بينيت، ساعر، ونتنياهو يحطّمون "الحلم الصهيوني"!

حجم الخط

بقلم: ميراف ارلوزوروف

 


«في السنوات الأخيرة حكومة إسرائيل توقفت عن العمل في مجالات كثيرة: «تعيق»البيروقراطية مشاريع تجارية صغيرة، ويتصرف موظفون أحيانا وكأنهم يصنعون معروفاً للمواطن، وأصبح الحصول على شقة أمراً غير ممكن رغم العدد الكبير من التصريحات والبرامج؛ لا أحد حقاً يواجه تحدي دمج الأصوليين في الاقتصاد، وعقّدت المحكمة العليا والسياسيون ذلك بسبب الشعبوية؛ شباب كثيرون يشعرون بأنه لا يوجد لهم مستقبل، عندما تم خلق اقتصادين: الهايتيك برواتب عالية وتشغيل كامل، والباقي رواتب منخفضة جداً».
نفتالي بينيت هاجم، هذا الأسبوع، مرة أخرى بطلاقة تميزه، فشل حكومة نتنياهو في معالجة أزمة «كورونا» بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام. من أجل ذلك عرض بينيت خطته الاقتصادية، «خطة الـ 200 يوم» للخروج من الأزمة.
لا شك في أن بينيت يعرف كيف يستغل جيداً فشل نتنياهو الإداري، ووضع نفسه بديلاً إدارياً أفضل بكثير.
ولكن هل هو حقاً مختلف عن نتنياهو؟ مثل رئيس الحكومة، بينيت أيضا قوي جدا في الأقوال وضعيف جدا في الأفعال.
عمليا، أفعاله مخالفة تماما لكل ما يعظ به. ومن هذه الناحية هو سياسي متهكم، سيئ، وضار بالضبط مثل نتنياهو. بالمناسبة، هذه القاعدة ذاتها تنطبق أيضا على بديل نتنياهو الجديد، جدعون ساعر.
حقيقة: ساعر وبينيت تبين أنهما وزيرا تعليم يهتمان بالصغائر. فهما خدما المصالح السيئة ذاتها، ومثل نتنياهو هما فعلا ذلك بشكل متعمد. ساعر وأكثر منه بينيت يوافقان على الخطوات التي استهدفت المس بأطفال إسرائيل فقط لأن هذا خدمهما شخصيا.
القصد هو 25 في المئة من أطفال إسرائيل، أطفال المتدينين، الذين قام وزراء التعليم هؤلاء برميهم تحت إطارات الشاحنة.
«بدأ الخلل بسبب تحالف بينيت مع يعقوب ليتسمان»، احتجت عضوة الكنيست، غيلا فريدمان، من قائمة تيلم، «بينيت نفسه هذا الذي تحدث عن خمس وحدات تعليم في الرياضيات، لم يسمح لأولياء الأمور الأصوليين بتعليم أولادهم حروف اللغة الانجليزية أو تعلم أكثر من أربع عمليات حسابية».

تجفيف مبادرة بيرون
نعم، بينيت الذي يتحدث بصوت عالٍ جدا عن الاقتصاد والهايتيك والعلوم والنمو، عقد تحالف غير مقدس مع زعماء الأصوليين من أجل حرمان أولادهم من الحق في تساوي الفرص عن طريق تعلم المواضيع الأساسية.
أيضا ساعر لم يفعل أي شيء من أجل الدفع قدما بإدخال المواضيع الأساسية إلى المدارس الدينية.
ولكن عملية بينيت كانت أكثر خطورة، لأنه بين ساعر وبينيت كان هناك وزير تعليم تاريخي وهو شاي بيرون، الذي كان أول من تجرأ على أن يعرض على الأصوليين الحق في أن لا يبقوا جاهلين وفقراء.
قام بيرون بتأسيس التعليم الرسمي – الديني، وهو تيار تعليمي بإشراف كامل من وزارة التعليم، يدمج تعليم المواضيع الأساسية الكاملة مع تعليم بروح أصولية.
مرر بيرون قرارا حكوميا بخصوص التعليم الرسمي – الديني، لكنه لم يتمكن من إدخاله إلى القانون قبل أن يحل نتنياهو الائتلاف مع «يوجد مستقبل» واستبداله بائتلاف جديد مع الأصوليين.
عندما تسلم بينيت منصب وزير التعليم فهم روح القائد: لقد وضع في أيدي نائب وزير متدين إدارة التعليم الرسمي – الديني، وبهذا تسبب بتجميد البرنامج فعليا.
وزارة التعليم في عهده، وبالطبع أيضا في عهد رافي بيرتس ويوآف غالنت، تفعل كل ما في استطاعتها من أجل إفشال فتح مدارس رسمية – دينية. وبهذا تمنع أولاد المتدينين من الحصول على الثقافة وكسب الرزق باحترام.
فعلياً، وزارة التعليم منذ عهد بينيت فصاعداً تدفن بشكل متعمد مستقبل دولة إسرائيل. حتى العام 2060 سيشكل الأصوليون حوالى ثلث سكان إسرائيل. وإذا لم يندمجوا ولم يعملوا فإن إسرائيل ستكف عن كونها دولة حديثة ومتطورة.      
فقط من أجل أن يندمج الأصوليون يجب عليهم تعلم المواضيع الأساسية من سن صغيرة. ومحاولة منح الأصوليين استكمال تعليم في سن كبيرة تكلف مبالغ ضخمة وفشلت فشلا ذريعا. ومعدلات تسرب الشباب المتدينين من التعليم الأكاديمي هي معدلات أعلى من 60 في المئة. عندما يكونون متزوجين ويتولون رعاية أطفال، فإن الشباب المتدينين يكونون غير قادرين على استكمال الفجوات الضخمة لسنوات التعليم التي تنقصهم. في هذه المرحلة تكون الفرصة قد ضاعت.
كان بالإمكان، بل يجب، إجبار الأصوليين على تعلم المواضيع الأساسية ضمن نظام تعليمهم، الممول كما هو معروف من ميزانية الدولة، ولكن الحلف الساخر لنتنياهو مع الأصوليين لن يسمح بذلك.
وبدلا من ذلك جاء الحل العبقري الذي فكر فيه بيرون: فتح تيار رسمي – ديني بديل للأصوليين الذين يريدون ذلك.
أنظمة التعليم الأصولية – نبع التعليم التوراتي لـ «شاس» والتعليم المستقل لليطائيين – يمكنها مواصلة تربية أجيال من أطفال الأصوليين الجاهلين، لكن الأصوليين الذين يريدون أن يكون أولادهم مثقفين يمكنهم فعل ذلك.
نظام التعليم الرسمي – الديني تم تأسيسه في 2014. كل ما كان مطلوباً هو السماح له بمواصلة التطور.
هذا ليس فقط مصلحة عليا للدولة التي تعتبر نفسها دولة حديثة ومتقدمة، بل أيضا الواجب الأخلاقي لدولة ليبرالية أن تعطي لكل أولادها مساواة في الفرص.
«الحق في التعليم هو حق أساسي ينبع من قيمة كرامة الإنسان. من أجل الحفاظ على كرامة الإنسان المعني بالاندماج في المجتمع يجب السماح له بتجسيد قدراته واستنفاد استقلاليته الشخصية»، كتبت القاضية عدنا أربيل في قرار حكم المحكمة العليا من العام 2014 والذي تناول غياب تعلم المواضيع الأساسية في نظام التعليم الديني.
«تمويل التعليم الذي لا يضمن أن طلابه يمكنهم إعالة أنفسهم بكرامة والاندماج في اقتصاد الدولة يشبه تمويل المنشار الذي ينشر ببطء وبشكل متواصل الغصن الذي يجلس عليه جميع أبناء المجتمع»، أضاف القاضي اسحق عميت.

