الغاز يقود الترسيم الأول لحدود فلسطين!

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

 


تغيير الاتجاه الذي قرر محمود عباس القيام به عندما استأنف في 17 تشرين الثاني التنسيق الامني مع اسرائيل واعاد السفراء الفلسطينيين الى البحرين ودولة الامارات، هو جزء من استعداد السلطة الفلسطينية قبيل دخول جو بايدن الى البيت الابيض. ليس لأن عباس يعلق الامال على نجاح المفاوضات مع اسرائيل اذا استؤنفت، وليس من الواضح اذا كان هذا النزاع سيكون على رأس اولويات بايدن - ولكن من الافضل تهيئة الاستقبال.
للدول العربية، خاصة التي انضمت، مؤخرا، الى دائرة التطبيع مع اسرائيل، من المهم ليس اقل من ذلك أن تطرح المشكلة الفلسطينية وكأنها ما زالت موجودة على الاجندة. كل ذلك من اجل ألا تسجل في التاريخ كمن تخلت عن الفلسطينيين، ولا يقل عن ذلك اهمية، من اجل تبديد الانتقاد العام الذي اثارته عمليات التطبيع في الفضاء العربي.
في يوم السبت الماضي، اجتمع في القاهرة وزراء خارجية مصر والاردن والسلطة من اجل مناقشة طرق العمل، وكي يتم طرح خطة عمل سياسية على الادارة الجديدة. هذا حدث بعد حوالي اسبوعين من اعلان وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ووزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، عن تمسكهما بالمبادرة العربية التي تتضمن اقامة دولة فلسطين والتي عاصمتها القدس. اتفق عباس في 30 تشرين الثاني والرئيس المصري، على ضرورة استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل، وعلى تنفيذ المصالحة الفلسطينية الداخلية بين «فتح» و»حماس». ومن اعتقد أن الموضوع الفلسطيني قد أزيح عن جدول الاعمال عند رفع علم اسرائيل في الامارات سيضطر كما يبدو الى تجميد الاحتفال.
نقطة انطلاق محتملة لاستئناف المفاوضات توجد بالتحديد في مجال الغاز. اسرائيل والسلطة هما عضوتان في منتدى الغاز لشرق البحر المتوسط – الذي بادرت اليه مصر، وهذه اصبحت منظمة دولية، يشارك فيها الى جانب مصر الاردن وفلسطين واسرائيل واليونان وقبرص، وجميعها في مكانة دولة. في نهاية الاسبوع الماضي، اعلنت مصر بأن دولة الامارات انضمت الى هذا المنتدى بصفة مرافق. الهدف الاول لهذه المنظمة كان وضع سور دفاعي ضد تركيا، التي بدأت بتنفيذ عمليات تنقيب عن الغاز والنفط في شرق البحر المتوسط في مناطق تدعي اليونان وقبرص سيادتها عليها، ومحاربة اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وقع بين تركيا وليبيا والذي يفصل رسميا حقول النفط المصرية عن امكانية الوصول المباشر الى السوق الاوروبية.
المشكلة هي أن فلسطين ليست دولة سيادية مع حدود معترف بها، رغم أنها وقعت على ميثاق الامم المتحدة بشأن القانون البحري الذي ينص على أن كل دولة لها شواطئ يمكنها ادعاء الملكية على الموارد الطبيعية التي توجد على طول 200 ميل من خط شاطئها. ولأن اسرائيل لا تعترف بفلسطين، هي ايضا لا تعترف بحقها في استغلال مواردها الطبيعية ومنها النفط والغاز الموجودة في اعمال البحر المتوسط. وتحاول مصر التغلب على هذا التعقيد عن طريق اتفاق ترسيم حدود بحرية بينها وبين السلطة، وهو موضوع نوقش بينها وبين السلطة في العام 2016 لكنه لم ينضج ليصبح اتفاقا، بالاساس بسبب معارضة اسرائيل. منذ الانتفاضة الثانية تمنع اسرائيل التنقيب عن النفط في حقل «مارين 1» وحقل «مارين 2» التي توجد على بعد حوالي 36 كم عن خط شاطئ غزة.
عند اقامة منتدى غاز شرق البحر المتوسط، حصل ترسيم الحدود بين غزة ومصر على قوة داعمة، ومنذ ذلك الحين عقدت عدة لقاءات بين خبراء فلسطينيين ومصريين من اجل مناقشة عملية في هذا الشأن. في مصر يقولون، إنه لا يوجد لاسرائيل أي سبب لمعارضة ترسيم الحدود، حيث إنه اذا كانت هي مستعدة للجلوس مع ممثلي حكومة لبنان، التي يوجد في عضويتها ممثلون عن «حزب الله»، فهي تستطيع أن تتفاوض ايضا مع السلطة الفلسطينية، وحتى مع «حماس»، التي تؤيد اتفاق ترسيم الحدود.
اذا تحقق ترسيم الحدود بين مصر وفلسطين فهذه ستكون الحدود المعترف بها الاولى التي تحدد فلسطين، وذلك كما يبدو هو ايضا السبب الرئيسي لمعارضة اسرائيل. مسألة اخرى تتعلق باستكمال انبوب الغاز من اسرائيل الى غزة. وهو مشروع يمكن أن يوفر لغزة حوالي مليار متر مكعب في السنة، ويمكن أن يلبي معظم احتياجات الكهرباء للقطاع وتمكين السلطة من التحرر من جزء كبير من شراء الكهرباء من اسرائيل، التي تزود القطاع، الآن، بحوالي 60 في المئة من احتياجاتها. موضوع الانبوب طرح في العام 2014 في المباحثات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية والرباعية. تكلفته التي تقدر بنحو 100 مليون دولار كانت تنوي تمويلها الدول الاوروبية وقطر. ولكن مثل مشاريع اخرى، ايضا موضوع الانبوب وجد مكانه في الدرج. مؤخرا، تجري مباحثات بين اسرائيل والسلطة وقطر حول بناء الانبوب، الذي يتوقع أن ينتهي استكماله، اذا لم تظهر مرة اخرى عقبات، في نهاية العام 2022. في هذه المباحثات تشارك ايضا «حماس»، في الواقع بصورة غير مباشرة مع اسرائيل، وحسب مصادر فلسطينية تحاول اسرائيل ربط مشروع انبوب الغاز بصفقة تبادل الأسرى والمفقودين الاسرائيليين. كل ذلك بالاضافة الى نيتها دمج المشروع كجزء من خطة التهدئة طويلة المدى بينها وبين «حماس». في المقابل، «حماس» تطالب بالحصول على ضمانات بألا يتحول الانبوب الى أداة ضغط اسرائيلية عليها، مثلما تتعامل اسرائيل مع السولار الذي تبيعه للقطاع لمحطة الطاقة القائمة. واقامة الانبوب والتفاهمات التي سيتم التوصل اليها بين الطرفين غير منفصلة عن شبكة المصالح الاقليمية الاوسع التي تربط بين اسرائيل ومصر والاردن والامارات واليونان وقبرص، والتي اصبحت «حماس» والسلطة الفلسطينية شريكتين مهمتين فيها.

عن «هآرتس»