رسالة هنية إلى الرئيس وتحريك المياه الراكدة ..!

حجم الخط

بقلم د. عبد الرحيم جاموس

 

 

أمد/ على حين غرة اعلن  مساء أمس السبت الثاني من يناير 2021 م عن تلقي السيد الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الوطنية ورئيس حركة فتح ورئيس اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، رسالة من السيد اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بشأن موافقة حركته حماس على إجراء إنتخابات عامة متتالية أو متتابعة وغير متزامنة كما طالبت حركة حماس في الإجتماع الأخير الذي عقد في القاهرة بين وفدها ووفد حركة فتح قبل اسابيع، والذي أدى إلى جمود الحراك السياسي الفلسطيني بشأن إجراء الإنتخابات بناء على سلسلة الحوارات التي اطلقها اجتماع الأمناء العامون في (رام الله بيروت) والمنعقد في سبتمبر الماضي والحوارات التي تبعته بين حركتي فتح وحماس في أكثر من عاصمة من استانبول إلى الدوحة والقاهرة ... والتي تجمدت عند تراجع حركة حماس عما كانت قد وافقت عليه من أن تجري الإنتخابات بالتتابع وطالبت بأن تجري هذه الإنتخابات بالتزامن ....! 

السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي جرى في هذه الفترة القصيرة حتى تغير حركة حماس موقفها وتقبل بأن تجري الإنتخابات بالتتابع ويوجه هنية رسالته هذه للرئيس الفلسطيني بما حملته من موافقة؟ 

سؤال يستحق البحث عن جواب، لقد أشارت رسالة هنية إلى جملة التحديات والمتغيرات التي تواجه القضية الفلسطينية وأشارت إلى دور الأشقاء والأصدقاء مصر وقطر واستانبول وموسكو والجهود التي بذلوها في التوسط بين القطبين الفلسطينيين ... فتح وحماس، هذه الجهود التي لم تكن جديدة اطلاقا، حيث بذل هؤلاء الأشقاء والأصدقاء وغيرهم جهودا كبيرة في هذا الشأن منذ اقدمت حركة حماس على انقلابها على السلطة في قطاع غزة وحسمها العسكري في صيف 2007م لتفرض منفردة سلطة أمر واقع على قطاع غزة وبدعم وبرعايات متعددة إقليمية وعربية وإسرائيلية، ولكل من هذه الأطراف حساباتها الخاصة والتي تتراوح ما بين الإعلان عن دعم المقاومة إلى سعي بعضها إلى ترسيخ الإنقلاب وما ينجم عنه من انفصال بين قطاع غزة والضفة الغربية تحت يافطات مختلفة ومتنوعة، وما ينجم عن ذلك من تهديد لوحدة الأراضي الفلسطينية المحتلة، واضعاف لمواقف السلطة الوطنية والنظام السياسي الفلسطيني ... إلى خلق ثغرات واسعة في الجسد السياسي الفلسطيني قد وجدت فيه العديد من الأطراف الإقليمية والدولية وفي مقدمتها الكيان الصهيوني مجالا خصبا للعبث في الشأن الفلسطيني برمته وكل منها بطريقته ... وكانت ترى حركة حماس في هذا العبث عناصر داعمة ومساعدة لها في تحقيق مشروعها الحزبي الخاص في احتلال مكانة حركة فتح و م.ت.ف التمثيلية ونزع الشرعية عنهما ...! 

اليوم بعد مرور أربعة عشر عاما على انقلاب حركة حماس وإفشال العديد من اتفاقات المصالحة في اللحظات الأخيرة والعودة  بها إلى نقطة الصفر، تأتي رسالة السيد هنية اليوم،  فما الذي اختلف وما المستجد الحقيقي الذي دفع إليها، وهل تحمل الرسالة ضمانة معينة من أن لا تتراجع حركة حماس عن مضمون هذه الرسالة وما حملته من بشرى والتزام والتي تلقفها الرئيس الفلسطيني فورا وبدون تأخير أو حتى دون الرجوع إلى المرجعيات  بإيجابية وموافقة سريعة، ودعا فورا السيد حنا ناصر رئيس لجنة الإنتخابات إلى بحث الإجراءات الواجبة لإصدار المراسيم الخاصة بإتمام هذه الإنتخابات ...! 

