عــنــدمــا حمـى مقاتـلــو "ليــحــي" ملــك المــغــرب

حجم الخط

بقلم: شلومو نكديمون


الجديد الوحيد في علاقات إسرائيل والمغرب، الآن، هو إخراجها من الظلام.  تعود بدايتها إلى منتصف الخمسينيات، وقد شهدت ارتفاعات وهبوطات كثيرة.
في بدايتها مثلاً، كان حرس الملك الحسن يتشكل من أفراد من أصول التنظيم السري «ليحي»، ممن كانوا معروفين بجسارتهم، واختارهم رئيس «الموساد» الأول، إيسار هرئيل، الذي من جهة فضل، من ناحية سياسية وبسبب مخاوف معينة، أن يكونوا خارج حدود دولة إسرائيل، ولكن من جهة أخرى كان يعرف بأن أمن الملك يوجد كما طلب في الأيدي الأكثر أمانة.
الملك الحسن، من جهته، شعر بأنه يمكنه أن يكون صريحاً مع «الموساد»، وفي العام 1963 أقر إقامة مجموعة في بلاده لمندوبي التنظيم.
لهذه الدرجة توثقت العلاقات حيث إنه في العام 1965، عندما استضافت بلاده مؤتمر القمة العربية، كانت إسرائيل تتنصت على المداولات.
كما كانت لحظة طلب فيها من إسرائيل أن تسدد للمغرب بالعملة الصعبة: رئيس المعارضة، مهدي بن بركة، اتهم بالتآمر ضد الملك، وأُدين بالخيانة للوطن وحكم بالإعدام غيابياً.
وطلبت المغرب مساعدة إسرائيل في القبض عليه، بملاحقته وبإسداء المشورة في كيفية نقله إلى العالم الآخر.
وقد روت «يديعوت أحرونوت» القصة بكاملها في أيلول 1994. ففي رسالة إجمالية كتب رئيس «الموساد»، مئير عميت، لرئيس الوزراء، ليفي أشكول، يقول: «فعلنا أكثر بكثير مما اعتقدنا... الوضع مرضٍ... رغم الأخطاء فنحن لا نزال في خط الأمن الذي وضعناه لأنفسنا؛ أن نقدم مساعدة فنية فقط، والتي حتى لو انكشفت ستنجح في اختبار المساعدة الشاملة والطبيعية التي توجد بين «الأجهزة» دون التدخل المباشر. وضعنا لأنفسنا حدود أمن واضحة، وعملنا بنية طيبة وبكامل المسؤولية... لا يوجد دليل أفضل من الواقع نفسه».
وأعفيت إسرائيل أيضا من وسائل المرافقة التي طلبت المغرب لحمل الأمر إلى منتهاه («أثبتم قوتكم في القبض على آيخمن، ساعدونا في هذا»)، وأغرق رئيس المعارضة في حوض الاستحمام، طريقة وصفها الإسرائيليون بـ»الحقيرة».
وعلى أرض المغرب تمت أيضاً الاتصالات الأولى التي مهدت الطريق للسلام بين إسرائيل ومصر.
فقد كان رئيس «الموساد»، إسحاق حوفي، الإسرائيلي الأول (بينما إلى جانبه مندوب «الموساد» في الرباط، يوسف فورات، زوج الممثلة أورنا فورات) الذي التقى بشكل رسمي مع مندوب رسمي كبير، هو محمد حسن التهامي، الرجل المقرب جداً من أنور السادات في القيادة المصرية.
وقدم الملك حوفي للتهامي وخرج من الغرفة. وهكذا بدأت المحادثات التي نالت الزخم عندما طلب الدبلوماسي المصري اللقاء مع شخصية إسرائيلية رفيعة المستوى، وكلف رئيس الوزراء، مناحيم بيغن، وزير خارجيته موشيه دايان بالمهمة.
دايان نفسه، الذي كان خبيراً في اللقاءات السرية، أخفى نفسه جيداً في الطريق إلى اللقاء. «وضع على رأسه شعراً مستعاراً وشاربا طرزانيا ونظارات غامقة كبيرة»، كما روى.
وقبل أن يلتقي المندوب المصري استضافه الملك الذي أسمعه أيضا كلمات تهدئة: «يوجد لي طائفة يهودية كبيرة. وأنا مقبول عليهم، وفي نظري هم مواطنون مغاربة موالون. أتحدث صراحة عن أعمال، عن العلاقات مع اليهود وعن رغبتي في تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل. أما دايان الذي أحب التحقيق في الأمر حتى النهاية، فكان فضوليا ليعرف ما الذي يدفع مضيفه ليعمل في موضوع السلام، إذ إن إسرائيل ليست دولة مواجهة مع بلاده. ولكن الملك سبقه وسأل ضيفه: «كيف يصنع السلام؟» وكان دايان جاء مستعدا، بسط مفهومه السياسي الذي يتشارك فيه مع رئيس الوزراء، وفهم بأن التواصل يجب أن يكون مع جهة مصرية سياسية عليا.
وكل ما تبقى والذي ذروته هي الخروج الحالي إلى النور، والذي بادر إليه هو الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هو فقط فصل أخير للتاريخ المتسلسل.    

عن «يديعوت»