المصالحة الخليجية: نجاح قطري وفشل سعودي

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل



مؤتمر القمة الذي عقد يوم الثلاثاء في السعودية اعتبر "قمة تاريخية"، قمة يمكن أن تجدد التحالف بين الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
في هذه القمة يمكن لهذه الدول أن تصوغ مبادئ المصالحة مع قطر، التي فرضت عليها المقاطعة والحصار البحري والجوي منذ حزيران 2017.
وكخطوة أولى واختراقية وافقت السعودية على فتح الحدود البرية والمجال الجوي أمام المواصلات الجوية والبرية من قطر وإليها.
ما زال من غير الواضح ما هي التنازلات المتبادلة بين السعودية وقطر التي مكنت من التوصل إلى هذا الاتفاق الأولي، باستثناء موافقة السعودية على التنازل عن طلب إغلاق قناة "الجزيرة" واستعداد قطر لإلغاء دعاواها بتعويضات تبلغ خمسة مليارات دولار ضد الدول المقاطعة بسبب الأضرار التي لحقت بها.
للوهلة الأولى يدور الحديث عن اتفاق بين السعودية وقطر فقط. ولكن التقدير هو أن الإمارات أيضا والبحرين ومصر، الشركاء في المقاطعة، ستنضم إلى الاتفاق في أعقاب السعودية.
إعلان النزاع مع قطر وفرض العقوبات في حزيران 2017 كان أحد النشاطات الأولى لمحمد بن سلمان، الذي حظي في الشهر ذاته بلقب ولي العهد.
هذه كانت سنة "خصبة" بشكل خاص لابن سلمان. وبعد خمسة أشهر على ذلك فاجأ المملكة والعالم عندما قام باعتقال عشرات أرباب المال السعوديين ومن بينهم أمراء من العائلة المالكة وأجبرهم على أن يدفعوا لخزينة الدولة مليارات الدولارات كجزء من الحملة التي بدأها ضد "الفساد".
كان ابن سلمان على ثقة بأنه خلال فترة قصيرة سينجح في ليّ ذراع حاكم قطر، الشيخ تميم بن حمد، الذي تولى منصبه قبل أربع سنوات من ذلك في عملية نقل استثنائية للسلطة، فيها استقال والده الشيخ حمد بإرادته من منصبه ونقله إلى ابنه الرابع.
حاول ابن سلمان في الحقيقة أن يعرض مقاطعة قطر كعملية مشتركة لجميع دول الخليج، لكنه نجح في أن يجند إلى جانبه فقط البحرين والإمارات (مصر ليست من دول الخليج)، في حين بقيت الكويت وسلطنة عمان محايدتين.
13 مطلباً وضعتها السعودية أمام قطر وطالبت بتحقيقها كاملة كشرط أساسي لرفع العقوبات. وضمن أمور أخرى، طلب من قطر قطع، أو على الأقل تقليص، علاقتها مع إيران والكف عن دعم "الإخوان المسلمين" و"حماس"، وأن تسلم للسعودية نشطاء هذه التنظيمات وأن تزيل القاعدة العسكرية التركية التي أقيمت فيها، وأن تغلق قناة "الجزيرة" التي كشفت تقاريرها المثيرة للضجة عمق الفساد في الدول العربية وأن تدفع تعويضات عن الأضرار التي تسببت بها سياسة قطر، وأن توافق على رقابة مشددة من قبل دول الخليج على تنفيذ الشروط وتعديل خطها ليتساوق مع السياسة الخارجية لدول الخليج.
حاولت السعودية فعلياً تحويل قطر إلى دولة تابعة، بمكانة مثل مكانة البحرين. ولكن العقوبات التي تضمنت حظر التجارة مع قطر وإغلاق الحدود البرية والجوية وطرد مواطنين قطريين وممارسة ضغوط دولية على قطر، لم تردع حاكم قطر.
والأكثر صحة القول إنها حققت عكس ما طمحت إليه السعودية.
وفور فرض العقوبات على قطر هبت إيران وتركيا لمساعدة قطر. فتركيا أقامت قطاراً جوياً ضخماً وفر السلع الإساسية لقطر، وإيران أصبحت دولة عبور جوي وبحري، في حين أن واشنطن التي تمتلك في قطر أكبر قاعدة في الشرق الأوسط، أثنت على قطر وقدمتها كدولة تساهم بالكثر في محاربة الإرهاب.
اقتصادياً نجحت قطر بسرعة نسبية في مواجهة الصعوبات الكبيرة التي انبثقت عن المقاطعة. فقد بدأت بإنشاء مصانع محلية لإنتاج السلع الاستهلاكية، وضخت نحو 40 مليار دولار للبنوك من أجل تغطية الفجوة في الودائع التي سحبت منها من قبل مستثمرين من الخليج، وزادت صندوق الاستثمار الوطني إلى مبلغ 320 مليار دولار تقريبا.
بدلاً من الضائقة المؤقتة والخوف من الخنق الاقتصادي حل في العام 2018 نمو بنسبة 2.7 في المئة.
