عن العلاقات السريّة مع المغرب وسخاء الملك

حجم الخط

بقلم: يوسي بيلين


إعادة التطبيع العلني مع المغرب، والذي بدأ غداة التوقيع على اتفاق اوسلو وتوقف بعد سنوات قليلة من ذلك، أعادتني 42 سنة الى الوراء، إلى الزيارة الأولى ضمن زيارات كثيرة جداً في هذه الدولة الفريدة. كان هذا في تموز 1978. كنت المستشار السياسي لشمعون بيريس، الذي كان في حينه رئيس «العمل» في المعارضة. سافرنا الى باريس ومن هناك الى المغرب، في طائرة الملك حسن الثاني. كانت هذه هي المرة الاولى التي اطير فيها في طائرة ملك، مع جواز سفر بهوية اخرى، الى المغرب.
ولكن المفاجأة الكبرى انتظرتني بالذات عندما وصلنا. على مدرج الطائرة انتظرنا إسرائيلي استقبلنا بفرح كبير، ووجدنا أنفسنا نتكلم العبرية. فقد كان رئيس بعثة «الموساد» في المغرب، وفقط في تلك اللحظة فهمت عمق العلاقة. على الأرض انتظرتنا قافلة من السيارات الفاخرة السوداء، التي ضمت سيارات رجال الأمن.
نُقلنا الى قصر في العاصمة، ووجّه كل واحد الى غرفته. كان القصر مكيفاً، وكانت الغرف ضخمة. في غرفتي وجدت هرماً من كرات الشوكلاته. بدت غرفة الحمام مثل حانوت تجميل. فهمت بأن مفهوم «كسخاء الملك» معناه عرض خيارات لا توجد اي صلة بينها وبين قدرة المواطن على الاستيعاب. بعد الجولة الى الدار البيضاء التقينا الملك. كان حكيماً جداً، فرنسياً جداً، مطلعاً جداً، معتدلاً، مؤمناً بالسلام في الشرق الاوسط، وتحدث عن يهود المغرب بنبرة الشوق الحقيقي.
اللقاء الثاني مع الملك كان في مراكش في كانون الثاني 1981. قصر آخر، مدينة اخرى، سياحية جداً. مرة اخرى بيريس وأنا، وفي المساء انتظرنا اللقاء مع الملك. سأل بيريس مرافقنا اذا كانت توجد امكانية للمشاركة في حدث ثقافي ما. دُهش المرافق، ولم يرد. ولكن بعد نحو ساعة طلب منا الانتقال الى غرفة أكبر. كان هذا مثل فيلم عجيب: غرفة كبيرة في القصر الملكي، فرقة فلكلورية مغربية، فيها نحو دزينتين من الراقصين، ترقص أمام جمهور من رجلين ببدلتين. كان اللقاء مع الملك مشوقاً، كلقاء بين اصدقاء حميمين.
في أيلول 1993، بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، طِرنا، رابين، بيريس، وأنا الى إسرائيل عبر المغرب، بينما كان في الطائرة ضيوفنا ورجال الاعلام الذين رافقونا. انتظرنا الملك في الرباط، وعرّفنا لأول مرة على ولي العهد، رحب بالاتفاق مع الفلسطينيين وكان متأثراً جداً. طلب منا أن نرافقه كي نشاهد المسجد الثاني في حجمه في العالم، والذي دُشن في الدار البيضاء قبل اسبوعين من ذلك.
حظي المسجد الاستعراضي بانتقادات غير قليلة في العالم. شعرت ان بوسعي أن اسأل الملك عما يقوله عن النقد. نظر الي وقال: «مشكلتنا الكبرى ومشكلتكم هي الإسلام المتطرف. لن نقاتلهم بالسيف، ولكن لا أحد يمكنه أن يقول إنني لست مسلماً مخلصاً، إذا كنت أبني المسجد الأكبر في العالم.
بعد سنة من ذلك عقد في الدار البيضاء المؤتمر الاقتصادي الشرق اوسطي الأول. شعر الملك بان بوسعه أن يكشف العلاقة الوثيقة مع إسرائيل، وكان هذا احتفالاً (قد يكون مبالغاً فيه) بمشاركة زعماء عرب كبار، زعماء ورجال اقتصاد إسرائيليين، وبإحساس بأنه بدأ فصل جديد في تاريخ المنطقة. وبالتوازي اتفق على فتح مكتبين في الرباط وفي تل ابيب، لن يسميا بعد سفارتين، ولكنّ سفيرين يترأسانهما.
غير أنه مثلما حصل مع دول عربية اخرى، فإن جمود المحادثات مع الفلسطينيين، منذ قيام حكومة نتنياهو، والمواجهات العنيفة أدت الى الغاء العلاقات الدبلوماسية الجزئية، المؤتمرات الاقتصادية، والمحادثات متعددة الاطراف (في مواضيع اقتصادية وغيرها، بمشاركة إسرائيل و 13 دولة عربية). سنوات قليلة من التطبيع وفتح السماء انتهت بصوت هامس. من المحظور أن يحصل هذا مرة اخرى.

 عن «إسرائيل اليوم»