لا شك أن هناك جملة متغيرات إقليمية ودولية ومحلية قد أملت على السيد هنية وحركته توجيه هذه الرسالة بما تضمنته إلى الرئيس أبو مازن، منها التغيير القادم في إدارة البيت الأبيض بعد أسابيع قليلة، ومنها الرسالة المصرية البليغة التي وجهتها مصر العربية مؤخرا من خلال اخلاء قنصليتها في غزة والمغلقة منذ الإنقلاب .. وقبل كل هذا حالة الغليان الشعبي التي بات يشهدها قطاع غزة جراء الحصار وتدهور الأوضاع الإقتصادية فيه إضافة إلى فشل حكم حماس للقطاع والذي سبق أن أشار إليه السيد خالد مشعل في مداخلة نقدية له سابقا منذ أعوام .. 

يضاف إلى ذلك القوة العسكرية التي باتت تمتلكها حماس في قطاع غزة وتفرض من خلالها سلطتها المطلقة سواء فازت أو خسرت الإنتخابات المزمع إجراؤها، فإن خسرت هذه الإنتخابات إن جرت فإنه من المستحيل أن تسلم قطاع غزة، وإن فازت بها يعني امتداد سلطتها للضفة الغربية وفي حينها ستمتد تفاهماتها الأمنية القائمة مع الكيان الصهيوني على أنحاء الضفة الغربية وتصبح الطريق ممهدة بينها وبين الكيان الصهيوني لتوقيع اتفاق هدنة طويلة الأمد لمدة ثلاثين عاما دون التوصل لإتفاق سلام نهائي ودون أن تعترف حماس بالكيان الصهيوني، وهذا يتوافق مع رغبة اليمين الحاكم في الكيان الصهيوني حيث يستمر في تنفيذ سياسات التوسع الإستيطاني والضم للقدس ولأراضي الضفة الغربية وتنفيذ كافة عناصر خطة (كوشنير نتنياهو ترامب) خطة صفقة القرن والتي لم تجد معارضة عربية رسمية فعالة لغاية الآن، بل بدأت بعض الدول العربية بتنفيذ ما أملته عليها هذه الخطة الجهنمية من تطبيع وغيره دون أي التزامات من جانب الكيان الصهيوني فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينية ..! 

لا يعني ما سلف أن نرفض إجراء الإنتخابات العامة وما تضمنته رسالة هنية للرئيس، وقد باتت الإنتخابات ضرورية لإعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني واستعادة الشرعية الإنتخابية لمؤسساته التمثيلية والتنفيذية بعيدا عن التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية وصيانة القرار الوطني الفلسطيني المستقل والحفاظ على الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حق المساواة وحق العودة وحق تقرير المصير واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس والتي تمثل ثوابت الموقف الفلسطيني من أية تسوية سياسية تستهدف إنهاء الصراع... 

لكل ذلك فإن هذه الإنتخابات الضرورة لا بد من الإعداد السياسي والقانوني والوطني لها اعدادا دقيقا يؤدي إلى الغرض الوطني المنتظر تحقيقه منها ... في اعادة بناء النظام السياسي على اساس الشراكة الوطنية وإزالة كل مخلفات الإنقلاب واستعادة وحدة الأراضي الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ووحدة مؤسساته وسياساته ... وهذا يحتاج إلى حوار وعمل وطني جاد وواسع يشمل كافة المكونات الفلسطينية في الداخل والخارج قبل إجراء تلك الإنتخابات من أجل أن تحقق هذه الإنتخابات غاياتها الوطنية في ظل مرحلة التحرر الوطني التي يخوضها الشعب الفلسطيني .. وليس لمجرد الفوز بمقاعد سلطة حكم ذاتي تحت الإحتلال ... 

وللحديث بقية عن الإنتخابات وتفاصيلها المختلفة...!