هل حان وقت القائمة العربية اليهودية الموحَّدة؟!

عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

بقلم: عبد المجيد سويلم

سأُجيب بنعم دون تردُّد.
لا يتعلق الجواب بكون هذه «القائمة» هي الحلّ السحريّ، أو باعتبارها حبل النجاة، أو حتى باعتبارها المخرج الكبير من أزمة راهنة.
أبدأ، المسألة بهذه المعاني والاعتبارات، ربما تكون وهماً أو مبالغةً ليست في مكانها وذلك بالنظر إلى أن اليمين الإسرائيلي هو عنوان الجذب الأكبر، و»العلامة السياسية» المسيطرة على أذهان غالبية كبيرة في إسرائيل، وبالنظر أيضاً إلى أن «اليسار» بالمقابل قد خسر في الواقع، وفشل أن يُبقي نفسه الطرف المقابل لهذا اليمين، ولم يعد قطباً في معادلة المغناطيسية السياسية في إسرائيل.
بل واكثر من ذلك فإن قطبي التجاذب في هذه المغناطيسية السياسية هما اليمين واليمين، واليسار في طريقه إلى التلاشي، وليست معركته في الواقع سوى معركة «البقاء» ليس اكثر، في حين أن «الوسط» ليس اكثر من «عصير» سياسي ممزوج بعدة أنواع من طعم الثمار، وليس من الثمار نفسها وبحيث يستحيل على المتذوق الإسرائيلي أن يتعرف إلى اصل الطعم، أو حتى مجرد تخمين ما يمكن أن يكون عليه.
وبرأيي لم يكن ممكنا أو متاحا من الناحية السياسية العامة، ومن ناحية نضج الواقع السياسي لفكرة القائمة العربية اليهودية والحديث عنها قبل توفر عاملين اثنين، يتعذر  لغيابهما وضع هذه القائمة على جدول الأعمال.
العامل الأول، هو تماسك وحدة الموقف في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، وتبلور هذا التماسك في صيغ سياسية مستقرة، وراسخة سياسياً (وليس فكرياً) وديمقراطية، لها معايير وضوابط متوافق عليها، وعلى السير في هديها، والاسترشاد والالتزام بموجباتها ومقتضياتها.
وقد توفر هذا العامل موضوعياً في القائمة المشتركة، بالرغم من بعض حالات التعثر، ومن بعض محاولات الإجهاض، بل وبالرغم من الدرجة العالية من الاستهداف الذي يوجه لها من اكثر من جهة.
أما العامل الثاني، فهو اتضاح فشل المراهنة على اليسار الصهيوني بالكامل، وفشل التفتيش عن قواسم مشتركة حقيقية مع الجناح التقليدي من هذا اليسار، ومع الجناح «اليساري» لهذا اليسار دون الطلاق التام والنهائي والناجز بين هذا الجناح الأخير وبين مجمل مركبات المشروع الصهيوني في تجلياته وتجسيداته الاحتلالية والإقصائية  والإحلالية والتمييزية. هذا العامل ليس ناضجاً بعد، وليس جاهزا بالكامل لكي يكون جزءاً فاعلاً وعضوياً في تحالف فكري وليس سياسياً فقط في إطار صيغة عربية يهودية بديلة.
وعندما نتحدث عن الصيغة البديلة فإننا نقصد البديل التاريخي وليس السياسي فقط، أو لنقل إن هناك فرقاً جوهرياً بين التحالف السياسي الذي يمكن أن ينطوي على مصالح مشتركة، وتقاطعات معينة، في لحظة سياسية معينة، في إطار مرحلة سياسية معيّنة.
ويتجلى هذا الفرق تحديداً ـ كما أرى ـ في أن الخيار السياسي، أو البديل السياسي هو خيار عابر ومؤقت، ومحكوم بالظرف الملموس في إطار لحظة سياسية ومرحلة سياسية.
لا يقوم هذا التحالف والتقاطع في هذه الحالة على أسس وعلى اعتبارات فكرية ورؤيوية أو برنامجية، وهو متغير بتغير معطيات اللحظة والمرحلة، وهو قابل للتغير والتبدل، بل ويمكن أن ينتقل إلى نقيضه وضده في مرحلة أخرى وفي ظروف سياسية مغايرة.
ومن الزاوية المنطقية فإن ديناميات الحالة السياسية والاجتماعية هي التي تفرض وتفترض وجود هذا النوع، وهذا القدر من التقاطع والالتقاء في مصالح اللحظة والمرحلة بالمعنى المباشر للكلمة وليس بالضرورة مطلقاً بالمعنى البعيد والمستقبلي لهذه الكلمة.
أما القائمة العربية اليهودية فهي تلك القائمة المؤسسة على فكر سياسي ملتزم، وعلى رؤى فلسفية سياسية شاملة، وعلى برنامجية استراتيجية، وعلى مصالح حيوية مشتركة دائمة، مباشرة ومتوسطة وبعيدة.
أي باختصار، القائمة العربية اليهودية هي البديل التاريخي في حين أن البديل السياسي هو البديل العملي. أخطر ما يواجه هذا التفريق الضروري هي المدارس النفعية أو البرغماتية الانتهازية ذات النزعة اليمينية لدى كل من مجتمع فلسطيني في الداخل، ولدى المجتمع اليهودي في إسرائيل وهو الخطر الأول، أما الخطر الثاني والمقابل، فهو خطر التشدد «اليسراوي» «الطهوري» الطفولي من زاوية التصنيف الأيديولوجي الدقيق.
ومهما تكن إمكانية بناء جبهة عربية يهودية صعبة في ظل تراجع دائرة التأييد وتضاؤلها لدى اليسار اللاصهيوني، المعادي والمثابر في تصديه للمشروع الصهيوني وتفرعاته وتفريخاته وتجلياته وأشكاله المفضوحة والمستترة، فإن انخراطه في إطار عربي يهودي مشترك وموحد هو النموذج الوحيد القادر لأن يكون بديلا تاريخيا وليس سياسيا فقط.
هذا النموذج بالذات مهما بلغت درجة معاداته، ومهما تعددت أشكال مواجهته، ومهما بدا وكأنه فكرة طوباوية، ومهما كانت درجة إيمان الناس بحاضره ومستقبله، فهو الوحيد الذي يشق طريقاً، وهو الوحيد الذي يكون الالتحاق به والانضمام إلى صفوفه، ودعمه وإسناده هو بناء وتأسيس حقيقي لعلاقات راسخة بين الشعبين قائمة على إيمان بوحدة المصير، ووحدة العيش المشترك القائم على مساواة ليست فقط «مطلبية» الطابع واجتماعية واقتصادية المضمون.
هذا النموذج هو الذي يفضح المشروع الصهيوني، وزيفه، وتزوير رواياته، وهو القادر على استقطاب الدعم والإسناد من كل قوى السلام والخير، وهو القادر على التماهي التام مع القانون الدولي الإنساني، وهو الوحيد الذي يمثل المصالح الحقيقية لفكرة العيش المشترك.
لا تناقض بالمطلق بين العمل السياسي، والبديل السياسي النابع من اللحظة السياسية والمرحلة السياسية المؤقتة والعابرة والمتغيرة بتغير وتطور العوامل الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية والسياسية، وبين شق طريق البديل التاريخي الذي هو النموذج والهدف وهو أداة العبور للمستقبل.