وجهت فتاة مقدسية دعوة لرئيس جمهورية التشيك السيد ميلو شزيمان تناشده خلالها زيارة فلسطين لحضور الأعياد المسيحية، واحتفالات رأس السنة الميلادية، في بيت لحم والقدس، والاطلاع على حجم الألم الذي يعاني منه أهلها، وحجم الأمل الذي يتعلقون به كل عام.
وقالت الناشطة المقدسية منى يوسف ضاهر إنها حاولت تسليم الرسالة بشكل شخصي إلى قنصل التشيك المعتمد لدى السلطة الوطنية في رام الله إلا أنها لم تنجح في مقابلته لإنشغاله خارج البلاد فقامت بارسالها عبر بريد المكتب التمثيلي لجمهورية التشيك في رام الله .
وأشارت ضاهر والتي تقيم في بيت حنينا شمال القدس إلى أنها تعرضت مثلها مثل كثير من أهالي القدس للضرب والتنكيل وانها تحلم مع أقرانها من شابات وشبان القدس، من أجل تحقيق العدالة وإنهاء الظلم والمعاناة والاحتلال في الأرض المقدسة.
ننشر النص الكامل لرسالة الدعوة لما تحمله تلك الرسالة من مشاعر إنسانية من مدينة السلام والمحبة للعالم أجمع وما تحمله من وصف مؤثر لما يعانيه أهلها من قتل وتقتيل وتنكيل .
30 ـ تشرين أول ـ 2015م
فخامة السيد الرئيس/ ميلو شزيمان المحترم
رئيس جمهورية التشيك
تحية طيبة وبعد ..
يطيب لي أن أكتب إليكم، باسم بنات وأبناء جيلي في فلسطين، الذين وُلدوا في فترة زراعة الأمل، بشمول السلام وطن السيد المسيح، وكبروا دون أن يحصدوا، في مطلع شبابهم كما أنا الآن، سوى المزيد من الرعب والقتل والعقاب الجماعي، والخشية من مستقبل غامض، ما دام الاحتلال الإسرائيلي، جاثما على صدورنا، ومُعتقِلا لإرادتنا، وسالبا لخيراتنا، ومشتتا لشعبنا، باستمراره لفلسطين.
إنني إذ تعلمت من سيرة ومسيرة السيد المسيح، الذي أنتمي له كفتاة فلسطينية عربية مسيحية، أن المحبة هي فطرة إنسانية، وأن الخير لا بد أن يسود بين البشر في يوم ما، فإنني قد تعلمت أيضا من والدي، الذي يعمل منسقا للكنائس في فلسطين، أن كل الناس جيدون باستثناء من يثبت عليه عكس ذلك. ولكن شيئا قد حدث معي في شهر أيار من العام 2014م، خلال اصطفافنا في الطريق العام، أنا ووالدتي وإخوتي، لاستقبال قداسة البابا، فرنسيس الأول، في باب الخليل بمدينة القدس، قد أشعل ذهني بالتفكير !
لقد تعرض لنا جنود الاحتلال الإسرائيلي يومها جميعا، بالضرب والتنكيل والإهانة، ولم يراعوا حرمة المدينة أو احترام الموقف أو هيبة الزائر، وأفسدوا علينا فرحة ذاك اليوم التاريخي، الذي تصورناه، بشارة للاستقرار والمحبة والسلام. من يومها وأنا أفكر، هل علينا أن نحب الاحتلال، أو نتسامح معه، وهو كامن أو متربص لنا بالشر، في كل تفاصيل حياتنا الفلسطينية !!؟ وهل انتظار تغير إرادة المحتل هو الحل،لفتاة مثلي ولدت عام 1996م، أي بعد ثلاث سنوات من التوقيع على إعلان مبادئ السلام، المعروف باتفاق أوسلو، وبعد ثلاث سنوات أيضا من التفاهم الفعلي على إنهاء حكم نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والتهيئة للتغيير الديمقراطي الكبير هناك، وبعد نفس السنوات الثلاث من الانفصال السلمي المخملي، بين جمهوريتي التشيك وسلوفاكيا، وهو ما يجب أن يتعلم منه كل العالم !!؟
لقد كانت هناك دروس وعبر عظيمة، من التجربة الفريدة للشعب التشيكي الحكيم، بل؛ إنني أعتقد أن كل الباحثين عن السلام في العالم، يمكن لهم أن يتعلموا من تجربتكم الحضارية، في حل الخلافات والتباينات الداخلية، والمحافظة على الهويات الثقافية والاجتماعية. بيد أنه من المحزن أن نرى إسرائيل لم تبدِ حتى الآن، حسب ما نشاهد من ممارسات على الأرض، أي استعداد للتعلم أو التجاوب مع الإرادة الدولية، التي لا تعكسها مواقف الدول والحكومات فحسب، وإنما مواقف المتضامنين الذين يأتون للحج والزيارة والسياحة، في بيت لحم والقدس حيث أقيم مع عائلتي في ضواحي المدينة.
