إسرائيل من اليمين إلى اليمين

حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

رغم التقدم الذي حدث مع نهاية العام 2020، فيما يخص إنتاج أكثر من لقاح مضاد لفيروس كورونا الذي روع البشرية خلال هذا العام، إلا ان إغلاق ملف الخطر الناجم عن الفيروس، لا يبدو بأنه بات أمراً مؤكداً أو نهائياً، وذلك بعد ظهور سلالة جديدة من «كورونا»، في بريطانيا، لها صلة بجنوب أفريقيا، وفق ما اعلنه وزير الصحة البريطاني مات هانكوك اول من أمس. وحال السياسة لا يختلف كثيراً عن حال الصحة العالمية، خاصةً وان «كورونا» كانت على صلة بالوضع الاقتصادي العالمي اكثر مما فعله اي مرض عرفته البشرية في عقود او حتى قرون سابقة، لدرجة ان ظهوره  فتح الباب لحرب اقتصادية تجلت في الاتهمامات المتبادلة ارتباطاً بظهور وانتشار الفيروس بين أكبر اقتصادين في العالم: أميركا والصين.
ولعل أهم تطور سياسي حدث مع نهاية العام وترافق مع بشائر ظهور اكثر من لقاح معالج، قد تمثل في هزيمة الرئيس الأميركي المرشح لانتخابات الرئاسة، وفتح الباب بالتالي لتغيير حقيقي وكبير ومهم في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، تجاه الأعداء والخصوم والأصدقاء على حد سواء، ومن ضمن ذلك ملفات الشرق الأوسط، حيث يعتبر اليمين الإسرائيلي وزعيمه الحالي بنيامين نتنياهو من اكبر الخاسرين بهزيمة دونالد ترامب، إضافة بالطبع لأكثر من نظام مستبد في الشرق الأوسط، رأى أولاً في إغلاق ترامب لملف الربيع العربي مكسباً له، ومن ثم في تحالفه معه، لدرجة الاستجابة لتحالف ترامب مع اليمين الإسرائيلي بتقديم الهدايا أولاً من قبل أميركا لإسرائيل، ثم بتقديم الهدايا العربية لكليهما، أي لنتنياهو وترامب معاً، ملاذاً آمناً له في مواجهة المخاطر الخارجية والداخلية معاً.
يمكن القول إن إدارة ترامب، على تواضع أدائها خلال وجودها في البيت الأبيض، إلا انها حققت لإسرائيل وليمينها بالتحديد، ما لم تحققه للولايات المتحدة ولشعبها. لكن مع تبديل ساكن البيت الأبيض، يبدو ان كل ما انجزه نتنياهو في عهد ترامب بات في مهب الريح، لذا فقد حملت حكومة نتنياهو، الجنرال مارك فيلي رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، خلال زيارته لإسرائيل، رسالة للرئيس جو بايدن توصيه بعدم التراجع عن سياسة الضغط القصوى على ايران وعدم التخلي عن السعودية والإمارات فيما يخص ملف حقوق الإنسان.
وهذا يكشف مخاوف اليمين الإسرائيلي من الانقلاب في السياسة الأميركية تجاه هذين الملفين، خاصة مع ذهاب إسرائيل لانتخابات جديدة رابعة خلال عامين، تؤكد عدم الاستقرار الداخلي، بعد حكومة تشكلت بضغط من ترامب، ودامت أقل من عام، لم تنجح خلاله في تجاوز ملف إقرار الميزانية.
ورغم ان الوقت ما زال مبكراً على التنبؤ بما ستفضي اليه الانتخابات الإسرائيلية القادمة، إلا انه من شبه المؤكد بأن شريكَي الحكومة الحالية سيكونان الخاسرَين الرئيسيين فيها، ونقصد بيني غانتس وحزبه ازرق_ أبيض، الذي تشير التقديرات الى انه سيتلاشى بعد ان ادى قراره بشراكة نتنياهو الحكم الى تفكك تحالفه السابق مع «ييش عتيد»، والى تقاعد زعيمه غانتس عن العمل السياسي، فيما سيخسر كذلك الليكود، بعد ان انشق عنه جدعون ساعر مكانه، كونه اكبر حزب في إسرائيل، او الحزب القائد للتشكيل الحكومي، وبذلك يغادر اخيراً نتنياهو مكتب رئيس الحكومة.