قطر التي تحتفظ برقم قياسي عالمي في دخل الفرد، تعهدت بأن تستثمر نحو 15 مليار دولار في تركيا من أجل مساعدة اقتصاد تركيا، الذي يعاني من أزمة شديدة وكرد للجميل على المساعدة التي حصلت عليها من تركيا عندما فرضت عليها العقوبات.
وهي أيضاً توسع استثماراتها في أرجاء العالم وكأنه لم يفرض عليها حصار.
حظيت قطر أيضاً بموافقة إسرائيل على مساعدة "حماس" في قطاع غزة.
وهي شريكة مع تركيا في الحرب التي تجري في ليبيا بين الحكومة المعترف بها وبين الجنرال الانفصالي، خليفة حفتر، وتستمر في الاستعداد لاستضافة ألعاب كأس العالم التي ستُجرى في العام 2022.
السعودية في المقابل تحولت في السنوات الثلاث من فترة ولاية ولي العهد ابن سلمان إلى دولة غير مرغوب فيها في الولايات المتحدة وفي أوروبا.
قتل الصحافي جمال الخاشقجي وسم القائد السعودي الشاب كشخصية وحشية وخطيرة، وتطورت الحرب في اليمن التي قادها إلى مستنقع عسكري وسياسي دموي أثبت أنه حتى مع أفضل السلاح الأميركي فإن جيش السعودية لا يمكنه حسم حرب ضد قبائل محلية.
والآن عند دخول جو بايدن البيت الأبيض، السعودية بالتحديد هي المهددة بفرض العقوبات عليها.
من التحالف العربي ضد إيران لم يبقَ الكثير. فدولة الإمارات انسحبت من اليمن، حتى أنها وقعت على اتفاقات للتعاون الاقتصادي والأمني مع النظام في إيران، وسلطنة عمان تواصل الحفاظ على الحياد كجزء من تراث سياسي، بحسبه تحافظ هذه السلطنة على مكانتها كوسيطة لا تتدخل في النزاعات، ويواصل العراق كونه دولة مرور لبضائع إيران، حتى أنه حظي، مؤخراً، بفترة أخرى من رفع العقوبات الأميركية.
ولم تكن قطر جزءاً من هذا التحالف، وهي شريكة إيران في ملكية وإدارة حقل الغاز الأكبر في الخليج الفارسي، والآن يأتي "التهديد الأكبر" الذي يعرضه بايدن مع سياسة العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
اضطرت السعودية إلى تكييف نفسها قبل "عرض بايدن"، وإلى إعادة تأهيل مكانتها في واشنطن وامتلاك رافعة تأثير ضد سياسة أميركية مؤيدة لإيران ومواجهة صعوبات اقتصادية داخلية. والمصالحة مع قطر، التي سعت إليها إدارة ترامب خلال فترة العقوبات، هي في الواقع ثمن باهظ سيضطر ابن سلمان إلى دفعه بعد أن وقف بشكل حازم ضد الضغوط الأميركية للقيام بهذه الخطوة، لكنه يحافظ على مكانة السعودية وكأنها ما زالت تملي الخطوات السياسية في الشرق الأوسط، وهو عرض حيوي قبل تغيير الإدارة في واشنطن.
هكذا، فإن أحد الأسئلة التي وقفت أمام ابن سلمان ووالده الملك، هو هل سيتم "منح" المصالحة لترامب أو الانتظار حتى قدوم بايدن.
هنا لعب صهر ترامب، جارد كوشنر، دوراً حاسماً عندما أقنع ابن سلمان، صديقه المقرب، بتسريع المصالحة من أجل أن يضع أمام بايدن كتلة موحدة من دول الخليج من أجل تصعيب اللعب بين الدول على الإدارة الجديدة.
وقد ذكّر كوشنر أيضاً ابن سلمان بدينه لترامب الذي دافع عنه طوال الفترة منذ قتل الخاشقجي. وليس من الواضح أي من تبريرات كوشنر كان له التأثير الحاسم، لكن ترامب يمكنه تسجيل إنجاز آخر لنفسه في مجال حل النزاعات في الشرق الأوسط.
من لم تكونا مسرورتين من هذه الاختراقة هما مصر والإمارات، اللتان كانتا المعارضتين الأساسيتين للمصالحة.
يوجد بين مصر وقطر حساب طويل، بالأساس على خلفية تأييد قطر لحركة الإخوان المسلمين، التي تعتبر في مصر منظمة إرهابية. والهجمات المتواصلة لقناة "الجزيرة" على الرئيس عبد الفتاح السيسي.
في المقابل، عشرات آلاف المصريين الذين يعملون في قطر رغم مقاطعة مصر وتدخل قطر في غزة وليبيا، كل ذلك يحول علاقات الدولتين إلى علاقات معقدة بشكل خاص.
دولة الإمارات غير راضية عن علاقات قطر مع تركيا التي تعتبرها تهديداً خطيراً أكثر من تهديد إيران.
قضية قطر، التي نجحت فيها دولة صغيرة وغنية في أن تهز تحالفاً عربياً اعتبر ثابتاً ومتماسكاً، توضح مرة أخرى أن "نظرية التكتلات" في الشرق الأوسط ليست بالضرورة تناسب الواقع أو تقدم أدوات لإدارة مستدامة للاستراتيجية.

عن "هآرتس"