خدعة التطبيع: نتنياهو يسير نحو حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني دون أن يدري !

حجم الخط

بقلم: ران أدليست

 


لم أفهم كيف­ يمكن لأشخاص عاقلين أن يشتروا خدعة «السلام» مع «الدول العربية المعتدلة». فهذه صفقات ليس بينها وبين السلام شيء، ولها صلة واضحة بهدف هو النقيض للسلام – الحرب.
تنطوي معظم اتفاقات التطبيع على صفقات سلاح ومساعدات استخبارية. ويدور الحديث عن دكتاتوريات. كل دكتاتور، بمن فيهم من يتشكل، يحتاج الى عدو لغرض مواجهة الشعب وإلى قوات أمن وحفظ نظام كي يدافع عن الدولة، بما في ذلك ضد اعداء داخليين. هذا صحيح أيضا في إسرائيل بنيامين نتنياهو وفي الولايات المتحدة دونالد ترامب. حاول ترامب قتل الديمقراطية الأميركية، لكن الشعب الأميركي ركله. أما عندنا فهذا أكثر تعقيداً، لأن أغلبية الشعب، بوعي أو بغير وعي، مناهضة للديمقراطية (انتظروا الى أن تدفعوا الثمن). وفي هذه الاثناء يحتفلون «بالسلام» في ابو ظبي، وفي السودان، وفي المغرب، وفي البحرين، وفي إسرائيل. ثمة من يعتقد بأن اتفاقات التطبيع تعطينا يدا حرة لقمع عنيف في القطاع وفي الضفة. الفرضية (المغلوطة) بأن الدول المطبعة لا يهمها الفلسطينيون، ستفحص إذا ما وعندما تقع هنا حملة عسكرية أكبر يقتل فيها فلسطينيون بأعداد كبيرة.
درة تاج التطبيع هي السعودية. لا تزال في حالة انتظار. هذه دكتاتورية تقتل المعارضين، وتخوض حربا دينية قبلية في اليمن، في سورية، وفي ليبيا. كجزء من التطبيع وقعت على صفقة سلاح أميركية بالمليارات. ومثلما في قصة الغواصات لمصر، فإن إسرائيل نتنياهو لم تعارض بيع سلاح محطم للتعادل لدول التطبيع رغم أن القانون الأميركي يؤيد معارضة من هذا القبيل.
ابو ظبي هي الاخرى ستحصل على سلاح محطم للتعادل. في الماضي خاضت حربا في اليمن، واليوم تخوض حربا للسيطرة في ليبيا. في بداية كانون الثاني من هذا العام تدرب نحو 50 من خريجي اكاديمية الشرطة في طرابلس في ساحة الطوابير. صاروخ صيني أطلقته قوات ابو ظبي تفجر في الساحة فقتل 26 منهم. وأنت تتساءل ما الذي تفعله هذه التفجيرات في ساحات طوابير الشرطة وتتذكر بأن قنبلة إسرائيلية قتلت 80 شرطيا كانوا يتدربون على النظام قبل حملة «الرصاص المصبوب». السودان، الذي تمزقه الحروب الاهلية، تلقى مقابل التطبيع الإذن بتبييض جرائم الحرب، التسلح، ورخصة للقتل في جنوب السودان.
البحرين هي جارة للسعودية، وهكذا ايضا بوتان تحت سيطرة الهند. ناريندرا مودي حاكم الهند هو مستهلك كبير للسلاح، ويُظهر أعراضاً واضحة لدكتاتور يتشكل. فقبل اسبوع فقط اعتقل بأمر من زعماء المعارضة الذين انضموا الى احتجاج المزارعين الهنود.
مغرب محمد السادس هي الأخرى دكتاتورية ستشتري، مقابل التطبيع السلاح وبرامج التجسس بمليار دولار، رخصة لضم اراض في الصحراء وقتل البوليساريو، حركة سرية وطنية في الصحراء. عشرات الدول، معظمها في افريقيا، اعترفت بجمهورية قبائل الصحراء، بما في ذلك القوى العظمى الكبرى والامم المتحدة. الجزائر، التي تحاذي المغرب والصحراء الغربية، تدعم بشكل نشط البوليساريو، اي استمرار الاحتكاك الدامي. وتقتبس الـ «نيويورك تايمز» فتقول: «في هذه المرحلة من موافقة ترامب، يعد هذا اعلانيا فقط. وعليه، يمكن لبايدن بسهولة ان يقول ان ادارته تعارض ذلك، وتؤيد الوصول الى تسوية بوساطة الامم المتحدة، بدلا من اعلان من طرف واحد من الادارة في اواخر ايامها». وصرح السناتور الجمهوري، جيم آينهوف، بأنه «خائب الأمل من قرار الولايات المتحدة المتاجرة بحقوق سكان الصحراء».
وكتب الصحافي المغربي، عبد السلام المساتي، بانه «يحتمل ان يكون هناك من يرى في البيان حول تطبيع العلاقات مسألة صعبة ومهينة، ولكن ينبغي أن نتذكر بان قيادة ترامب غير مستقرة، ويجب الاخذ بالحسبان إمكانية ان يكون بيانها عديم المعنى مع دخول بايدن الى البيت الابيض». ما هو صحيح ايضا بالنسبة للاتفاق النووي مع ايران ومكانة القدس وهضبة الجولان في إسرائيل.

