كشف حساب مبكر / بقلم: نبيل عمرو

نبيل عمرو
حجم الخط

بعد أن أنفقنا وقتاً طويلاً في تسمية المولود الجديد ثورة أم انتفاضة أم هبّة، وبعد أن تبارت الفصائل في سرد القرائن التي تدل على عدم صلتها بها، وبعد أن انقسمنا بين مؤيد  للتهدئة ومعارض لها، وبعد أن نجح السيد كيري في إحراز تفاهمات حول المسجد الاقصى مبشراً بأن هذه التفاهمات ستعيد الامور إلى نصابها في المسجد المقدس، معتبراً ما فعله هو إنجاز ما قبله وما بعده إنجاز، بعد ذلك كله لابد من وقفةٍ أولية للمكاشفةِ والمحاسبة، ذلك أن أحداث الأقصى وتداعياتها في الوطن نبهت إلى حقيقة ليست في صالحنا على المدى القريب والبعيد وهي ضعف مؤسساتنا التي تمتلك قدرة محسومة على القيادة واستثمار الاحداث وتوجيهها بما يراكم إنجازات تشكل بمجموعها اقترابا من الهدف الوطني الذي هو في نهاية المطاف الحرية والاستقلال.

فالعمل العفوي دون رعاية مؤسساتية يظل مجرد رد فعل قد يستمر طويلاً وقد يتصاعد أو يخبو إلا أن غياب المؤسسة القادرة على استثماره لابد وأن يضعف مردوده أو حتى أن يتحول إلى عكسه وإذا كانت هذه الحقيقة البديهية غائبة عن وعي الطبقة السياسية الفلسطينية المتصدرة للمشهد فان خسارتنا لابد وأن تكون محققة وأفدح مما نتصور، ثم إن تحدياً قوياً وعميقاً نهض في وجهنا من خلال المعالجة الاسرائيلية والأمريكية للاحداث الراهنة وهي عزل الاقصى عن العناصر الأخرى المكونة لمدينة القدس سياسياً واجتماعياً وجغرافياً وادارياً، وإذا كان الاقصى هو أحد الرموز القوية لعاصمتنا ودولتنا المنشودة فان مدينة القدس هي كلمة سر الكيان الفلسطيني الذي نعمل على أن يكون دولة حقيقية، فما هو شكل دولتنا يا ترى دون القدس وسكانها وتراثها وروحها؟ أليست القدس جغرافياً هي ما يصل شمال الوطن بجنوبه؟ ثم أليست القدس اجتماعيا هي العائلات العريقة التي منحت باندماجها وتحالفاتها مع مكونات المجتمع الفلسطيني في كل مكان على أرض الوطن صورة مشرقة لتراثنا وتاريخنا الانساني والحضاري والوطني، فماذا سيحلُ بأهل القدس من هم الآن في داخلها ومن هم في خارجها، لو لم تتأكد القدس الشريف عاصمة للفلسطينيين ورابطاً لكل مكونات الوطن والمجتمع ، والسؤال هل وضع الطبقة السياسية الفلسطينية المتصدرة للمشهد يناسب وضع القدس والخطر المحدق بها ويفي بالمهمات الأساسية لحمايتها وإنقاذها؟

الجواب هنا لن يقدمه الناطقون الرسميون الذين يلهثون وراء الأحداث في محاولة يائسة لامتطائها أو الامساك بها لان الجواب الأبلغ والأدق نقرأه في وصية أحد الشهداء وملخصها " بربكم لا تتدعوني ولا تنتحلوني".