الأقوال شيء والأفعال شيء آخر
التحدث بصورة جيدة أمر يعرفه الجميع، بمن فيهم المحكمة العليا، ساعر وبينيت (بالطبع الساخر الرئيس نتنياهو أيضا)؛ أما فعل شيء ما في هذا الموضوع فهو قصة أخرى.
في العام 2014، وبتشكيلة تسعة قضاة رفضت المحكمة العليا التماساً بشأن تعليم المواضيع الأساسية.
وفي العام 2019 رفضت المحكمة اللوائية في القدس التماسا لعدد من أولياء الأمور الأصوليين من مبسيرت تسيون، أرادوا فتح مدرسة للتعليم الرسمي – الديني في بلدتهم.
وزارة التعليم والمجلس المحلي مبسيرت تسيون رفضا طلب أولياء الأمور بذريعة أن المدرسة صغيرة جدا وغير مجدية اقتصاديا.
وليس هناك إلزام قانوني لإقامة مدرسة حكومية – دينية. حتى أن السلطة المحلية هاجمت أولياء الأمور؛ لأنهم تجرؤوا على طلب «تعليم أولادهم في مؤسسة خاصة، حسب اختيارهم ورغبتهم، لكن تمويل ذلك من الصندوق العام».
وقد نصح المجلس أولياء الأمور بإرسال أولادهم للتعلم في مدرسة «نبع التعليم» التوراتية في البلدة، التي ليس فيها كما هو معروف تعلم المواضيع الأساسية.
قبلت المحكمة ادعاء السلطة المحلية ووزارة التعليم ورفضت التماس أولياء الأمور.
وزاد القاضي إيلي أبرمبال الطين بلة عندما فرض عليهم مصاريف المحكمة بمبلغ 12 ألف شيكل.
ونذكر بأن الحديث يدور عن مجموعة من أولياء الأمور الأصوليين الذين أرادوا أن يحصل أولادهم على حقوق متساوية في كسب الرزق بكرامة مثل أي مواطن آخر في إسرائيل، وذلك في إطار تيار تعليم حكومي ينتمي للدولة وممول ومراقب ويتم تشغيله من قبلها بصورة كاملة. الانغلاق الصادم للقاضي لم يكن لمرة واحدة. أولياء الأمور استأنفوا في المحكمة العليا، التي بدورها رفضت الاستئناف بدعوى تقنية في محاكمة قصيرة واحدة.
بدلاً من هيئة مكونة من تسعة قضاة قامت بمناقشة مسألة الحق في تعلم المواضيع الأساسية في 2014 فإن هيئة مكونة من ثلاثة قضاة في المحكمة العليا لم تكرس حتى دقيقة واحدة للتفكير في الموضوع في العام 2020.
«ينشر المنشار ببطء وبصورة مستمرة الغصن الذي يجلس عليه جميع أبناء المجتمع»، كتبت المحكمة العليا في 2014، واليوم هذا ينشر المنشار بسعادة لأنه لا يوجد أي أحد يفكر بأن دوره هو وقفه. القضاة منغلقون، تكنوقراطيون، وخالون من أي روح؛ وزراء التعليم متهكمون، ورئيس الحكومة يبيع مستقبل إسرائيل، الأساس هو أن يبقى في منصبه. ائتلاف الرعب هذا – بدءاً بالسلطات المحلية ومرورا بالمحاكم وانتهاء بالزعماء القوميين – يعملون معاً من أجل أن يصفوا بالفعل دولة إسرائيل.
هذا تحالف مناهض للصهيونية؛ لأنه يدفن الحلم الصهيوني وهو يفعل ذلك من خلال مصالح شخصية بائسة.

عن «هآرتس»