رابين حاول تحرير إسرائيل من عقلية المنفى

rrrr
حجم الخط

مثلما في كل عام في ذكرى رابين، كما هو في الذكرى العشرين لمقتله، يطرح في أوساط بعض الاسرائيليين السؤال «ما هو إرث رابين؟». 
في افضل الاحوال يبقى هذا السؤال دون جواب، وفي بعض الحالات تكون الاجابات عامة ومجردة – «سلام» «ديمقراطية» «وحدة» – الامر الذي يزيد من الضبابية ولكن من الواضح ان هناك حاجة الى اجابات محددة اكثر وذات مصداقية أكثر.
الحقيقة هي ان ميراث رابين بارز وواضح، وهو مرتبط ارتباطا وثيقا مع سبب مقتله، قتل رابين لانه حاول في سنواته الاخيرة تطبيق المرحلة الاسمى والحاسمة والاكثر صعوبة في المشروع الصهيوني. وأساسه إصلاح داخلي للشعب اليهودي وتحويله من أمة متنقلة محاطة بالاعداء الى امة ذات وطن ومولد وذات جذور بالارض، وضمان الاستمرارية الجماعية. انطلاقا من الحق في البلاد دون الخوف من الصلة السياسية المدنية للآخر في هذه البلاد.
عمل رابين بروحية هذا التوجه عندما سار باتفاق اوسلو مستندا إلى اصوات ممثلي الجمهور. كأحد مواليد البلاد ليس فقط بمفهوم الحقائق وانما  ايضا انطلاقا من الوعي العميق – بنفس المعنى الذي يعي فيه مواليد البلاد العرب مواطنو الدولة انفسهم – لقد تبنى بشكل طبيعي وكأمر مفروغ منه الامن في البلاد ككل؛ الامر الذي يميز الشعوب المولودة هنا ويناقض عقلية الشتات والمنفى. مكنه هذا الامر من تغيير النظرة المحافظة والمتشككة والانفصالية لليهودي في المنفى تجاه الجيران غير اليهود (مواطني اسرائيل الفلسطينيين) وايضا اشراك كافة المواطنين – يهودا وغير يهود – في حسم مصير دولته / دولتهم.
ولكن اتضح ان رابين قد سبق عصره، فاليهود الاسرائيليون بمن فيهم من ولد هنا لا يزالوا بعيدين عن النظر الى أنفسهم كشعب مولود هنا، معظمهم يشعرون كأبناء قبيلة وليس كأبناء البلاد، وخاصة فرسان» أرض اسرائيل الكبرى»، الذين لا يعتبرون انفسهم جزءاً من البلاد بل يعتبرون البلاد – التي يولد فيها اليهود وغير اليهود – جزءاً من الاستخدام المقدس لجاليتهم الاثنية الدينية التي تستمر بالانغلاق على نفسها، وكأن المنفى لم ينتهِ والدولة لم تقام بعد.
في هذه القبيلة المنفية والتي تستند إلى الخوف الوجودي القديم لليهودي من «الآخر» – شعور طبيعي ويمكن تفهمه لدى الاقلية المطاردة والتي لا وطن لها، لكنه غير صحيح من جذوره في ظل دولة سيادية – تمرد رابين عندما مد يده من اجل الشراكة المدنية مع ابناء البلاد الذين هم من خارج القبيلة. لكن الخوف الجماعي لابناء القبيلة تغلب على شجاعة ابن البلاد المدنية.
كان يحرك قاتل رابين الخوف ذاته – الخوف من المستقبل السياسي المدني المشترك والمتساوي مع (الاغيار) – بالضبط مثلما انتصر من يحمل لواء الخوف ويحرض القبيلة، وجلس بعد ذلك بعام واحد على كرسي رئاسة الحكومة.
ان استمرار سلطة بنيامين نتنياهو – الذي حول خوف المنفى لدى الاسرائيليين الى جوهر واساس سياسته – يعكس بشكل واضح سحق ميراث رابين القومي. وفشل الصهيونية المدوي والتي حاولت بناء المواطن اليهودي العصري، ابن البلاد الذي يحاول تحديد مصيره ومصير دولته يدا بيد مع باقي مواطني الدولة الاخرين.
ولكن هذا الفشل هو مؤقت، التصفيق الحاد والدغمائي «للقوميات المدنية» و»القوميات العرقية» لا اساس له في العلوم السياسية او الحياة السياسية: كل قومية مدنية مولودة كانت في مرة من المرات قومية قبلية إثنية في اساسها ونواتها، وكل قومية اثنية تعيش في بلدها السيادية إلى جانب قوميات اثنية اخرى سوف تتطور آجلا أم عاجلا الى قومية مدنية. حيث إن المواطنة في الدولة العصرية ليست مفهوما خاليا من المضمون وانما حياة يومية لابناء مجموعات مختلفة تعيش بمؤسسات واماكن مشتركة. وتشكل الوعي القطري المشترك.
هذا هو المنطق الداخلي الذي لا يمكن تجاوزه للصهيونية كقومية سياسية عصرية، بمساعدة «إسرائيل اليوم» يمكن إعاقة ذلك بعشرات السنوات ربما من خلال تدفق المال اليهودي من المنفى في لاس فيغاس ولكن في اسرائيل غدا، في يوم من الايام، من الضروري ان تنشئ الحالة المدنية الاسرائيلية المشتركة الوعي القومي المدني المشترك والقوي. ويكون ميراث رابين هو الوعي القومي هذا كعامود فقري اساسي.

عن «هآرتس»