قبل انشقاق ساعر، أظهرت استطلاعات الرأي التحدي الذي يمثله حزب يمينا وزعيمه نفتالي بينيت في وجه الليكود ونتنياهو، ومع انشقاق ساعر تعمق هذا الاحتمال، بظهور منافس ثان لليكود ونتنياهو، لكن بالمقابل، تلاشي حزب العمل وتآكل اليسار، وتراجع الوسط، بما يظهر تحولاً كبيراً، بل كاسحاً في الخارطة الداخلية لصالح اليمين، بكتلتين كبيرتين، او حتى ثلاث، يشكل واحدة منها الليكود والثانية حزب ساعر «امل جديد»، والثالثة هي حزب «يمينا» بالطبع.
كتل اليمين الثلاث وفق استطلاع رأي اجرته إذاعة أف ام 103، قبل أيام تحصل وحدها دون الحريديم ودون حزب «إسرائيل بيتنا» أيضاً على أغلبية 62 مقعداً، بواقع 25 لليكود، 22 لأمل جديد، 15 ليمينا، بما يعني احتمال ان يكون التنافس على رئاسة الحكومة القادمة محصوراً بين جدعون ساعر، الذي يواصل صعوده بانضمام قيادات من الليكود لحزبه، وبين نفتالي بينيت، ولكن بدرجة اقل للثاني، الذي اعلن اول من امس صراحة عن طموحه في تشكيل الحكومة القادمة بعد انتخابات الكنيست القادمة.
وهذا يعني بأنه رغم ان اليمين الإسرائيلي، في طريقه للتخلص من نتنياهو زعيمه خلال السنوات الاخيرة، وخسارته حليفه القوي الرئيس ترامب، إلا ان انجازه المتمثل في اختراق جدار الصد العربي، بعد تطبيع أربع دول عربية مع إسرائيل، قد عزز مكانته الداخلية، بحيث جعل منه قوة لا يمكن دحرها حالياً، ولا حتى منافستها، بل أكدها كقوة حاكمة وغالبة بشكل كاسح، ولعل فيما يعبر عنه صراحة كل من بينيت وساعر من مواقف اكثر يمينية من اليمين الليكودي التقليدي خير دليل على ذلك.
قبل نحو عقد ونصف، خرج ارئيل شارون عن الليكود ليشكل كاديما، وكان حزباً بين الليكود والعمل، اي اقل يمينية من الليكود، اما أمل جديد/ ساعر فهو عملياً على يمين الليكود، وإن تحالف مع «يمينا»، فإن ذلك سيعني بان حكومة إسرائيل القادمة ستحمل برنامج مستوطني الضفة الغربية على اكتافها، فكلا الرجلين ضد حل الدولتين وضد تفكيك اي من المستوطنات، كذلك هما ضد الانسحاب من الضفة الغربية.
بذلك فان إسرائيل تتقدم باتجاه ليس مناشدة بايدن فيما يخص الملف الفلسطيني، في حال إطلاق التفاوض، ولكن بالذهاب الى تشكيل حكومي هو بحد ذاته سيكون عقبة أمام اي حل ممكن على أساس حل الدولتين، وهكذا تبدو مخاطر التطبيع جلية وواضحة، بل وكارثية، أولاً على صعيد الحق الوطني الفلسطيني، وتالياً في ملفات عربية أخرى، ان كانت تلك الخاصة بالخليج، حيث ستصل أميركا لحل مع إيران في نهاية المطاف، وليس انتهاء بملف السودان والصحراء المتنازع عليها بين المغرب والبوليساريو، حينها يمكن القول بان عرب التطبيع قد عادوا بخفي حنين، لكن الخطر سيحدق بفلسطين التي قد تجد نفسها أمام أحد خيارين، بين دولة صريحة في غزة مع حكم ذاتي في الضفة، او البقاء دون حل.