول 2015
على الرغم من تراجع حكومة نتنياهو على أكثر من صعيد في ملف المسجد الأقصى، في اليومين الماضيين، خاصة حول العودة إلى السماح لكافة المواطنين الفلسطينيين بصرف النظر عن أعمارهم بالصلاة في الأقصى، أو بمنع دخول اليهود الإسرائيليين إلى المسجد، بالتوازي مع «فتاوى» الحاخامات اليهود بهذا الشأن، إضافة إلى تكراره المستمر حول ثبات «الوضع القائم» في الأقصى، بالرغم من كل هذا «التراجع» إلاّ أنه يربح أكثر على صعيد العلاقات الخارجية!!
فقد نجح نتنياهو في التصدي «للجنة الرباعية» إثر محاولتها منذ بدء انتفاضة الكرامة التدخل لإعادة الثقة بين الطرفين، كما أشارت اللجنة وهي تتهيأ للوصول إلى إسرائيل والضفة الغربية، إلاّ أن نتنياهو، رفض هذا التدخل عملياً، عندما طلب منها إرجاء حضورها إلى المنطقة، أذعنت «الرباعية» بسرعة مدهشة، وأعلنت تأجيل هذه الزيارة، رغم تصاعد الانتفاضة، ولم تحدد موعداً لهذا التأجيل، تلبية لأوامر نتنياهو، وها هي تجتمع في العاصمة النمساوية ـ عن بعد ـ لتناقش ما أسمته أحداث العنف في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.
ومن المؤكد أن أحداً لا يراهن على دور فاعل لهذه اللجنة الرباعية، التي غابت تماماً عن أي دور حقيقي خلال العدوان والحروب الإسرائيلية المستمرة في الضفة وقطاع غزة، وعدم اتخاذ أي موقف فاعل، رغم احتجاجاتها وإداناتها المتكررة للاستيطان، إلاّ أن نتنياهو ربما كان يخشى من تصريح هنا وهناك لأطراف من الرباعية، كروسيا والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يعتبر أمراً سلبياً بالنسبة لسياساته، خاصة وأنه كان يراهن على أن «الهبّة» لن تتحول إلى انتفاضة شعبية، وهو رهان خاسر بالتأكيد، الأمر الذي دفعه إلى عدم الوقوف أمام زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، الذي كان خير نصير لنتنياهو وسياساته، من خلال تصريحاته التي تشير إلى مسؤولية الجانبين عن وقف التدهور، لكن الأكثر انتقاداً من قبل بان كي مون لسياسة نتنياهو واليمين المتطرف والديني في إسرائيل، استخدامه لمصطلحات توراتية دينية يهودية عندما أشار إلى «الحرم الشريف وجبل الهيكل» في صياغة تعكس عدم حياد الأمين العام ومنظمته الدولية، رغم أن هذه المنظمة هي التي أصدرت، سواءً من خلال مجلس الأمن أو الجمعية العامة، عشرات القرارات واجبة التنفيذ من قبل الدولة العبرية، والتي لا تزال مجرد قرارات تمردت عليها إسرائيل حكومة إثر أخرى، من دون أن تجد من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، وهو في إسرائيل، تذكير نتنياهو بضرورة الالتزام بهذه القرارات، بل انه حاول أن يحمل الجانب الفلسطيني مسؤولية البدء بما أسماه العنف!
وفي الأثناء، نجح نتنياهو بإسناد أميركي واضح، بردع فرنسا، التي تقدمت بمشروع قرار دولي، يوفر نشر مفتشين دوليين في مدينة القدس، خاصة في المسجد الأقصى، بهدف مراقبة تنفيذ ما يسمى «بالوضع القائم» والتزام إسرائيل بهذا الوضع الذي دائماً ما أكدت أنها ملتزمة به، تراجعت فرنسا، ولم تتمكن حتى من إصدار بيان «رئاسي» من مجلس الأمن، وهو بيان غير ملزم، كما هو الأمر، أيضاً، بالنسبة إلى بيان من مجلس الأمن نفسه، ناهيك عن قرار رسمي من قبل المجلس. أمين عام الأمم المتحدة، حضر وعاد، من دون أن تتحدد جلسة قادمة لمجلس الأمن لمناقشة ما يجري من عدوان دموي سافر على الشعب الفلسطيني في عموم الأرض الفلسطينية، ويبدو أن كافة الأطراف كانت تنتظر الدور الأميركي.
وبعد ان فشلت الضغوط الأميركية ـ الإسرائيلية، لعقد قمة رباعية تجمع الرئيس عباس بنتنياهو والملك عبد الله وضيافته مع وزير الخارجية الأميركي، عندما رفض أبو مازن مثل هذا اللقاء الذي حاول نتنياهو من خلال الدعوة له عبر كيري، ضرب الحراك الشعبي وانتفاضة الكرامة في العمق، لذا، لجأ نتنياهو إلى اجتماع ـ مبكر ـ مع كيري في العاصمة الألمانية، قبل أن يصل الأخير إلى المنطقة، لذلك، فإن معظم ما سمعناه من كيري إثر هذا اللقاء يدور حول «وقف التحريض» باعتبار أن الرئيس عباس، وفقاً لتصريحات نتنياهو المتكررة، يترأس ويدعو لموجة التحريض ضد الإسرائيليين، وكأن الأمر بحاجة إلى أي تحريض في مواجهة الاحتلال الذي هو بحد ذاته تحريض دائم على القيام بكل ما يلزم وعبر كافة الوسائل التي تجيزها القوانين الدولية، بهدف إنهاء الاحتلال.
بالأمس، كان اللقاء بين الرئيس عباس ووزير الخارجية الأميركية جون كيري، الأخير حمل معه اشتراطات ومطالب نتنياهو التي أصغى إليها في برلين، مكرراً الحديث عن ضرورة وقف التحريض والالتزام «بالوضع القائم» في المسجد الأقصى، والحديث عن مفاوضات يعرف كيري أنه لا طائل من ورائها بعدما تصدت إسرائيل لكل جهوده على هذا الملف، وعوضاً عن ذلك تقدم أبو مازن، مستلهماً الحراك الشعبي وانتفاضة الكرامة، بضرورة فتح ملفات الوضع النهائي وتشكيل لجان تحقيق دولية بما تمارسه قوات الاحتلال من إعدام ميداني مباشر بحق الفلسطينيين في شوارع وأزقة القدس والمخيمات وسائر المدن الفلسطينية المحتلة.
الحراك الأميركي، ظل وسيظل رهناً بما تقدم عليه الدولة العبرية من خطوات تعيد المناطق المحتلة، كلها وليس القدس فقط، إلى ما كانت عليه قبل سيطرتها المطلقة وضمها إلى الكيان العبري، وهو «الوضع القائم» الذي يمكن البناء عليه وليس «الوضع القائم» حسب تفسير نتنياهو!!