"كـورونـا" يـحـتـاج لأكـثـر مـن لـقـاح

حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

لايزال فيروس «كورونا» يحصد المزيد من الأرواح ويفتك بالبشرية على الرغم من استنفار العديد من الدول لشراء اللقاحات الأميركية والصينية والروسية، وعلى الرغم أيضاً من صعوبات إيصال اللقاحات إلى مواطني الدول التي تصنعها نظراً لارتفاع الطلب عليها.
تحدي إبطاء انتشار «كورونا» يعتبر في المرحلة الحالية واحداً من أهم التحديات التي تقلق العالم، خصوصاً وأن الفيروس بات ينتشر بسرعة كبيرة في هذه الأيام، ويفرض ضغوطاً كبيرة على الدول ويدفعها مرةً أخرى إلى اتخاذ تدابير الإغلاق العام لمواجهة الفيروس.
ثمة تحدٍ آخر يتعلق باللقاحات نفسها، حيث هناك مخاوف من قبل الكثير من الأفراد بشأن الحصول عليها تخوفاً من أي آثار جانبية، لكن الغالبية العظمى مستعدة لأخذها لتجنب موجات الفيروس التي تصيب الناس بالآلاف يومياً وتضع صحة الكثير منهم على المحك.
في بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وروسيا وغيرها من الدول بدأت التطعيمات بكثافة تستهدف من يعملون في الخطوط الأمامية من الأطباء، عدا عن كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، غير أن هذا الأمر يحتاج إلى وقت كبير وجهد أكبر لتوفير اللقاحات إلى هذه الشرائح.
أكثر من يتحمل فاتورة الغلاء المعيشي والصحي هم الفقراء، فهؤلاء بالتأكيد لن تصلهم الإمدادات الصحية قبل أن تصل إلى الأغنياء الذين يمتلكون الأموال لشراء صحتهم، ومؤخراً كشف برنامج «كوفاكس» التابع لمنظمة الصحة العالمية أنه يواجه خطر فشل عدم توصيل اللقاحات إلى الدول الأشد فقراً ومتوسطة الدخل حتى نهاية عام 2024.
مهمة البرنامج الأساسية تتضمن توصيل ملياري جرعة من اللقاحات إلى دول كثيرة في إفريقيا وأميركا اللاتينية أواخر 2021، غير أن نقص التمويل والدعم الدولي قد يؤخر وصول اللقاحات، ما يحرم ذوي الدخل المنخفض والمتوسط من التطعيم ضد «كورونا».
ثمة استعجال من قبل الدول الغربية في توزيع اللقاح خلال هذه الفترة، نظراً لنشاط الفيروس في الأجواء الباردة حيث يحل فصل الشتاء، لكن مع اتساع رقعة تطعيم الأفراد باللقاحات، إلا أن «كورونا» لن يختفي من الوجود، وثمة مخاوف من ظهور فيروسات جديدة على غراره.
ينبغي على دول العالم أن تأخذ من تجربة «كورونا» درساً لن تنساه، أولها يتصل بتدعيم وتطوير أنظمتها الصحية حتى تستجيب للكوارث والأزمات الطارئة، وثانياً أن عليها تكثيف البحوث والدراسات المرتبطة بالتحولات الجينية وظهور الفيروسات الخطيرة التي قد تهدد البشرية.
ما الفائدة من سباق التسلح وتخصيص الموازنات الهائلة للدفاع وبناء ترسانة حربية مهولة، بينما لا تصرف الأموال على الميزانية الصحية التي يمكنها أن تشل الدول الحديثة والأكثر تطوراً من جراء فيروس لا يُرى بالعين المجردة. الأولى أن توازن الدول بين مصروفاتها الضرورية وتعطي الأولوية للقضايا المهمة.
ثم إن توفير اللقاح ينبغي أن يكون مهمة وطنية وإنسانية على عاتق الدول، ويفترض أن يتوفر مجاناً لمختلف شرائح المجتمع، والأصل أن تتضامن الدول في مثل هذه المحن وتتبادل المساعدات، لأن الإنسان هو أساس التنمية ومحركها والأولى أن تحمي الدول رعاياها وتؤمنهم في أدنى المستويات.
ما زال هناك خطر كبير من استفحال «كورونا»، وأغلب الظن أن يستعيد العالم عافيته في الثلث الثالث من العام المقبل، ارتباطاً بحركة توسيع توزيع اللقاح بشكل تدريجي على الأفراد، ومع ذلك أيضاً لابد أن تكون العيون «مفتوحة» على مخاطر محتملة سواء أكانت صحية أم بيئية أم طبيعية.
هناك أيضاً ما هو أخطر من فيروس «كورونا» على البشرية منذ ظهوره، وهو الحالة النفسية والاجتماعية التي أصابت الأفراد نتيجة تفاقمه، حيث ضغط كثيراً على الاقتصاد العالمي وكذلك ضغط على أعصاب الناس، وفّرق بين الأسر وضرب النسيج الاجتماعي بحكم ضرورات التباعد.
لقد أنتج «كورونا» أسوأ كارثة على العالم وأرهق الناس وهدّد «لقمة عيشهم»، والخوف على الدول الغنية والفقيرة التي تعاني من الآثار الجانبية لهذا الفيروس، ففي هذا الوقت من لم يمت بـ»كورونا»، مات بغيره من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المترتبة عليه.
العالم بصدق يحتاج إلى التعافي الصحي من «كورونا»، وكذلك تأهيل المجتمعات اجتماعياً ونفسياً للعودة إلى الحياة الطبيعية بعد انتهاء هذه الجائحة، مع التذكير بأننا نعيش في زمن الكوارث ووجوب الاستعداد لها
متى حلّت.