ما معنى الحدّ من التفاعل مع احتفالات "الكريسماس"؟

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

بقلم: ريما كتانة نزال

رفعت دائرة الوعظ والإرشاد التابعة لوزارة الأوقاف في حكومة الأمر الواقع في قطاع غزة تعميماً إلى وكيل وزارة الأوقاف لوضعه في صورة الأنشطة والفعاليات التي قررت الدائرة تنظيمها تزامناً مع إحياء عيد الميلاد المجيد، والتي حددت أهدافها بالحدّ من التفاعل مع احتفالات «الكريسماس»، وهو ما يحمل أكثر من دلالة ومعنى على غير صعيد ومستوى.
الدائرة المذكورة لم تترك الأمر ملفوفاً بالغموض، كونها فخورة بما تفعل، وبالتالي فقد ذهبت إلى توضيح طبيعة الأنشطة التي ستمارسها لتحقيق الهدف بالحدّ من الاحتفالات، من فتاوى ومواد دعوية وجولات ميدانية ودعوات إلكترونية وفيديوهات تفاعلية واستنهاض الدعاة للحديث.
ولم يغفل التعميم أي تفصيل يفيد في افتعال الحرب على «الكريسماس»، حيث يجند جميع الهيئات المعنية في معركة الحدّ من التفاعل مع احتفالات عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وهي وزاراتا الداخلية والاقتصاد والإذاعات والفضائيات ولجان التحصين عوضاً عن وزارة الاوقاف، محدداً المدة التي ستستغرقها العملية بأسبوعيْن اثنيْن، ما يدل على إحاطة وتدبر عميقين بمستلزمات المهمة.
ومن نافلة القول إن التعميم آنف الذكر يحمل في ثناياه خطاباً دينياً يدعو الى الكراهية ولا يمت الى التسامح الديني بصلة، لأنه يحرض ويستنهض ويسخر جميع الطاقات والأدوات الحكومية ومن في حكمها ضد ألف مواطن فلسطيني من الديانة المسيحية يقيمون في قطاع غزة من أصل مليونَي مواطن ومواطنة مسلمين بمختلف الوسائل والأشكال، ويدعو دون وجل او خجل الى الانخراط في معركة عنصرية تعبر عن مدى التعصب والتخلف والجهل الذي أصاب المؤسسة الدينية الرسمية.
وفي ضوء ما ورد من معطيات، فثمة سؤال جوهري يجب ان يُطرح في هذا السياق وهو: هل الجهات التي وقفت وراء فكرة التعميم البائس شكلاً ومضموناً، تدرك حقيقة ما يعيشه المجتمع الغزي خصوصاً والفلسطيني عموماً في ظل جائحة كورونا، وما يرافقها من ازمات اجتماعية واقتصادية وأمنية وغيرها؟ واذا كانت احتفالات عيد الميلاد المجيد في فلسطين غالباً ما يتم اقتصارها على الشعائر الدينية الرسمية بسبب الظروف السياسية التي يعيشها شعبنا تحت الاحتلال، فما الداعي اذاً لمثل هذه الانشطة والفعاليات التحريضية؟ وما المتوقع توظيفه في الحملة العنصرية سوى الحديث المشحون عن الحقيقة التي يدّعون امتلاكها ولا يمتلكها الآخر دينياً وعقائدياً، دون استبعاد تحقير الآخر المختلف وتجميل الذات أو ربطها بالسياسي والأخلاقي وبالمرأة. وبالمحصلة سيوضع المجتمع في صراع كلامي مع الخطاب الديني الآخر لإثبات شيء غير معروف، إلا بربطه في السياق المحلي المعاش الذي لا يبتعد عن فكرة وجوهر التعميم.  
الأسئلة كثيرة، مَن قال إن الدين الإسلامي في فلسطين في خطر؟ وهل يريدون من الحملة التي تحمل في طياتها عنصرية وكراهية ترحيل الف مواطن مسيحي عن قطاع غزة هم كل من تبقى من عدة آلاف لتسخير كل هذه المنصات الدينية ضدهم؟ ومَن قال إن الاسلام بحاجة لهؤلاء الذين يدَّعون الدفاع عنه ويحقنون المجتمع ويثيرون الغرائز الدينية ومشاعر الكراهية التي تدفع على العنف، بينما هم في الحقيقة يسيئون إلى الدين الإسلامي ويفرغونه من مضمونه الديني ودعوته إلى المحبة والتسامح والمعاملة الحسنة، ويجعلون الإسلام يدفع ثمن جهل المسلمين الذين يعتقدون أنهم يستمدون قيمتهم من مهاجمة الآخَر الديني، أليس الجهل والتعصب الأعمى من أنشأ مصطلح «الإسلاموفوبيا» ووضع الدين الإسلامي بين سندان التعصب ومطرقة الجهل؟ ومَن الذي استفاد ومَن تغذى على هذا الخطاب الذي يحمل معه الصراع السياسي؟
بالخلاصة، هذا التعميم يشكل فضيحة بمعايير حقوق الإنسان والحريات العامة، وهو لا يشبه فلسطين التي احتضنت ولادة ونشأة وممات النبي الفلسطيني عيسى عليه السلام في شيء، ولا يمثل الشعب الفلسطيني بأسره بتنوعه وتعدديته الدينية والثقافية المعروفة، لذلك فان المطلوب ليس أقل من الاعتذار والتنصل منه والتعهد بعدم تكرار مثل هذا التوجه الضار بوحدة النسيج المجتمعي من قبل حكومة «حماس»، وأرى انه من واجب ومسؤولية المؤسسة الشبيهة في الضفة ان ترفض هي الأخرى مثل هذا النهج التحريضي، لأنه لا حاجة لبرهان او لإثبات مخاطره على المجتمع الفلسطيني وعلى هويته ووحدته الوطنية.