بذور التطبيع مع المغرب

حجم الخط

بقلم: النائب رام بن باراك*

 

 


ان اتفاق تطبيع العلاقات وإقامة العلاقات الدبلوماسية مع المغرب هو اتفاق تاريخي. إذ أنه بات تاريخا. وان لم يكن تاريخا بعيدا، ولكن مع كل الاحترام فإن هذا ليس اتفاق سلام حققه رئيس الوزراء القادم بنيامين نتنياهو. فالعلاقات مع القصر الملكي في المغرب متواصلة على مدى سنوات طويلة وخرجت الى النور مع الزيارة العلنية هناك لرئيس الوزراء ووزير الدفاع الأسبق اسحق رابين في 1994، حين كانت الذروة فتح مكتبي مصالح في تل أبيب وفي الرباط. وارتبط إغلاق مكتب المصالح في إسرائيل بظروف سياسية، على رأسها اندلاع الانتفاضة الثانية والنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، ولكن من تحت السطح بقيت العلاقات. جهاز الأمن، وضمن أمور أخرى «الموساد»، أقام ويقيم اتصالات جارية مع المغرب بهدف تعزيز القوى المعتدلة في شمال إفريقيا والمساعدة في الصراع المشترك ضد الإرهاب العالمي الذي تقوده إيران. يخوض المغرب صراعا عنيفا على الاعتراف الدولي بمنطقة الصحراء الغربية ويتصدى لأعمال الإرهاب التي تقوم بها منظمة «جبهة البوليساريو» للدعم الرسمي من الجزائر ومن إيران، الى جانب قوات من «حزب الله» تسللوا، مؤخرا، الى المنطقة ويساعدون في التدريب والتسليح لمقاتلي البوليساريو.
لقد رأت دولة إسرائيل دوما في المملكة المغربية حكما معتدلا ذا نفوذ عظيم في العالم العربي، وشعبية الملك محمد السادس في أوساط زعماء العالم ومكانته الخاصة في الجامعة العربية يشكلان ميزة هائلة من ناحية سياسية واستراتيجية. وكانت خطوة الملك – الذي أعاد في أيار 2018 السفير المغربي في إيران وطرد السفير الإيراني من الرباط – أعطت الإشارة لجدية الملك في صراعه ضد الإرهاب العالمي. وقبل نحو سنتين ونصف السنة تلقيت توجها حول رغبة المغرب في الحصول على اعتراف دولي من القوة العظمى الأولى في العالم، الولايات المتحدة بسيطرتها على الصحراء الغربية، الى جانب الرغبة الحقيقية في تنفيذ مخططات أمنية ومنح الحقوق للسكان المحليين. وعرف المغاربة ان المفتاح الى البيت الأبيض يوجد في القدس أيضا، وهذا محور يمكنه أن يساعد في أروقة واشنطن. استجبت للطلب ولكن فقط بعد أن فهمت بأنه يوجد احتمال عال ان في إطار الاعتراف الأميركي سيوافق المغرب على رفع مستوى العلاقات مع إسرائيل، إعادة فتح مكتب المصالح في تل أبيب والسماح بالرحلات الجوية المباشرة من إسرائيل. ولتأكيد العرض عقدت لقاءات مع محافل رسمية ورفيعة المستوى من المغرب وسمعت بصوتهم ان الملك مستعد للقيام بخطوة سياسية إقليمية كهذه. توجهت الى مسؤولين أميركيين مقربين من الإدارة وفور ذلك عقدت لقاءات في البيت الأبيض مع مستشار الرئيس جيسون غرينبلات، وممثلي مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية.
لا شك ان هذا اختراق له معان جغرافية استراتيجية واسعة في مجالات الاقتصاد، التجارة، الزراعة، المياه، الطاقة وبالطبع المجالات الأمنية والسياسية. ولسياسة الملك محمد السادس القاضية لأن يقف على رأس حربة الدول المعتدلة – توجد مساهمة مباشرة للأمن القومي لدولة إسرائيل وتعزيز مكانتها بين الدول العربية. ووجدت هذه السياسة تعبيرها ضمن أمور أخرى، في الشكل الذي يسمح به المغرب لكل الأديان والتيارات بالتعايش فيه بسام ولا سيما في الزاوية الدافئة التي يكنها الملك للجالية اليهودية في المغرب. لمئات آلاف سليلي المغرب في إسرائيل توجد ذكريات طيبة وأشواق للوطن الذي جاؤوا منه.
ليس مثلما مع دول عربية أخرى، لإسرائيل والمغرب شبكة علاقات وقيم مشتركة راسخة في أساسات مستقرة قديمة. من المحادثات واللقاءات التي أجريتها مع المحافل الرسمية في المغرب فهمت بأن وجهة الملك محمد السادس هي لسلام حقيقي، دافئ وشجاع، وبزعامته الخاصة سيؤدي الى علاقات لا هوادة فيها او إمكانية للتراجع الى الوراء. ومع ذلك، للمغرب التزام صادق وحقيقي في تحقيق السلام وإيجاد حل للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني في صيغة دولتين للشعبين. وبرأيي أنا أيضا لا بديل عنه.
عن «معاريف»

* نائب من «يوجد مستقبل»، كان نائباً لرئيس «الموساد» ومدير عام وزارة الاستخبارات والشؤون الاستراتيجية.