سيدي الرئيس ..
هناك تغيير جذري تحمله حياة كل فلسطيني مع الساعات الأولى لميلاده، كونه؛ ودون قصد منه، ودون خطأ ارتكبه، ودون معصية أمام الرب اقترفها، يجد نفسه تحت الاحتلال الإسرائيلي. وحينما يكبر شيئا فشيئا، عليه أن يدرك أن ظروف حياته استثنائية، مثل أن تفصله عن مدرسته أو جامعته حواجز عسكرية إسرائيلية متتالية، ككلية تمريض جامعة بيت لحم التي أدرس فيها، وتستغرق مني أحيانا، ساعات طويلة للوصول إليها. أو مثل أن يكون هناك جدار فصل عنصري، قسم وسرق أراضي مدن الضفة الغربية، مما يجعلني أفكر ألف مرة، قبل زيارة عمتي التي تسكن في رام الله. أو مثل أن يكون تأخر سيارة الإسعاف عن الوصول لإنقاذ زميل لي في الصف المدرسي، أصيب برصاص جنود الاحتلال قبل أكثر من عشر سنوات، قد غير طموح حياتي، وجعلني أختار تخصص التمريض كل ألتحق به .. وكل ذلك قد حدث معي !
لقد نجحت في الوصول ليلة عيد الفصح الأخير، إلى كنيسة القيامة كي أشكر وأصلي للرب، الذي منحنا عاما آخر، يمكن أن نغير فيه شيئا من أجل خدمة إنسانيتنا، وذلك رغم محاولات جنود الاحتلال الإسرائيلي الساعية، ليس لعرقلة وصولنا فحسب، وإنما التعدي على الزوار المسيحيين من بقية المدن الفلسطينية، وكذلك الحجاج الوافدين إلى فلسطين من قارات العالم الست .. لقد كانت ساعات رهيبة وقاسية، أخذت عهدا على نفسي بعدها، أن أعمل على إيصال صوتي للجميع، كي يساهموا في العمل من أجل السلام وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتمكين الشعب الفلسطيني من حريته وكرامته وسيادته على أرضه، وفق الشرائع والقرارات الدولية، كما أفعل الآن، كناشطة طلابية.
السيد الرئيس المحترم ..
يسعدني أن أقدم لمقام فخامتكم، الدعوة لحضور الأعياد المسيحية، واحتفالات رأس السنة الميلادية، في بيت لحم والقدس، كي تعاينوا حجم الألم الذي يعاني منه الناس، وحجم الأمل الذي يتعلقون به كل عام. وربما ستكون فرصة مميزة، لتشريفنا في منزلنا، الذي يقع في بيت حنينا شمال القدس، وبات يتحضر من الآن، لإضاءة شجرة الميلاد، بكل ما يحمل من إمكانيات متواضعة .. وليكن نداء موحدا، انطلاقا من الحكمة التشيكية، من أجل تحقيق العدالة وإنهاء الظلم والمعاناة والاحتلال في الأرض المقدسة.
لقد كنت شاهدة على جدال، بين صديقات لي في جمعية الشابات المسيحيات، في فلسطين، حول رأيهن في الفرق بين الأمس والغد، أيهما أحلى أو أيهما أمر !!؟ وهو جدال ما كان ليكون،إلا لأننا شعب يرزح تحت الاحتلال منذ عقود طويلة، حتى جعلته تجربة الماضي،في شك بمستقبله .. غير أن رأيي كان؛ أن عملنا اليوم ولاشيء غيره، هو من سيحدد الفرق بين الأمس والغد، وذلك من أجل السلام في أرض السلام.
وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام
منى يوسف ضاهر
القدس المحتلة ـ دولة فلسطين