خمنوا ماذا
 النتائج الراهنة للتطبيع هي انجاز حقيقي لسياسة اليمين لنتنياهو. وسحابة الدخان للمستمتعين بالحياة في دبي بمساعدة مراسلين للشؤون العربية ممن باتت لهم مواضيع مثيرة للتغطية، تنجح في ان تخفي اخفاقات عميقة في الحرب الحقيقية في غزة، في الضفة، في سورية، في لبنان، وفي ايران. ففي كل هذه الجبهات نخسر استراتيجياً، ونغطي على ذلك بقصف تصفيات، وبالعروض العابثة لـ «السلام» في دول لم نخض ضدها أبدا أي حرب. في هذه الايام يتدحرج قطار سلام نتنياهو على صوتين يرافقان الحملة كلها: الأول هو جئنا لكم بالسلام مع دولة عربية اخرى، والثاني انظروا كم أنا عظيم. وفي طريقه يدوس القطار الحقائق: لم توقع أي معاهدة سلام مع أي دولة عربية. فبالاجمال تم تبادل وثائق التطبيع، التي هي وثائق نوايا مع مذاق تجاري باسناد من ادارة انقضى زمنها.
أما الأمر الأكبر فيأتي حقا من الجانب الخفي والتحت ارضي للتطبيع. فخطوات نتنياهو تساهم مساهمة عظيمة في حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. وبالطبع ليس بارادتنا او بارادة نتنياهو. فقد حصل هذا عندما تنازل نتنياهو عن الخليل، وعندما صوت لصالح فك الارتباط، وعندما جمد البناء في الضفة، وهذا يحصل في حكمه اليوم. لا شك على الاطلاق بان خطوات الادارة الأميركية الجديدة ستطرح مطلب المؤتمر الدولي الذي يبحث في المسألة الإسرائيلية، أي الموضوع الفلسطيني. كل الدول العربية المعتدلة ستكون هناك الى جانب الولايات المتحدة، روسيا، الصين، واوروبا الغربية. وخمنوا ماذا سيكون على جدول الاعمال؟ حدود 67 وتدويل القدس.
أقترح على كل رجل يمين يعتقد ان السلام بأسلوب نتنياهو هو مسار يتجاوز الفلسطينيين أن يفكر مرة اخرى قبل أن ينطلق في رقصات شعبية عربية معتدلة. وليكن واضحا: لا يوجد اي شيء سيئ في العلاقات العلنية التي تنسج مع الدول العربية المعتدلة. فليس بيتار هو ما يشتريه محمد من ابو ظبي بل القدس. صحيح أن هناك من يصرخ هم صيصان لا فاميليا، ولكني مقتنع بأن معدة زعماء المستوطنات تتقلب. فالتفكير بكتائب الجلابيب البيضاء تسير نحو الحرم الشريف تقض مضاجعهم. وهذا ليس بتسلئيل سموتريتش وحكايات هيكله، هذا لباب مشروع الاستيطان. يتحدث نتنياهو عن استثمارات استراتيجية (ميناء حيفا الجديد)، وبينما يتحدث المال الكبير فان الكل سيسكت.
لسنوات تعمل حكومة اليمين على جعل «العربي» شيطانا. والمسيرة التي تجري اليوم تقبل بالعرب شركاء متساوين، ومع المال الكبير شركاء يساوون أكثر. وبدلاً من العرب الذين يتدفقون كي يبيدونا فانهم يتدفقون الآن لإنقاذنا من كارثة اقتصادية. بداية سيأتي محمد من البحرين ومن دبي، ولاحقا مع مساعدة علاجية حازمة من جانب العالم كله، سيأتي محمد من نابلس ومن رام الله. انظروا وابحثوا قليلا عن ابن زايد، حاكم دبي ومخترق الطريق الى التطبيع: فهو ليس صلاح الدين الذي يصل الى القدس مع السيف. فهو يصل مع سلاح فتاك أخطر بكثير. مع دفتر شيكات. صاحب المال. واذا كان هذا ما نحتاجه كي نغلق زاوية المسيح في بوابة المستوطنين، فأهلا وسهلا بابن زايد. في موضوع حقوق الانسان لديك سنهتم بعد أن نعالج حقوق الانسان الفلسطيني لدينا.

 عن «معاريف»